صحيفة المثقف

البحتري بين المتوكل والمعتز!!

صادق السامرائيالبحتري رافق المتوكل طيلة فترة خلافته (232 - 247) هجرية، وإبنه المعتز بالله (252 - 255) هجرية.

عدد قصائده في المتوكل (34)، وفي المعتز بالله (28)، بفارق (6) قصائد.

(34) قصيدة في (16) عام ، أي قصيدتين أو أكثر كل سنة، و(28) قصيدة في (3) عام، أي عشرة قصائد كل سنة !!

فكيف يُفَسَّرُ هذا السلوك؟

المتوكل كان قويا مهابا مطاعا، والبحتري نديمه قبل أن يولد المعتز بالله، لكنه بعد موته مدح إبنه المنتصر بالله المتهم بقتله مع باغر التركي، فقال في قصيدة: "حَجَجنا البنيَّة شكرا لما...حبانا به الله في المنتصر، ولما ادلهمت دياجيرها...تبلج فيها فكان القمر، بقيتَ إمام الهدى للهدى...تجدّدُ من نهجه ما دَثر" .

 ومن ثم أمعن بمدح الخليفة المعتز بالله، وهو يعرف بأنه رهينة وصبي، لكنه وصفه بما يجعله مدرارا ويعطيه ما يشاء من الهدايا والأموال، وبهذا يثبت تسوله المقيت وعدم وفائه، وينطبق عليه وصف الشاعر الذي يرتزق بشعره، ولا يعنيه سوى ما يحصل عليه من المكافآت.

إنه شاعر بلا موقف!!

يجعل من المعتز بالله وكأنه سلطان زمانه وإمام الدنيا وبيده مقاليدها ومصيرها، وهو الشاب الغرير المحاط بالجواري والغلمان والمأسور في قصره، ولا يقدر على إصدار أمر أو إتحاذ قرار إلا بموافقة الذين أخرجوه من السجن ونصبوه خليفة إلى حين.

خليفة أسير، وشاعر يوهمه بأنه غير ذلك من أجل حفنة من الدراهم والدنانير.

ومن مديحه له:

" لبسنا من "المعتز بالله" نعمةً...هي الروض مولياًّ بغزر السحائب، أقام قناة الدين بعد إعوجاجها ...وأربى على شغب العدو المُشاغبِ، أخو الحزم قد ساس الأمور وهذبت...بصيرته فيها صروف النوائب، إمام هدى عمّ البرية عدله...فأضحى لديه آمنا كل راهبِ، تدارك بعد الله أنفس معشرٍ...أطلت على حتم من الموت واجب".

هذه بعض أبيات من قصيدة فما بالك بقصائده الأخرى، وهو يقف أمام صبي ويوهمه بما ليس فيه، والبحتري مواليد (204) هجري، والمعتز بالله مواليد (233) هجري.

هذا مثل واضح لسلوك شاعر يساهم في تدمير وجود أمة، بأكاذيبه وإستجدائه وتأديته مهام البوق الذي يزعق لخداع الخليفة والناس من حوله، لكي ينال بعض مايريد من المال، فيبدو أنه قد وجد في المعتز فريسة سهلة تغدق عليه الكثير من العطايا.

فأي ضحالة وهوان هذا الذي يؤديه بعض الشعراء وأصحاب الكلمة الخبيثة الرعناء!!

 

د. صادق السامرائي

26\12\2020

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم