صحيفة المثقف

سلطة الخطاب: لماذا لاهوت اللغة؟

سامي عبد العاللا تسود الخطابات (شكلاً واسلوباً ومرجعيةً ) بصور متشابهةٍ إلاَّ في ثقافة التقليد. تلك الثقافة التي نتعثر في منزلقاتها بحكم أنَّها تحدد جوهر الأفكار المتداولة. ولا سيما أنَّ تاريخنا الثقافي العربي يمثل عصوراً من السلفيات وأقنعتها التي تُسلّم إحداها إلى الأخرى بالتتابع، حيث لا يستطيع المُتلقي صياغة معنى دونما احتذاء الآخرين. وحتى لو لم يُوجد هؤلاء الآخرون على الحقيقة، لاخترعهم المُقلِّد اختراعاً سائراً حذو النعل بالنعل. ولئن كان الخطابُ يحمل في العادةِ اسرارَ المجتمع (أسرار حياته وأفعاله وشفراته الثقافية)، فالقضية كذلك تتجاوز مجرد الاحتذاء فقط عبر مجالٍ بعينه. لأنَّ طرائق التفكير داخل المجتمع العربي تتقارب في محتواها لحد التماثل وإنْ اختلفت المجالات. بحيث قد نرى عالِّماً سلفياً في مجال العلوم والمعارف المتطورة، وكذا قد نجد فناناً موهوباً على الشاكلة السلفية ذاتها، وحتى ربما نرى مُفكراً- يقول عن نفسه مبدعاً- بينما هو سلفي حتى النخاع!!

ضمن الثقافة العربية يتجلى هذا الأسلوب مثلاً في السياسة خلال ترديد المقولات  الرائجة والأفكار نفسها. ومن الصعوبة بمكان الخروج من دوامة التكرار التاريخي الذي يلف الحياة العامة، كأنَّ هناك خطة ممنهجة يتبعها اللاحق تمشياً مع السابق... رأينا ذلك في السياسات والفنون والمعارف والاعلام جنباً إلى جنب. ذهب الربيع العربي العاصف بالقشور الخارجية لجوهر السلطة في دول العرب وجاء بأشخاص وانظمة وحكومات أخرى، ولكن لم تمر فترة وجيرة بعمر الثورات حتى عاد التخلف السياسي من أوسع الأبواب. وأيضاً على مستوى الجماهير، سنجد الالتزام بنبرة التمجيد والنفاق لشخص الحاكم والمسؤولين وكبار القوم وسكب معاني الولاء المتزلف لمهابتهم. ومع اتساع الدائرة - لو تأملنا قليلاً- سنجد تعميماً لآليةِ ذلك الخطاب عبر شتى جوانب الحياة. كالحال السائد داخل الفكر الديني والأخلاق والطقوس الاجتماعية والتعليم والمناسبات العامة.

يا تُرى ما السبب وراء ذلك؟ إنَّ استعمال اللغة بشكل لاهوتي (أي التشبع بالسلطة – بذل التقديس– لهاث التكرار – طقوس الألفاظ – تطابق المعاني) يؤكد حالة الاجترار من مجالٍ إلى آخر. وقد لا يملك الفرد محاولة الخروج من أثقالها الدلالية، وأيضاً ليس ذلك متاحاً بالنسبة لفئةٍ من فئات المجتمع، فهناك تراث يحكم المسألة وهو بمثابة المرجعية الخفية التي تصوغ صور الفكر وآفاق المعنى. ولعلَّ عدم إدراك تلك العملية اللغوية الثقافية إنما يطغى على عقول أصحابها حقباً بأكملها. فمجالات المجتمع - إذا أردنا التدقيق- لا تشبه أوراقاً لكراسٍ تحت أصابعنا نقلبُ الواحدةَ منها وراء الأخرى، لكنها حدودٌ متداخلةٌ بما يستحيل فصلها. أليس هناك مجتمع عميق الجذور؟... إن المجتمع يماثل خفاء اللغة في عملها وضمان وجودها في التاريخ. ففي أصغر وحداته الاجتماعية، يختزن هذا المجتمع أو ذاك أعظم صفاته ومورِّثاته الثقافية.

المسألة من ثمَّ أن الثقافة المهيمنة تخترق كافة الأنشطة الفرعية بواسطة العبارات المتداولة. فماذا ستكون أرصدة الخطاب: إنها كل المفاهيم، كل التبريرات؛ أي كل حيل سيتذرع المُخاطِب بها لطرح رسالته. لدرجة أنَّ الخطاب يقارب بهذا الإطار بين فضاءات الثقافة المتناقضة. وتكاد ترْشَح الصيغُ اللغوية بالمضامين البعيدة كما ترْشَح التربة المتراكمة بمكوناتها التاريخية، فإذا بها مثقلة بصور ومفاهيم نمطية. ولا سيما أنّ الحقيقة كامنة حصراً في السمات الأساسية لهذه الثقافة. أي على سبيل المثال: هناك خطابات الدين كمركز إنتاج يقف وراء الدوافع والأهداف التي تحققها، بل باستطاعته شحن فاعليها بقدرات نوعية وصراعية تجاه الأغيار. من هنا كان توظيف (الدين) أيديولوجياً بجميع أنماطه هو جوهر الاستغلال والقمع. وأسهم في ابقاء الأوضاع المتردية على ما هي عليه اجتماعياً وسياسياً. لأن الخطاب الواحد يتضامن مع المعتقدات الجارية حتى يسود على نطاق عام، وحتى يضمن العودة مرة أخرى إذا وجد تهديداً أو تغييراً.

ولا سيما أنَّ الخطاب الديني لدى الذهنية العربية هو نموذج معياري paradigm نُحتَّت على منواله كافةُ النماذج الفكرية والتواصلية. فالآيات والقصص الدينية والنصوص المأثورة تُرّصِّع عاطفياً أيَّ كلام يطرح في الشأن العام وهذا يوفر تطابقاً مستقبلياً لما سيقال وما سيتم فعله.. وربما لا يجد أدنى مضمون ثقافي نفاذاً دونما الاتكاء على أصداء القبول الديني. بخاصة أن مجال التواصل لدينا نحن العرب مجال أهوج لا قانون موضوعي له، كما أنه يراوغنا بمزيد من الخداع مع ضيق الأحوال المعيشية وتمكين الأنظمة الحاكمة من رقاب مواطنيها. كما أنَّه يناور أحاسيس القطيع الذي تؤسسه السياسة وعقائدها اليومية على نطاق أكبر. وهذه السمة تسللّت بعباءة الفقهاء وأصحاب الفتاوى إلى مظاهر الكلام العام إجمالاً. فاللاوعي الجمعي يلهثُ وراء أنماط خطابية سائدة لها الحظوة عند العامة والخاصة. وحينئذ سيكون السؤال جائزاً: مَنْ غير رجال الدين لهم تلك المكانة العابرة للمجالات؟!

ونتيجة ذلك، فإنَّ إيقاع الخُطب العامة أيا كانت سيكرر لُّهاث الخِطابة الدينية المؤدلجة رغم اختلاف حقولها التواصلية. وستتلاعب بالمشاعر بالطريقة ذاتها التي يمسك بها أصحاب الوعظ الارشاد دلالة الله ويوزعونها على الأتباع حارمين سواهم منها. كما أنَّ اللهجة العنيفة والإقصائية لها تبطن المعاني في شتى الاتجاهات. ولأن الخطاب الديني المؤدلج كلام بلا ضمان إلاَّ بكم " الينبغيات المجانية "، أي ينبغي السمع والطاعة وينبغي الالتزام بالفتاوى وينبغي بذل النفس والمال وينبغي الامتناع عن كذا وكذا وينبغي التأييد والدعم لكذا...، فإنَّه يصادر أيَّ اختلاف متوقع.. بل يفرض أوامره ونواهيه بلا نقاش.

إنَّ سلطة الخطاب الديني بهذا التكوين تمنع وجود خطابات متنوعة، بل تحُول دون التفكير المختلف. لأنها تستحوذ على مجمل الفضاء اللغوي الذي تهيمن عليه، ولا تسمح بتغيير نمط التعبيرات الجارية حتى. كما أنه خطاب يثبت المرجعية في صورة مرجعية عليا لا ينازعها شيء. وبخاصة حين يحدث تواطُؤ تاريخي بين أسس الثقافة الغالبة وبين آليات الخطاب ومنطقه. نقول إنَّ ذلك أمر تاريخي بامتياز، لأنَّ ظروفاً اجتماعية تتدخل بأحداثها في معادلة الصراع بين قوى الخطاب والواقع. فلا يتم نفاذ سلطة لأي خطاب دون قاعدة اجتماعية ثقافية يجري تكريسها وهي بمثابة الحاضنة لتفريخ آثاره ونتائجه. فالتأويلات السائدة للدين هي كذلك عصية على التغيير، لكونها تلجأ إلى بنية عشوائية من الأفكار الدجمائية تتكتل باسمها في الشارع، وتحتمي تحت صدّفة الأفكار الشائعة والقوية. ولهذا يحافظ فقهاء الدين دوماً على هذه "الحاضنة الشعبية" لخطابهم بقدر حفاظهم على مصادر رأسمالهم الرمزي.

في الأغلب تحرُث آليات الخطاب تلك الأرضية الاجتماعية لأجل بذر نمط الخطاب المراد ترسيخه بمجمل تكويناته. وذلك اعتماداً على استثمار موارد ثقافية في إعادة تأكيد رسالته وأهدافه. وبالتالي لا يدّخِر الخطاب الديني المسيَّس جهداً في التلاعب بالموارد تغلغلاً في المجتمع. وأحياناً يبلور هذه الموارد ويأخذ في إنضاجها على مهل كخميرةٍ لإدارة الصراع على نحو طويل الأمد. عندئذ يبدو الخروجُ على اللهجة السياسية خُروجاً على مهابة السلطة وقداسة الدين معاً.

في هذا السياق ليس صحيحاً (على الإطلاق) أنَّ رجال السياسة يريدون تجديد الخطاب الديني، لأن هذا الخطاب لو تغير، سيكونون هم أول ضحاياه مباشرةً. بل في قرارة نفسه يؤيد رجل السياسة جمود الفكر الديني ويدعمه طوال الوقت إن لم يكن هو ذاته يرتدي عباءة الفقهاء ويتمسح بكيانهم. لأن جمود الفكر بمثابة الطبقة العازلة ثقافياً التي يحتمي بها دون أن يراه أحد. كأنه نوع من اليرقات الهشة التي تدخل أية قوقعة تصادفها إذا شعرت بالتهديد والخطر. ولأن اللغة واحدة، فإي تطور يكسر لغة الخطاب الديني ويكتشف معانيه سيتسأل لاحقاً ماذا هناك في الخطاب السياسي. فالتساند والتواطؤ بين الخطابين يمنع فك الارتباط بينهما وتخلية الظهير المباشر لأحدهما معناه تعريض الباقي للمخاطر الآتية لا محالة.

لهذا يكاد رموز الحكم والسلطة ورجال الدين- أثناء مراقبة الشأن العام-  يتشممون الكلام شماً ويلعقون الألفاظ كالقطط السمان. ويحولونها إلى إحساسٍ غريزي، أي يحولونها مجازاً إلى جلد لغوي linguistic skin شاعرين فيه بوخزات المعارضين. كما لو أنهم يتلقون الكلمات بأسلوب مُناخي ما بين السخونة والبرودة والاعتدال والدفيء والعواصف والأمطار والرعود والبروق. حقاً يتم ذلك بطبيعة الحال والمقال، لأنَّ الخطاب الأُحادي خطاب بدائي يتعامل مع اللغة كممتلكات طبيعية خاصة رغم عموميتها. وبالتالي ما كان ينبغي من وجهة نظرهم لغير أصحاب هذا الخطاب الاقتراب منها. إذ كانت اللغة، الرموز، الأيقونات، النقوش في المجتمعات البدائية مسكونة بالألغاز والمجهول، فلا يستطيع ترويضها سوى الكهنة وملوك القبائل وحافظي الأسرار وصائغي تراتيل الآلهة. وتباعاً في المجتمعات البشرية جرى النظر إلي الكلمات على أنها مقدسة بنفس مكانة أصحاب السلطة العليا، فهم مالكُّوها، وهم المؤثرون بها.

مازالت الثقافة العربية تتمسك بتلك الأطر التاريخية، الأطر البدائية القائمة كما يبدو على التراتب السلطوي. لأنّ مجال اللغة لم يشهد فكراً مغايراً وثرياً في جوهره، منذ عصور المعتزلة والأشاعرة والمتصوفة الأوائل وما واكبها من رؤى للبلاغة والفكر اللغوي لتأويل النصوص الدينية. كما أنَّ هذه التيارات الكلامية والصوفية بوصفها تيارات كبيرة بجانب الفكر الشيعي طرحت أفكاراً متباينة على صعيد الخطاب الحواري أو بالأدق الجدلي. مما أسهم في طرح صيغ خطابية مدهشة مبثوثة في كتب البلاغة وقضايا الفكر الكلامي والصوفي.

لكن لم يتم البناء على هذه اللغة، فسرعان ما تمَّ تسيس الأفكار الدينية، فشهدت العصور العربية اضمحلالاً بصدد تنوع الخطاب العام. واتخذ توجُهاً متسلطاً مقارنة بأي خطاب مخالفٍ. وظلت تلك السمة ساريةً حتى أُممت الكلمات العامة في عصر الاستبداد والديكتاتوريات الحديثة. فعلاً مع ظهور الدول القومية العربية تم تأميم مفاهيم الدولة والأخلاق والسياسة والدين والإنسان والحكم والإدارة والمؤسسة وصولاً إلى تأميم الحقيقة والمعنى والفكر. وكانت ازاحةُ التنوع صكّاً لأي نظام استبدادي كي يُرعِب المبدعين والكتاب من الإدلاء بدلوهم في قضايا السياسة والدين والإنسان. ليس سهلاً على الإطلاق الاقتراب من أسئلة حول أية أحداث سياسية قد وقعت، ما هي جوانبها غير المعروفة؟ وما طبيعتها؟ وكيف حدثت أصلاً؟

وبالتالي يجب القول بأن هذا الميراث كله كان ضد منحى التاريخ الإنساني بأي وجهٍ كانَ. لأنَّ اللغة تشهد (خطابياً بوجه خاص) اختلافاً لا مناص من إطلاقه إلى مداه الأبعد. هو اختلاف إنْ لم يكُن في العلن ففي الخفاء، لان اللغة الرسمية لا تجد قبولاً عاماً. ولهذا شهد كلُّ عصر عربي حركاتَّه السرية ومذاهبه الباطنية خارج السرب السياسي الديني. ولو كان ثمة اعترافٌ بتنوع الخطابات ما كانت لتأخذ هذه أطرافاً قصية لمعالجة القضايا ولصياغة النصوص المؤسِسة للفكر الديني.

إن التنوع في التعبير والتكلُّم والتفكير يحمل جوهر أي نظام إنساني. والحياة مليئة بأنظمة دلالية تدفع بالتعدد من قبل البشر وأنه قانون أساسي لاستمرار المجتمعات من عدمها. بل عادة ما يجئ كجزء من حقائق الكائنات والعلاقات والشعوب. وليس ملائماً الإطالة هنا في تلك النقطة، لكنها تعاجلنا بأنَّه: إذا كان الاختلاف يمتّد إلى مجالاتٍ كهذه، فإنَّه يمتد إلى الخطاب بصورتهِ الأعمق. وما لم يكن هناك تنوع في أساليبه المنفتحة ما كنا لندرك أهمية اللغة وتأثيرها داخل المجتمع. كما أنَّ التنوع ليس مهماً فقط على مستواه الوجودي، بل على صعيده اليومي أيضاً. فهو ينتج الأفضل والأجدى لمسيرة الحياة. لماذا نهتم بتنوع الأسواق ومصادر الدخل وأصول الثروات بينما ننصرف عن المغايرة في صيغ الخطاب؟!

وإذا كان الاقتصاد وتنوع منتجاته مهماً لصحة البطون والملذات، فكذلك الخطاب ضروري لصحة العقول والأفهام. مع أنَّ المجالين لا ينفصلان من واقع المجتمع واللغة والثقافة. فالمجتمع يتلقى إفراز البطون والملذات ويتلقى انتاج العقول بالمثل. والمجتمع دائرة جامعة لحركة الطرفين، ومثلما أنَّ لكل بطن عقلاً، فكذلك يوجد هناك لكل عقل بطن. ولهذا تعتمد اللغة كما يقول نيتشه على صحة الاجساد والبطون كذلك. لأنَّ اللغة تأكل كما نأكل وتنمو كما ننمو وتضمحل كما نضمحل وتمرض كما نمرض وتنحط كما تصاب المجتمعات بالانحطاط وتحدث لها تخمة الكلام كما تصيبنا تخمة البطون. ولعل صحة المعاني لا تأتي من بطون بلونية إنما من أجساد تعرف قوانين الاختلاف والتغاير. إنَّ علامة مرض المجتمعات هي سيادة الخطاب الواحد وسيادة البطن الواحد(كرش الحاكم وحاشيته وخطاباته) وأعتقد أن العرب هو الشعوب الأكثر معرفة وإدراكاً لهذه المسألة.

بالمقابل، يمثل التنوع في صيغ الخطاب قدرة إنسانية على ابتكار المعاني. كما أنَّه إثراء لتاريخ المجتمع. فلا توجد ثقافة تطغى بشكل لاهوتي قاهر دون ضمور مكوناتها. الأغرب أنَّ التنوع سيحدث شئنا أم أبينا على الرغم من صلف السلطة بأنواعها. حتى في خطاب تلك السلطة سياسياً واجتماعياً ودينياً لن يستطيع المتكلم إبلاغ معانيه كما هي. لأنَّ اللغة ستفتت جوهره، وستعطيه بنية بلاغيةً تميع منطقه لدى أشد الناس تعصُباً لمحتواه واستراتيجياته. فلو حاول هذا المتعصب مرةً أنْ يردد الكلمات نفسَها كما هو حال أصحاب الخطاب الديني المتشدد، ستفت محاولات الفهم في عضد الألفاظ.

إنَّ المحاولة الثانية للفهم ليست كالأولى وستكون الثالثة حتماً غير الثانية وستأتي الرابعة مختلفةً عن سابقاتها... وهكذا دواليك. جميع هذه المحاولات تعيد تجسيد التعبير بمعالم متباينة، من خلال تمثله لتغدو صياغته الجديدة منحرفة عن غيرها بالضرورة. ليس أمامنا سوى الاقتناع بأنَّ لكل إنسانٍ تجربته النوعية مع فهم المعاني حتى لو أُلقيت التعبيرات مِراراً وسط جموعٍ. ما ينطبق على القارئ الأول سيجري على الآخرين بصورة أكثر انحرافاً. وفجأة سنعرف أننا في الحقيقة تجاه مجموعة خطابات داخل الخطاب الواحد. إذن مع تكرار الخطاب بنغماته ومعانيه إنما يهدر تعبيره الخاص فضلاً عن إهدار الزمن. وسيكشف المقلد عن فقر الكلام من أي معنى في نهاية الأمر. لأنَّه يستحيل إلى درجة الإطلاق ترديد الخطاب على كل الألسن وعلى ذات النغمات والرسوم اللغوية دون تحطيمه. لو رجعنا للمماثلة بين البطون والعقول، هل يمكن تناول طعام مأكول قبل ذلك؟! طبعاً الأمر يأباه الذوق العادي، فما بالنا بتناول الكلام مُعاداً ومكرراً!!

 

سامي عبد العال

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم