صحيفة المثقف

المادة والطاقة

منى زيتونمما لاحظته من خلال تدبري في أحوال الناس أن جماعات من الناس كالعلماء والفلاسفة والمتصوفة يظنون أنهم يتناقضون تمامًا في فهمهم ونظرتهم عن الكون، بينما الحقيقة أنهم جميعًا –وإن كان البادي اختلافهم- قد يقولون الكلام عينه ويرون الرأي ذاته بطريقة أو بأخرى. فإن كان بعضهم يدعي أنه يتحدث بالمنطق وبعضهم يرى بالحدس، فعن نفسي أرى أنه ليس مستحيلًا أن تكون شديد المنطقية وشديد الحدس في الآن ذاته، وهذا ما أفعله لأكتشف بناءً عليه الرابط بين أفكار قد يبدو ظاهريًا ألا رابط بينها!

تحولات المادة والطاقة

طالما شغلني التدبر في خلق الكون والكائنات، وكنت قد كتبت مقالًا سابقًا بعنوان "الله الخلاق" أدون فيه أفكاري بشأن خلق الأنواع الحية، ولكن هناك قضية أخرى أراها ذات أهمية في توصيف عملية الخلق، وهي قضية "تكافؤ المادة والطاقة" من المنظور العلمي، مع ما ترتبط به من مفاهيم ومعتقدات لدى القدماء.

علمونا ونحن صغار أن الطاقة لا تفنى ولا تُستحدث من عدم، ولكنها تتحول من صورة إلى صورة أخرى، فعندما آكل ثمرة فاكهة تتحول الطاقة الكيميائية المختزنة في تلك الثمرة إلى طاقة حركية عندما أحرك أطرافي وينبض قلبي وتتحرك أمعائي ونحوه، وإلى طاقة حرارية تبقي الحرارة ثابتة في جسدي.

ونعرف أيضًا أن المادة لا تفنى ولا تُستحدث، وأن شخصًا يموت فلا تفنى مادة جسده ولا تفنى عناصره –وإن فني هو كإنسان-، بل تتحلل مادة جسده إلى عناصر تعود إلى التربة لتدور دورة جديدة في الطبيعة، ولتدخل تلك العناصر في تركيب مواد أخرى. ونعلم أن للعناصر دوراتها المختلفة في الطبيعة، والله سبحانه وتعالى أوجد منذ اللحظة الأولى ما يكفي من الموارد في الأرض؛ فلا شيء يزيد ولا شيء ينقص ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: 10].

إذًا فكل ما يحدث في الكون منذ لحظة الخلق الأولى وانتهاءً بختام الحياة وحلول القيامة هو تحولات في المادة وتحولات في الطاقة.

ولكن الأهم أن هناك تحولات ما بينهما؛ فمادة تتحول إلى طاقة وطاقة تتحول إلى مادة، وأن هناك تكافؤًا بين المادة والطاقة، وفقًا للمعادلة الشهيرة التي نتجت عن نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين [ط = ك.س² (بالإنجليزية: E=mc²)‏] أي إن طاقة المادة تساوي حاصل ضرب كتلة المادة في مربع سرعة الضوء. وكانت تلك المعادلة سببًا في اكتشاف الطاقة النووية (طاقة الانشطار النووي). وببساطة يمكن القول إنه من الثابت علميًا أن كتلة المادة –أي مادة- قابلة لإطلاق وتحرير طاقة منها. كما أن بمقدورنا أن نصف الشمس بأنها أكبر مفاعل اندماج نووي تصدر الطاقة الضوئية والحرارية عن طريق تحول المادة.

هذا من منظور العلم، أما من المنظور الميثولوجي وحكايا القدماء فطالما اعتقد القدماء أن الحسد والحقد –كطاقة سلبية- لا يؤثران وحسب على طاقة ومادة جسد من توجهت إليه تلك الطاقة السلبية، بل هما يأكلان –مادة- جسد صاحبهما فيصيبه بعض سمه، وكان العرب يضعون النحافة الشديدة على رأس العيوب في المرأة " شرهن النحيفة الجسم القليلة اللحم"، ويحذرون لأجل ذلك من تزوج المرأة شديدة النحافة تخوفًا من أن نحافتها الزائدة دالة على سوء طبعها وكاشفة لنواياها الشريرة تجاه الآخرين، وربما أيضًا كاشفة لعدم رضاها وشدة تبطرها وكثرة شكايتها مما يلزم ومما لا يلزم، ولم يعرفوا أنه في نهاية الزمان ستصير هذه النحافة الشديدة شديدة المرغوبية لدى كثير من النساء! لكن تلك النظرة البدائية –على بساطتها- كانت ثاقبة في استكشاف العلاقة بين طاقة الجسم ومادته، وأن تحرر الطاقة من المادة ينقص كتلتها! وإن كان حديثهم عن هذا النقص اختص بالطاقة السلبية.

طاقة الحروف والكلمات

قديمًا تحدث العرب عن أن للحروف طاقات، وقسموا حروف العربية الثمانية والعشرين إلى أربع طاقات أساسية؛ نارية وترابية وهوائية ومائية، وكل مجموعة تضم سبعة حروف، فالنارية (أ، هـ، ط، م، ف، ش، ذ) والترابية (ب، و، ي، ن، ص، ت، ض) والهوائية (ج، ز، ك، س، ق، ث، ظ) والمائية (د، ح، ل، ع، ر، خ، غ).

ولكل حرف منها وزن للطاقة يؤثر في طاقة الكلمة التي يدخل فيها. فأول حرف ناري (الألف) يكون ميزانه الأعلى (7)، والحرف الناري الذي يليه (الهاء) يكون ميزانه أقل درجة (6)، وهكذا في كل مجموعة حروف. وعلى سبيل المثال فأنا اسمي منى، ووزن حرف الميم= 4 ناري، ووزن النون= 4 ترابي، ووزن الألف= 7 ناري، وهذا يجعل طاقة الاسم الكلية نارية.

والكلام إجمالًا يحمل طاقة يصعب توصيف نوعها بلغة العلم، فهل يمكن أن نصفها بأنها موجات ميكانيكية لأنها أصوات؟ وهل طاقة الكلام هي ما يحدثه الصوت الصادر من تضاغطات وتخلخلات في الوسط المحيط به بغض النظر عن المحتوى؟! وماذا عن الكلام المكتوب الذي نقرأه وإلا فلماذا نقرأ القرآن، ولماذا يقرأ أصحاب الديانات الأخرى كتبهم؟! وماذا عن الدعاء؟ ولماذا نحفظ صيغًا معينة كالاستغفار والتسبيح للتعبد بها؟

وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الكلمة الطيبة صدقة، وأن علينا أن نقول الخير أو أن نصمت، وأن نتفاءل ونستبشر بالخير، وكان يعمد إلى تغيير الأسماء غير الحسنة، وعلم النفس يؤكد على النصائح ذاتها بأن نكون إيجابيين قدر ما يمكننا وأن نحدث أنفسنا بأننا قادرون على فعل ما نتمنى أثناء سعينا إليه، وأن نوجه الكلمات الإيجابية إلى أبنائنا ونتوقف عن نعتهم بالفاشلين المقصرين.

وتوجد تجارب أُجريت على الماء وعلى النباتات يقوم تصميمها التجريبي على توجيه كلمات إيجابية أو سلبية لقطرات الماء أو للنبات، ودراسة التغيرات الحادثة فيها بعد إرسال هاتين النوعيتين المتعاكستين من الكلمات إليها.

وأظهرت نتائجها أن ترتيب جزئيات الماء –كما ظهر تحت المجهر- تغير وصارت بلوراته مختلفة بحسب الطاقة التي أرسلت إليه، فالكلمات الإيجابية كـ (حب، سلام) أدت لتشكل بلورات ماء رائعة الجمال، والكلمات السلبية كـ "حرب" أدت إلى تشكل بلورات غاية في القبح. والنبات الذي أُطلقت في حقه كلمات المديح من نوعية "أنت نبات جميل" نما ورعرع، بينما النبات الذي وجهت إليه سهام النقد وعدم التقبل، فقيل له إنه نبات قبيح ذبل!

وكنت أتمنى أن يشمل التصميم التجريبي قراءة نصوص دينية كآيات من القرآن الكريم على الماء لنرى تأثير القرآن على شكل بلوراته.

وهذه التجارب تثبت أن للكلمات وللحروف طاقة، كما تثبت أيضًا أن التغير لا يقتصر على تحولات المادة والطاقة والتحولات ما بينهما، فالطاقة –إيجابية كانت أو سلبية- تؤثر في تشكيل المادة، حتى مع ثباتها كمادة وعدم تحولها إلى طاقة، أو إلى مادة أخرى، أو حتى تبدل حالتها؛ فالماء السائل الذي أُجريت عليه التجارب بقي ماءً سائلًا فلا هو صار لبنًا ولا هو تبخر أو تجمد.

ضبط طاقة المادة

عُرف عن الصينيين القدماء نظرتهم إلى المرض على أنه تغير في مسارات طاقة الجسم، وكانوا يلجأون لعلاجات مثل استخدام نوع من الأحجار الكريمة والوخز بالإبر في مواضع خاصة بالجسم، لإصلاح طاقة العضو العليل. كما اشتهر عن المصريين القدماء استخدامهم لما يُعرف بـ "ثالوث الأحجار المقدسة" لصد الطاقات السلبية والشريرة من سحر وحقد وحسد وغيرها عن جسم من يرتديها، وهذا الثالوث يتكون من حجر العقيق الأحمر، وحجر الفيروز السيناوي، وحجر اللازورد الأزرق الغامق وكانوا يسمونه حجر إيزيس أو حجر العفة. ونجد هذا الثالوث مطعمًا لأغلب المجوهرات التي عُثر عليها كمقتنيات الفرعون توت عنخ آمون.

وكان ولا زال المتدينون -على اختلاف دياناتهم- يعتقدون أن لتأدية العبادات تأثيرها الإيجابي على طاقة مادة أجسامنا، وهناك تجارب أُجريت على بعض الرهبان من ديانات غير إبراهيمية قاست طاقات أجسامهم قبل وبعد الصلاة، وكان التغير في مستويات الطاقة في أجسامهم واضحًا.

وكما هو ملحوظ أن العبادات ترتبط بمواقيت زمانية وأخرى مكانية، والمواقيت المكانية عند المسلمين ترتبط بالكعبة المشرفة في مكة المكرمة والتي نتوجه لها عند صلاتنا، وبالكعبة وجبلي الصفا والمروة ومنى وعرفات والمزدلفة والمواقيت المكانية المنصوص عليها للإحرام للحج والعمرة. والدراسات عن الكعبة وموقعها بالنسبة لخطوط الطول وخطوط العرض ومجالها الطاقي ونسبتها الذهبية والطواف حولها في اتجاه عكس عقارب الساعة بشكل مماثل لحركة الالكترونات حول النواة، وغيرها دراسات كثيرة، وإن كانت بحاجة للمزيد والمزيد من البحث.

ومن المواقيت الزمانية لأداء العبادات ما يرتبط بدورة الأرض حول الشمس فيتكرر الحدث مرة كل عام كقدوم شهر رمضان وموسم الحج وموعد إخراج الزكاة عند المسلمين، وهي أيضًا ترتبط بدورة القمر حول الأرض لتحديد الأهلة، ومنها ما يرتبط بدورة الأرض حول نفسها وتعاقب الليل والنهار كالصلوات الخمس، وموعد الإمساك والإفطار في يوم الصوم.

وارتباط العبادات اليومية عند المسلمين بتعاقب الليل والنهار وتحديدًا بموضع الشمس بالنسبة للأرض والاختلاف في مستويات الطاقة الكونية الذي يحدث خلال اليوم والليلة دال على أن الصلاة في المواقيت الخمسة لها دورها في ضبط طاقة الجسم وتناسقها مع طاقة الكون، خاصة طاقة الشمس والقمر؛ فالصلاة تحمل أجسامنا بطاقة إيجابية، كما أنها أيضًا تخلص أجسامنا من الشحنات السالبة (الالكترونات) المتراكمة على أجسامنا، خاصة وأن صلاتنا كمسلمين تلزمنا بأن نسجد على سبعة أعضاء على الأرض، لتأخذ منا الأرض تلك الالكترونات السالبة، والتي تُعرف بالكهربية الساكنة. وعلى هذا فالصلاة تغير طاقة مادة الجسم تغيرًا للأفضل، مثلها في ذلك مثل الوضوء وقراءة القرآن والدعاء، وهناك علماء بصدد دراسة أثر التدليك بالماء عند مواضع الوضوء من الجسم على إصلاح مسارات طاقة الجسم، والنتائج مبشرة.

أما بالنسبة للصيام فهو يسهم في تحرير الطاقة من مادة الجسم لإنقاص كتلته، ولعله لم يبق أحد لم يسمع بصيحة الصيام المتقطع يومين أسبوعيًا، لست عشرة ساعة متواصلة في كل يوم، والذي يعتبر محاكاة لنظام الصيام التطوعي الأسبوعي لدى المسلمين، وبعض الناس يداومون عليه يوميًا كحال المسلمين في صيام شهر رمضان متواصلًا.

ودون قطع للسياق فقد كنت كلما سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: "لا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْإِفْطَارَ وَأَخَّرُوا السُّحُور" أتساءل: ما الذي يمكن أن يجعل أحدًا يؤخر إفطاره أو يعجل سحوره فيطيل مدة صيامه عامدًا؟! ولكن بعد ظهور صيحة الصيام المتقطع لست عشرة ساعة والتي يداوم عليها بعض الشباب والشابات طوال العام وحتى في رمضان، فقد فهمت أننا الآن قد زال عنا الخير.

وعودة إلى موضوعنا، فأقول إنه قد ثبت للعلماء أن هناك مصدرين يمكن للجسم أن يحصل على الطاقة من أيهما، وهما الجلوكوز الناتج عن هضم الطعام المأكول المهضوم توًا، والطاقة الناتجة من خلال حرق جليكوجين الكبد والدهون المخزنة في الجسم التي زادت عن حاجته في وقت سابق، والحالة الفسيولوجية المثالية أن يمكن للجسم التبديل بين مصدري الطاقة، فيتعاقبان تعاقب النهار والليل بكل أريحية، فحين يأكل الإنسان يهضم الجسم ما أكله ويستخدمه كطاقة، وحين ينتهي هذا الوقود يبدأ الجسم مباشرة في حرق الدهون المختزنة، وهذا التعاقب يُبقي طاقة الجسم ثابتة فلا صداع يحدث ولا خمول، كما أن تحرير الطاقة من الدهون ينقص كتلة مادة الجسم الزائدة أولًا بأول، ويحافظ على وزن مثالي.

وعملية حرق الدهون تزيد مع ارتفاع مستوى هرمون الليبتين في الدم، وتصل لأعلى مستوياتها الطبيعية في الليل، خاصة أواخر الليل ووقت السحر، ولكن نظام الحياة الحديثة يسمح بالكثير من السهر ما يسبب الجوع والأكل ليلًا، فكأنه لم يعد ﴿اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾ [النبأ: 10]، ومن ثم يرتفع مستوى هرمون الإنسولين وينخفض مستوى هرمون الليبتين في الدم وتقل قدرة الجسم على حرق الدهون المختزنة، ومع استمرار الأكل ليلًا وكذا الإكثار من تناول الكربوهيدرات (النشويات والسكريات) يختل نظام تبادل مصدري الطاقة الطبيعي، ويصبح هناك مصدر وحيد يعتاد الجسم استخدامه للحصول على الطاقة، وهو الجلوكوز الناتج من الطعام المهضوم، ما يبقي الإنسان في حالة جوع دائمة كلما نفذ هذا الجلوكوز رغم وجود دهون مختزنة يمكنه تحرير الطاقة منها. إلا أن الحال لا يكون كذلك عندما ينام الإنسان ثم يقوم الليل بالصلاة، فلا يأكل بل يتعبد، فإن هذا ليس من شأنه إفساد نظام تبادل مصدري الطاقة في الجسم.

مُلحة للختام

وأختم بمُلحة عن ملح الطعام، واسمه العلمي هو كلوريد الصوديوم، وربما كان أكثر المركبات شيوعًا على كوكبنا، فملايير الجزئيات منه تتواجد في مياه البحار والمحيطات، وبالنسبة للقدماء كانت له قيمة أكبر من استخدامه في تطييب الطعام، فكانوا يعتقدون في قدرته على سحب الطاقات السلبية من المادة، سواء كانت جسمًا أو مكانًا.

وكان القدماء يعتقدون أن ظهور كوكب المشتري في السماء ليلًا فأل حسن وسعد وطاقة إيجابية تبث في الكون، ويحبون أن يتعرضوا لها، ولم يكونوا قد رصدوا أقماره بعد، والتي اكتشف جاليليو أكبر أربعة أقمار منها، وتُعرف لذلك بالأقمار الجليلة نسبة إليه، وفي يونيو 2019 اكتشف تلسكوب هابل الفضائي وجود كميات كبيرة من كلوريد الصوديوم على السطح الجليدي لأحد أكبر أقمار المشتري "القمر أوروبا"، والذي يعتقد العلماء أيضًا في وجود محيطات مالحة شاسعة تحت سطحه تحتوى على كميات كبيرة من كلوريد الصوديوم. ومع مزيد من التحليل الطيفي لهذا القمر أصبح العلماء يعتقدون أن "أوروبا" عبارة عن كرة كبيرة أغلبها من ملح الطعام تدور حول المشتري!

 

د/ منى زيتون

الأربعاء 17 فبراير 2021

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم