صحيفة المثقف

طاقة الشكروالامتنان..

"قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والابصار قليلا ماتشكرون" الملك23

خلق الله الحياة والكون بما رحب، الارض وما حوت من كنوز، السماء واجرامها على حساب دقيق قائم على تبادل الطاقات، من اجل تيسير الحياة والحفاظ على نعمها، وإن أحد صور الحفاظ على هذه النعم من الزوال هو الشكر لله "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات مارزقناكم إن كنتم إياه تعبدون" البقرة 172

وفي الحقيقة ان الكون يقوم على طاقات لامرئية محسوبة لايعلمها غير خالقها وان اي خلل فيها سيؤدي الى خلل في الحياة، وكل المخلوقات تسبح وتشكر الله كل بطريقته"النجم والشجر يسجدان"هل سالت نفسك كيف يسجدان ولما يسجدان؟ انهما يسجدان شكرا لله للتعبير عن الامتنان لهذا الخالق العظيم، هذا الشكر الذي يجعل الله جل وعلا يكافأ مخلوقاته كل حسب تكوينه، وان طاقة الكون انما وضعت لخدمة الانسان فطاقةالقمر والنجوم يجعلان الانسان في حالة توازن، لذلك فان الانسان قبل ان يصل الى ماوصل اليه من عولمة كانت الطبيعة هي مسرحه الذي يمده بالطاقة، فكان ينام ليلا بسطح الدار، يستمد طاقة القمر والنجوم دون ان يدرك ان هذه الطاقة تجعله متوازنا معتدلا هادئا، مستمتعا بحياة سوية صحية لاتقارن بحياة انسان اليوم الذي باتت العصبية والانفعالات تلازمانه في ظل هذا التشويش العظيم الذي احدثته اشعاعات العولمة وطاقاتها السلبية!

والشمس التي خلقها الله ليتنعم الانسان بضياءها ودفئها وحركة الحياة المرتبطة ديناميكا بها"وكل في فلك يسبحون"، والطبيعة بما رحبت، الزهورالتي تمنحنا الجمال والعطر، والاشجار التي تمنحنا الظل واطيب الثمر، الجبال، البحار، الانهار، الماء الذي خلق منه كل شئ حي، الهواء الذي يملا رئتينا، ماذا لو انقطع!الا تعلم ان كل كل شئ في الكون له طاقة وان هذه الطاقة سخرت لخدمتك؟

هل سالت نفسك يوما لماذا نقول شكرا؟

وكم مرة باليوم تردد هذه الكلمة؟

هل ترددها كثيرا ام انك ممن لايحبون هذه العادة، لانك لم تتعلمها اصلا؟

هل تشكر الله كثيرا اوقليلا ام انك لاتشكره ابدا؟

هل تشكر والداك على نعمة الحياة او على اي خدمة يقدمانها لك؟

هل شكرت اخوتك او اصدقاءك على اي خدمة مهما كانت بسيطة؟

هل ربيت اطفالك على الشكر ام انك غير مكترث؟

هل شكرت الشمس على نعمة الضياء والدفئ شاكرا الله بذلك؟

هل شكرت القمر؟

هل شكرت الورود على جمالها الذي انعمت به عليك وعطرها؟

هل قلت "سبحان الله"عند نزول المطر او تساقط الثلوج ممتنا لله؟

هل شكرت المكان الذي يأويك، الوطن، البيت، غرفتك التي الفتها والفتك، فراشك وغطاؤك؟

هل شكرت الله على نعمة النوم والاستيقاظ؟

هل تعلم ان الشكر طاقة تهبها لتعود اليك شاكرة؟

لكي نجيب على هذه الاسئلة علينا ان نخوض اولا في معنى الشكر

ان الشاكر هو الذي يتوقع الخير في الحياة كنتيجة منطقية لشكره، وان الشكر والامتنان الدائم تجعل الانسان موصولا بربه، وهو سلوك عظيم، ينبع من قلب مؤمن بنعم الله واحسانه"ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد"لقمان12

ومن البديهي ان كل شئ في الحياة يعتمد على فعل ورد فعل وهذا قانون فيزيائي وكوني، فمن قام بالفعل قد بذل جهدا بالتاكيد واستهلك جزءا من طاقته ليقدمه اليك، اي انك استلمت عملا جاهزا بمجهود وطاقة غيرك، هذا العمل أدخل على نفسك السرور او أدى لك خدمة كنت بحاجةا ليها، فهي بكل الاحوال طاقة إيجابية جعلتك تشعر بالارتياح، وبمقابل هذه الطاقة أنت تقول شكرا، تعتقد انها كلمة لكنها بالحقيقة طاقة ايجابية خرجت منك لتعبر عن إمتنانك ودخلت الى نفس المقابل الذي قام بالعمل وفق ترددات معينة، هذه الطاقة جعلته سعيدا وهويرى ان عمله ذات قيمة و لم يذهب سدى لانك أدخلت السرور الى نفسه مولدا بذلك طاقة ايجابية تعادل ماقام به من عمل مهما كان..

ان تبادل عبارات الامتنان تؤدي الى تبادل الطاقات الايجابية التي تدخل السرور الى النفس فيحصل المقابل على نشوة الرضا التي تجلب له المتعة والسرور، ومهما كان العمل صغيرا فان الثناء عليه يجعله نفيسا.

وهذا ينطبق كذلك على شكر الله جل وعلا على نعمه الكثيرة، فان كلمة"الحمد لله والشكر لله"هي عبارة الشكر والامتنان لله اولا وللنعمة ثانيا، وعلينا ان ندرك ان كل شئ في الحياة هو عبارة عن طاقة واذا ما وظفت هذه الطاقات بصورة صحيحة فانها تجعل حياة الانسان ايسر واجمل، هل سالت نفسك لماذا يعيش (س) من الناس حياة جميلة بينما يعيش اخاه حياة بائسة؟

والجواب ان (س) قدنظم حياته على مبدأالشكر الذي يجعل رصيده ممتلئ، فهو دائم الحمد والشكر لله على كل شئ مهما كان هذا الشكر يزيد عليه النعم كمكافاة من الله جل وعلا"لان شكرتم لازيدنكم"فهو يرسل طاقة الشكر الى الله ليثيبه على ذلك، بعكس اخيه الذي ينقم على الحياة فتراه متذمرا كثير الشكوى، يعامل الناس بفظاظة، ويشعر بانه غير مدين لاحد في حين انه غارق بالديون لكل انسان قدم له معروفا ولم يشكره حتى وان كانت زوجته او اولاده، او والديه اللذان انكر تعبهما لسبب او لاخر"ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" ال عمران 159، لان كلمة الشكر هي تعبير عن الامتنان، هذه الديون ارهقت كاهله وجعلته غارقا بطاقاته السلبية وطاقات الاخرين السلبية التي ظلت تطارده لانه جحدها، فانعكست على شخصيته فبدا متجهما، عابسا، حاقدا، كارها لكل شئ، منبوذا ومكروها من الجميع!

فليس امامك سوى خيارين اما الرضا وهذا يجعلك دائم الشكر فتهدأنفسك وتزدهر طاقاتها الايجابية، واما السخط وهذا يجعلك حاقدا كارها طاردا للخير، بحيث ان المحيطين بك ينفرون منك مهما كنت قريبا منهم، فمثلا انك متخاصم مع صديق وبدات تجهز مشاعر الحقد والكراهية تجاهه، فمن هو المتضرر الاول بهذه الخصومة؟انت طبعا لان كرهك له لايؤثر عليه، بل لايشعر به اصلا، في حين ان تجمع الطاقة السلبية وتراكمها في نفسك تجعلك طاحونا تطحن نفسك قبل كل شئ.

هل فكرت لماذا الارض كروية؟

لان الشكل الكروي يدوّر الطاقة معه ويجددها، هذا الدوران يجدد الطاقة الكونية ويجعلها بحالة متجددة تمر بجميع المخلوقات دون استثناء(سبحان الله) وكل يشكر الله على هذه النعم.

هل رايت "كورالحياكة "عندما تبدا بلف الخيط عليه ماذا يحدث يبدأ الكور بالازدياد شيئا فشيئا فهو يكبرويكبر، وهذا بالضبط مايحدث للطاقة الايجابية او السلبية التي تزداد مع الدوران.

هل تاملت يوما المثل القائل"الصحة تاج على رؤوس الاصحاء"؟

هل شكرت الله على نعمة الصحة، هل شكرته على نعمة البصر، تلك النعمة التي لاتعرف قيمتها الا عندما تفقدها، هل شعرت بشعور الاعمى! ماهو شعورك عندما تنقطع الكهرباء عنك لمدة نصف ساعة!هل شكرت حواسك على كل ماتقدمه اليك، يديك وماتقدمانه لك من اعمال، كيف تاكل؟ كيف تكتب ؟ كيف تشرب؟ كيف ترتدي ملابسك؟ كيف تمارس حياتك اليومية؟فكرت كيف تمشي؟ كيف تذهب الى العمل وتمارس الرياضة؟ هل كسرت ساقك يوما وتعذر عليك دخول الحمام الا بمساعدة احدهم ؟هل شكرت ساقاك يوما؟هل شكرت الله على نعمة العقل؟ هل انت ممتن لهذه المنظومة الرائعة التي وضعها الله في خدمتك، فاذا كنت من الشاكرين لهذه النعم فان هذه الطاقة ستعود اليك بدوام الصحة والعافية "اذكروني اذكركم"، كل شئ يعتمد على تقديرك للنعم التي يثيبك الله عليها، وشيئا فشيئا سترى ان تفاؤلك يؤدي الى تحسين صحتك النفسية وابعاد الطاقات السلبية التي تحل محلها طاقات ايجابية جاذبة للخير كله، وان الحمد والشكر لله ولنعمه الكثيرة يجعل الله جل وعلا يزيد من بركته ويرفع اي ابتلاء او مكروه يعاني منه "قال ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك عليَّ وعلى والديَّ وأن أعملَ صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي.."

ان مداومة الانسان على الشكر تجعله كنزا من الرضا الذي يعكس جمال روحه مما يجعل هالته نورانية جاذبة للخيروتلك هي طاقة الامتنان، فيقال ان فلان وجهه نوراني وهذه حقيقة، لان الخير الذي فيه جعل طاقته مشعة يشعر بها المقابل حتى وان كان صامتا اوبعيدا، ولو علم الانسان عظمة هذه الطاقة لشكر حتى النملة التي تمشي على الارض! خذ قرارك اذن وغير حياتك بتغيير طاقتك وكن شاكرا دائم الشكر، فالشكر صفة من صفات الله عز وجل ومن اسماءه الشاكر والشكور"ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم".

 

مريم لطفي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم