صحيفة المثقف

العراقيون.. سلوكيات تتحكم بهم وهم لا يدرون!

قاسم حسين صالحلفت انتباهي ان العراقيين لديهم اقترانات عن بعضهم بعضا. مثلا (المصلاوي والبخل، البصراوي وخفة الدم، الكوفي والغدر، الشروكي – العمارتلي بشكل خاص- وقلّة الذوق، الدليمي والفطاره).

هذه نسميها، نحن السيكولوجيون، صورا نمطية تاخذ شكل قوالب تعميمية جاهزة نستخدمها دون تفكير، ومشكلتها أنها تتحكم بسلوكنا دون أن ندري.تأمل ذلك حين نقول لك ان فلانا من قبيلة شمّر مثلا، او ياسري، زوبعي، تكريتي، ناصرية.. فانك تستحضر في الحال وصفا او حالا.

ولان من عادتي استطلاع الرأي في ظواهر اجتماعية كهذه.. اليكم نماذج من اجابات ممتعة وأخرى ساخرة، شارك فيها اكاديميون واعلاميون.

* الصور النمطية موجودة في مجتمعات كثيرة الا ان ما يتداول في العراق منذ سنوات مقترن بالنظم السياسية التي تعمل على بث الفرقة والسيطرة كما حدث في ثمانينات القرن الماضي حيث توجهت الحكومة ببث النكات والصاق الصفات السيئة باهل الناصرية والاكراد وعشيرة الدليم.

* انا وجدتها في شعوب اخرى ولكن طريقة الطرح تعتمد عندها على المزاح والملاطفة بعيدا عن العنصرية فيما العراقيون يستخدمونها للتقليل من شان الاخر.

* سمعنا عن بخل المصلاوي وطيبة البصراوي، وعن الدليمي واهل المضايف، وعن الشروكي الوكاحة مع التخلف.. هي سمات جرّبها الاخرون وتكررت عبر الزمن فاصبحت ملازمة توصيفية لسكان تلك المحافظات. اما اسبابها فهي الحيف والظلم.واورد هنا مثلا عن وكاحة وتخلف اهل العمارة (الشروكيه). لقد عانوا من ظلم الحكومات الملكية والاقطاع فلجأوا للعاصمة بغداد فساروا في المدينة تائهين ماذا يفعلون، واين يسكنون، وماذا يأكلون، فاشتغلوا عمّال خدمة.. كنّاس، زبّال، وحمالة وصّناع مقاهي.. فتولدت لديهم الحمية المصحوبة بالعنف، فكرههم الناس وصاروا يطلقون عليهم شروكيه متخلفين.لدينا مشكلة جدا كبيرة في المجتمعات العربية وهي موضوع التعميم يقولون لك فلان من هذا البلد يقول لك كذا وكذا، تقول له لماذا تقول هذا، يقول لك هم كلهم هكذا.

* اتهام الكوفي بالغدر له علاقة بتأخر اهل الكوفة عن نجدة الأمام الحسين، والبعض الآخر له علاقة بالتفرقة (فرّق تسد) التي مارستها الحكومات والأحزاب ضد مجموعة من الناس كما حدث مع أبناء الناصرية الكرماء والصاق التهم بهم من قبل النظام السابق بعد الأنتفاضة الشعبانية.

* كلامك لا يعمم على الجميع فكل شخص وما تربى عليه,ولا يوجد على الأرض مثل العراقي في شجاعته ونخوته، لكن الظروف التي مر بها جعلته يقّصر في بعض صفاته الحميدة التي لا يمتلكها غيره، والدليل برنامج الصدمة، ترى العراقيين هم السباقون في الخير.

* العراقيون عندهم طبع الشمولية في الحكم، بمعنى حادث لشخص من عشيرة معينه يطلقونه على كل العشيرة، وتتوارثه الأجيال فيكون صفة لازمة لهم.

* على الرغم من انها موجودة عند كل الشعوب الا ان لها مذاق خاص لاذع عند العراقيين، وغالبا ما تقدح نار الكراهية والحقد على شكل صراعات مدمرة وهذا ما يميز مجتمعنا.

* للأحداث التاريخية اثر بالغ في صنع السلوك الذي ينتقل عبر الأجيال، خذ مثلا ما تعرضت له الموصل من حصارات عبر تاريخها سبب لأهلها مجاعات قاتلة انعكست على سلوكهم، اما المناطق المحاذية للصحراء فقد اتصف افرادها بالسلوك العفوي الذي يقترب من الفكاهة .حدثني احد الاصدقاء الذي يعيش قريبا من الصحراء ان مجموعة من الأشخاص اجتمعوا لردم حائط آيل للسقوط فسقط على احدهم يدعى( حمد) وبحزامه (مكوار)فانكسرت رجله، وحين تم انقاذه صرخ قائلا( بشروني المكوار خوا ما انكسر!).

* موضوعك واقع نعيشه لا اعلم هل هو بسبب جهل الناس او العادات القديمة، ياريت نعرف منك استاذ.

اجابات ساخرة

* يجب ان نتخلص منها، يعني اقول له آني شمري يقول شتقربلك شهد الشمري؟ اقول له آني عمارتلي يقول انتم همج معدان.. وانا لا اقرب لشهد الشمري ولا معيدي بس المقابل رتّب هاي الصور المنتشرة في المجتمع على فلان وفلان.

* شمر يعني اولاد عم الجبور هذا اللي اجه ابالي، ياسري تذكرت المخرج فيصل الياسري، زوبعي تخيلت اعصار تورنادو!

* اذا ما تتغدى يمنه ندزك للرسول تتغدى يمه.. بالحرام لازم اتغدون- دليمي!

التحليل:

حين تكون السلطة بيد طائفة احتفظت بها أكثر من ألف عام، لها مذهب يختلف أو يتعارض مع مذهب طائفة أخرى، فان الطائفة الثانية تتهم الأولى بـ:"الاستبداد، والاضطهاد، والجلاّد"

وتضفي على نفسها صفات: "المظلومية، والمحرومية، والضحية". ولأن "الضحية" تكون مشحونة بالشعور بالحيف، فانه يحرّضها للآنتقام من "الجلاّد".. فيتطور الحال الى انتقام متبادل).. وهذا ما حصل في العراق بعد التغيير.

ولأن التحريض الطائفي هو دافع ناجم عن (التعصب)، فان علينا أخذ فكرة علمية عنه نختصرها بأن التعصب يعني اتجاها سلبيا غير مبرر أو عدائيا نحو فرد أو جماعة، مصحوبا بنظرة متدنية وحكما غير موضوعي، قائم على أساس العرق أو الدين أو الطائفة أوالجنس.. .

كل ما ورد في اعلاه ينشأ (الصور النمطية Stereotypes) التي تعني: تعميمات غير دقيقة يحملها الفرد بخصوص جماعة معينة لا تستثني أحدا منها، تكون اما إيجابية يضفيها على نفسه وطائفته، أو سلبية يضفيها على الطائفة الأخرى. والصور النمطية (Stereotypes) - مستعارة من عالم الطباعة وتعني القالب الذي يصعب تغيره بعد صنعه - تكون مؤذيه لثلاثة أسباب:

الأول: إنها تسلب قدرتنا في التعامل مع كل عضو في الجماعة على انه فرد بحد ذاته. فحين نحمل صورة نمطية عن جماعة، فإننا نميل إلى أن نتعامل مع كل عضو فيها كما لو كان شخصاً يحمل كل صفات الجماعة، بغض النظر عما إذا كان هذا الشخص يحمل تلك الصفات أم لا.

الثاني: إنها تقود إلى توقعات ضيقة بخصوص السلوك. فصورنا النمطية تقودنا إلى أن نتوقع بأن أفراد جماعة معينة سيتصرفون جميعهم من دون استثناء بطريقة معينة.

والثالث: إنها توجّه فكر صاحبها نحو عزو خاطئ، فيعزو الصفات الإيجابية إلى شخصه والى جماعته التي ينتمي إليها، ويعزو الصفات السلبية إلى الجماعة الأخرى التي يختلف عنها في القومية أو الطائفة أو الدين، ومنها ينشأ التعصب الذي يؤدي في حالة حصول خلاف أو نـزاع بين جماعته والجماعة الأخرى الى أن يحّمل الجماعة الأخرى مسؤولية ما حدث من أذى أو أضرار، ويبرّئ جماعته منها، حتى لو كانت جماعته شريكاً بنصيب اكبر فيه، وما حدث بين (2006 و2008) في العراق يؤكد ذلك.

تنبيه.. لندري بما لا ندري!

الذي لا ندري به أن الصور النمطية تعمل فينا وتقرر سلوكنا بنشاط تلقائي (أوتوماتيكي). تأمل ذلك في العراقيين عندما يتعّرف أحدهم على شخص يقول له انه من: قبيلة شمّر مثلا، أو زوبعي، ياسري، تكريتي، بصري، عاني، كوفي، أو مصلاوي.. .، فأنه يتصرف معه بطريقة معينة، حتى ليصبح الأمر في تصنيفهم للناس على أساس: (المدينة، أو العشيرة، أو الجنس، أو العرق...) يشبه عملية قيادتهم للسيارة.. أعني عملية تلقائية أو تعودية، تعمل على مستوى يكون خارج درايتنا به.

والذي لا ندري به أيضا، أن الصور النمطية تعمل ترابطات أو اقترانات وهمية بين أحداث أو موضوعات غير موجودة في الواقع، تدفعنا الى أن نعمل استدلالات نبني عليها أحكاما غير دقيقة . خذ، مثلا، الترابطات أو الاقترانات الوهمية التي ذكرناها عند: (المصلاوي والبخل، البصراوي وخفة الدم، الكوفي والغدر، الشروكي- العمارتلي بشكل أخص- وقلة الذوق، الدليمي والفطارة..).

الجماهير.. هي المشكلة

في كتابه (سيكولوجيا الجماهير) ينبهنا (غوستاف لوبون) بقوله: "أن الجماهير لا تعقل، فهي ترفض الأفكار أو تقبلها كلاّ واحداً، من دون أن تتحمل مناقشتها، ومايقوله لها الزعماء يغزو عقولها سريعاً فتتجه إلى أن تحوله حركة وعملاً، ومايوحي به إليها ترفعه إلى مصاف المثال ثم تندفع به إلى التضحية بالنفس". ويضيف بان "الجماهير حتى لو كانت علمانية، تبقى لديها ردود فعل دينية، تفضي بها إلى عبادة الزعيم، والخوف من بأسه، والإذعان الأعمى لمشيئته".

واضافة اخرى ذكية من عالم الاجتماع السياسي (جيرارد) بقوله "ان التعصّب يكون معدياً في المجتمعات المحبَطة، وأن الفرد الذي يفتقد الفرصة الإيجابية قد يجد في الجماعات المتعصِّبة بديلاً من الممكن أن توفر له وظيفةُ ما، ومكانةً ما، ودوراً ما"، تشكل جميعها معملا لصناعة الموت.. وهذا ما حصل لدى جماهير الشيعة تحديدا حين غزاها حزب الدعوة في 2005ورفعوا نوري المالكي الى مصاف (مختار العصر) ومنحوه اعلى الأصوات في الأنتخابات التشريعية.والمشكلة ان وسائل الأعلام، الفضائيات العراقية التي تجاوزت الخمسين، منشغلة بمحللين سياسيين يصفون ما يجرى فيما علماء النفس والأجتماع مغيبون مع أنهم يشخصون العلة ولديهم القدرة على أن يجعلوا الناس يدرون بالذي يتحكم في سلوكهم وهم لا يدرون!.

*

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم