صحيفة المثقف

أشور بانيبال المثقف التنويري!!

صادق السامرائيقائد آشوري معروف، أسس أول مكتبة في تأريخ البشرية في القرن السابع قبل الميلاد، إحتوت على أكثر من ثلاثين ألف من الألواح الطينية، المكتوبة باللغة الأكدية في موضوعات تعود لسنوات (627- 668) ق.م. وهي " أثمن وأقدم وأكبر مكتبة في التأريخ".

وبعد تدمير نينوى(612 ق.م) من قبل البابليين والسكوثيون والميديون، أحرقوا المكتبة فانصهرت بعض الألواح وإنفخرت أكثرها فبقيت رسائل نور للأجيال.

آشور بانيبال الذي لقب نفسه: "عناية الحاكم الآشوري المثقف آشور بانيبال ملك العالم وملك الآشورين"!!

كان في قصره مكتبة تضم أكثر من ألف لوح طيني، وقد جمع معارف حضارات وادي الرافدين والدنيا، مثلما فعل المأمون في بيت الحكمة ببغداد.

وقد عرّقتنا هذه المكتبة على ملحمة جلجامش، أسطورة الخلق البابلية، معاهدة أسرحدون، موشور سرجون، لوح كوكب الزهرة، نقش أزيكا، وغيرها من النصوص والملاحم والقصص.

والحمد لله أن المتحف البريطاني لديه العديد من الرُقم الطينية التي وُجِدت في المكتبة، وإلاّ لدمرناها كما دمرنا غيرها من الآثار.

وما يجب الإشارة إليه في هذا الموضوع، أن القائد يجب أن يكون مثقفا لكي يرتقي بشعبه إلى مطلق الرؤى والتصورات، وبه الشعب يكون ومنه يستلهم تطلعات وجود أصيل.

كما أن التنوير والتغيير بحاجة لقائد تنويري، يحب الثقافة ويؤمن بالعقل، والقدرة على صناعة الحياة الأفضل، بالتفاعل والتعلم والقراءة المتواصلة.

وآشور بانيبال يؤكد أن الثقافة والتنوير نبع الحضارة ومنطلق الصيرورة الإنسانية العليا، ولهذا جمع ما تركته الحضارات السابقة، وما ضمته قصور الملوك من قبله من مصادر للمعرفة والعلم.

كما يشير إلى أهمية المكتبة في صناعة المجتمع الواعي المتنور، الذي يكون قوة لها شأنها في الحفاظ على الدولة ودورها في الحياة، ولا تزال المكتبة من المراكز المهمة في المجتمعات المتقدمة، ولها تأثيرها في بناء المواطنة الصالحة.

وظاهرة المكتبة الكبرى الجامعة تكررت في بلاد الرافدين، وإن بدأها آشور بانيبال، فأن المأمون كدّس ثقافات الدنيا ومعارفها في دار الحكمة ببغداد، ويمكن القول بأنهما قد أصابا الحضارة الإنسانية بمقتل لوضعهما ثمراتها في سلة واحدة، وفي الحالتين أصبهما الإحتراق من قبل الأعداء أو الغزاة، ففي حريق مكتبة آشور بانيبال إنصهرت آلاف الرقم الطينية وذابت، وقسم منها تحولت إلى رقم فخارية، وبيت الحكمة تحول إلى رماد، وحبر مذاب في مياه النهرين.

ترى هل سنفوز بقائد تنويري يقرأ ويعرف قيمة الثقافة ويسعى لبناء الإنسان.!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم