صحيفة المثقف

دراسة في نصوص رواية: عالم النساء الوحيدات (3)

حيدر عبدالرضاوقفة مبحثية مع نص (أخوات الشمس الوحيدات) نموذجا

الحياة الشخوصية في غرفة الإنعاش المدلولي

الفصل الثالث ـ المبحث (3)


توطئة:

يدخل الزمن في بنية نص (أخوات الشمس الوحيدات) ضمن واصلة إطارية خاصة من دلالة عوالم المتخيل المعادل في وظيفة أحداث وأنساق دلالات معالجة ترتبط بعالم الواقعة المعاشة بدرجة أو بأخرى من صورة الموقع الإيهامي الدال في بنية شخوص النص النسائية. فالزمن الطبيعي في هذا النص هو خطي متواصل يسير جنبا إلى جنب بموجب علاقات مطردة كونتها العناصر الشخوصية الثلاثية وعلاقاتها مع دليل أشعة الشمس وفلكها ـ تطهرا من خلجات وشوائب الفراغ العاطفي والجفاف الروحي، ابتعادا عن خيبات الأزمات الوجدانية التي تتعرض لها مراحل النساء العمرية والدلالية في مملكة مدن الشمس .

ـ زمن السرد المحدد أو اللامحدد .

يشكل الزمن السردي في وحدات رواية النص للطفية الدليمي، ذلك العنصر الذي من شأنه خلق ذلك المستوى المترشح عن مستوى التشكيل الزمني المنقسم على ذاته وفي ذاته، حيث طول السرد وقصره الشكلي والمضموني، ومن هنا يمكننا القول أن مستهل حكاية رواية النص بدت ضمن زمن الحدث المحدد أو اللامحدد الذي يستغرقه مستوى عرض المواقف والوقائع الكيفية في أول وهلة من النص: (قبل عام وفي مناسبة لا أتذكرها، أطلقت علينا أحدى الصديقات تظرفا ـ أسم أخوات الشمس، فشاعت التسمية بين معارفنا واعتبرناها أول الأمر إطراء لخصالنا واعترافا منهم بتمييزنا، وظلت التسمية الطريفة ـ التي تشبثنا بها ـ مثار اعتزازنا وتندرنا . / ص113) أن العناية من السارد المشارك بتحديد زمن حكاية التسمية، جاءت بمثابة الحلقة الترتيبية الزمنية إلى وحدات الزمن الاستدلالي الكلي القائم على رؤية منظور هذا الفعل من ناحية حكاية وعلاقة دوال (أخوات الشمس الوحيدات) حيث ينظر إلى اللاحق من السرد بكيفية تتابعية خاصة لمظهر حكاية ثرث نساء وحيدات إزاء طموحاتهن وأحلامهن الخائبات: (أكتشفنا أن الأمنيات تساقطت تباعا، وتلاشت، وأبقت لنا مزيدا من الأسرار الحزينة والأسى الموجع . / ص113 . ص114) فيما ظلت دلالات الزمن اللامحدد في طيات الأحداث، مرورا استباقيا على مؤشرات وقائع سردية ذات مساحة متفرقة ومتشظية من منظور العلاقة السردية، وبدلا من عرضها تمفصلا، أتخذت الساردة المشاركة الحكي في زمام اللحظة الزمنية اللامحددة في مرور قنوات الأزمنة المتفرقة: (رحل الجميع عن البيت، رحل والدنا ولحقت به أمنا بعد عام ونصف العام، وما لبث شقيقاي أن تزوجا ثم خطفتهما الزوجتان ومباهج وأعباء الزواج منا / وبقينا أنا وأختي سلمى مع الجدران والنوافذ والشمس . / ص114) .

1ـ الذات الرّاوية بين مأزق الفتور وجذوة أليم العاطفة:

يمكننا ـ في تقديرنا، نظريا وتطبيقيا ـ إدراك مدى إشكالية التعالق والتفاعل ما بين الذات الرّاوية ودينامية حلقات محاور زمن القصة، وصولا منها إلى مراحل الفاصلة بالزمن الداخلي للذات الساردة، اقترانا بذلك الزمن المؤشر على وقائع النص العلائقية، كحقيقة مشخصة في صيغة الأحداث وصوتها، وعلى هذا الأساس وجدنا علاقة الرّاوية المشاركة بأحداث النص، تأخذ بعين الاعتبار لذلك الجانب الآخر من الفترة الفعلية المنتجة في التأخير والتسريع في لحظة تغطية الأحداث الخارجة عن مرجحاتها الزمنية الداخلية للشخصية الواحدة تحديدا: (قالوا لنا: تقيمان في البيت حتى يحدث لكما أحد أمرين: الزواج أو الموت، ثم رحلوا عنا وتركوا لنا ما يصعب اقتسامه من الميراث: الحزن الوحشة ورائحة الألفة القديمة وأصوات الماضي . ص / 114) وتعميقا لهذا النزوع في فتورات المسحة التشاكلية للذات الرّاوية مع قرائن وحشتها العاطفية وبعيدا عن أي علاقة سببية حميمة مع ملامح زمنها الحاضر بمشخصات انفصالها وشقيقتها عن وصايا الأخوة، إذ يشرع الأثنان نحو فتح النوافذ المكانية والزمنية والذاتية ارتباطا مع تموجات زوايا أشعة الشمس حيث الضوء وفك حدود طاقة الذات مع الآخر من جاذبية أسرار الأمكنة وأصداء أصواتها في أرجاء بيت العائلة، والذي غدا مع السرد فضاءات متلاحمة مع خيوط أسطورة بقايا الحلم الأنثوي بالواقع الزمني الجديد من مملكة الشمس: (أخذنا نثرثر لنسمع تردد صدى صوتينا في الفراغ، فكان الصدى يتكاثر لنسمع أصواتا وكلمات لم نقلها قط،أنها أصواتهم تستيقظ في الزوايا ووراء الأبواب وفي طيات الستائر .. كانت ضحكات أخوتي .. وسعال أبي .. وهمسات أمي تجتاح ممرات البيت وتأتي لتحط على يدي كأنها الحمائم الضالة . / ص115) تسعى الكاتبة لطفية إلى معاودة زمن أحداث سرداب الأصوات العائلية في روايتها (سيدات زحل) الأمر ذاته حاضرا في زمن ومشخصات وحدة النساء المعنوية، داخل ذاكرة المكان ومستوى أوليات الخطاب التوليدي في مساحة التخييل الروائي . لذا وجدنا زمن الذاكرة متواشجة بالاسترجاع الملتحم مع حكي المتعدد من حيث التخييل والاحتمال، وسرعان ما يرتد هذا الامتزاج القصدي بين الزمنين والصورتين (الماضوي ـ الحاضري) امتدادا إلى علاقة ذات مؤثرات محورية في شواهد المكان والزمن الاستباقي والاسترجاعي من النص: (قلت لسلمى: هاك بيتا جديدا يليق بامرأتين وحيدتين، وضحكت سلمى وقالت: ـ تغير كل شيء، لن يعرفوا البيت إذا جاؤوا لزيارتنا: ـ سيعرفونه من رائحة العواء الرطب الذي يأتينا من وراء التلال .. ومن ضوء الشمس الذي لا يبرح غرفه حتى المساء . / ص115) .

ـ الصورة الروائية بين معزولية واقع الذات وهيمنة الداخل الشخوصي .

تدور أحداث النص حجرات المنزل وأمكنة ساعات العمل خارج المنزل، حيث لا يفتر نبض الحياة الداخلية للساردة المشاركة إلى جوار شقيقتها سلمى . فكانت هدى ـ السارد المشار ـ تعمل بالمستشفى بصفة طبيبة أو ممرضة، فيما تعمل سلمى في مؤسسة التصاميم الهندسية، إذ كان الاثنتان بعد انتهاء عملهما الرسمي خارج البيت ينشغلان في تدابير بسيطة من أعمال المنزل، أ, تنفرد كل منهما في حجرتها قريبا من أحلامهما المفقودة في واقع الحياة: (كانت الليلة تنذر ببرد شديد لا شيء يدفىء أمسياتنا سوى بعض الكلام، وحتى الكلام صار مملا .. وأحسست أن الستائر ترتعش، لعلها الريح .. أجل أنها الريح . / ص117) وتبلغ ملامح وحشة الحياة إلى مستوى مواقف بدون استجابة حسية من شأنها تبديد رتابة الشعور بهوية تكرار المواقف ذاتها من قبل الشقيقتان، ولكن ما يحدث فجأة في النص، هو دخول حركة محفزة في حياة المنزل، وذلك ما ألفيناه في وصول الشخصية الثالثة أحلام أبنة عمة هدى وسلمى: (وإذا تنتابنا أنا وسلمى حالات كآبة أعتدناها، كنا نفاجأ بصوت أحلام ينطلق بأغنية قديمة فيمنحها عذوبة وحيوية توقظ في أنفسنا أفراحا قديمة منسية . / ص 118).

ـ أهواء وطباع فضاءات النساء الوحيدات .

تسعى الروائية الدليمي في وحدات نصها، إلى فرض تنويعات مختلفة بين طبائع وأهواء وسلوكيات شخوصها النسائية . فعلى سبيل المثال، تصف لنا الشخصية سلمى على أنها الأكثر غورا في تفاصيل الحياة اليومية، لذا فإنها الأكثر توقاً إلى عاطفة الأمومة، بشرط أنها لا تود الانخراط في مسار الحياة الزوجية من أجل فكرة الإنجاب . بالمقابل منها يأتينا شعور الشخصية هدى، هذه المتجولة بأفكارها في رحاب عالم المعرفة الروحانية، ثم سرعان ما تقذف بذاتها فوق وسائد العاطفة الجياشة، علها تجد بذلك ملاذها المنصوص بفكرة الأزلي في كل حالات ومواطن الأشياء . أن الغريب في طباع الشخصية هدى، أنها ميالة في طبيعتها إلى التحول المفاجىء في رغباتها وأحلامها، على العكس من سلمى: (سلمى تغمر كل شيء تمسه يداها بأمومتها بدءا بنا ومرورا بالنباتات وانتهاء بالقطط والعصافير.. وعند ما نضيق بفرط عنايتها بنا ولا ينفع ضيقنا بشيء ولا تتخلى عن استبدادها الأمومي اتجاهنا . / ص120) هكذا تخبرنا رواية النص، عن تفاصيل دقيقة في حيوات النساء الوحيدات ـ أخوات الشمس ـ وبدأ ذلك المشروع في العمل حول علاقة الشمس وتفاصيل أشعتها على سلوك الكائنات الشخوصية في رواية النص .

ـ الحجرة الشمسية وحالات توتر النساء الوحيدات .

تمتاز دلالات رواية نص (أخوات الشمس الوحيدات) على أنها المكون السردي الذي أخذت تبدو من خلاله صورة المرأة الوحيدة، وهي في لبوس العاطفة المعادلة عن ذاتها الموحشة، حتى يتسنى لها أنشاء وسائل بديلة في مسار تعديل وانتشال ذاتها من شرك الوحدة والفاقة العاطفية، وذلك الحلم المكابر في تجاوز مملكة الرجل في ظلال مفتعلة من هستيريا مدلولية واضحة من حياة امرأة وحيدة . وفي تفاصيل من الحكي الروائي، نعاين حجم الممارسة المتخيلة التي قامت بها سلمى وهدى، بأستثناء الشخصية أحلام التي كانت تعشق كتابة الشعر، إلى إنشاء علاقة علاجية مبتكرة بواسطة حجرة زجاجية دوارة، تستقبل انعكاسات أشعة الشمس، فيما تستخدم هذه الاشعاعات في علاج حالات المأزومية النفسية لدى النساء الوحيدات: (يا أخوات الشمس إذا أحبت أي واحدة منا رجلا فلتحتفظ بالأمر سرا ولا تطلعنا على أسمه . / ص123) .

ـ تعليق القراءة:

لعلنا أدركنا من وراء دلالات نص (أخوات الشمس الوحيدات) حجم الحصيلة المأزومة من حيز فضاءات المحاور النسائية في زمن الغرف الرطبة والستائر المرتعشة بفعل تيار الرياح العابثة في ممرات أحلام وأمنيات المرأة الحاضرة الغائبة من جراء زمن قنوطها الموحش في عالم وحدتها الخالية من الأنيس والمؤانسة المتحققة بفعل غياب الرجل المناسب .. لقد حاولت الروائية الدليمي في نصها توصيف حالة من حالات معاناة المرأة التي حاولت تمثيل مشهدها النفسي والعاطفي ضمن مؤهلات وتداعيات ذاكراتية ويومية معاشة تداخلا بين (أنا الراوي)و تلك الحقيقة السير ذاتية المحفوفة بأعلى صياغة الأسلوب التدويني لحكايا امرأة وحيدة .

 

حيدر عبد الرضا

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم