صحيفة المثقف

هل كان البحتري متآمرا؟!

صادق السامرائيقد يبدو السؤال غريبا، لكن سلوكه يثيره، فهو شاعر بلا موقف ثابت، ويتميز بالتلون المشين، ولا هم عنده سوى المديح، والحصول على ما يستطيعه من العطايا من الذين يتذلل لهم ويتسول في مجالسهم.

ومن الملاحظ أنه لم يُقتل مع المتوكل ووزيره، وكانوا ثلاثة سوية، فلماذا قتلوهما وما قتلوه؟

والشيئ الآخر أنه مدح المنتصر بالله المتهم بقتل المتوكل، ومضى في مديح الخلفاء في زمن الفوضى، وهو يعرف جيدا أنهم بلا إرادة، لكنه كان يخدعهم ويوهمهم بغير ما هم عليه، فمدائحه للمعتز الذي هو بعمر أولاده لا يمكن تفسيرها بغير ذلك، وكذلك لغيره من الخلفاء في سامراء، التي غادرها بعد أن هُجِرت.

وعند مقارنته بأبي تمام الذي تم إبعاده للموصل في زمن الواثق، وربما بوشاية من البحتري، لأنه صاحب موقف وما تمادى بمدحه لغير المعتصم، الذي أبدع بالدعاية له والتفاعل الأبي معه.

فهل كان متعاونا مع الأتراك ضد خلفاء بني العباس؟!!

وهل يستحق صفة الشاعر المتآمر على أولياء نعمته وموئل عطاياه؟!!

مَن يقرأ قصائده ويتمعن بها، يتبين له أنه منافق، دجال، مخادع، لديه خبرة بنفوس الذين يتوجه إليهم بالمديح، فيظهرهم كما يتمنون لا كما هم عليه، ويتمادى بنفخهم وتحويلهم إلى بالونات قابلة للإنفجار السريع، ويعبأهم بمشاعر وإنفعالات تخرجهم من كونهم بشر.

ويبدو أنه ربما كان يتلقى توجيها من القادة الأتراك المتنفذين أبان تلك الحقبة الفوضوية، وربما كان يأخذ مالا على ما يقوم به من دور مداهن لتنويم الخلفاء أو ترقيدهم، وقطعهم عن واقعهم المرير الذي هم فيه، بل أن قصائده ربما كانت تُراجَع وتحصل الموافقة عليها من قبلهم قبل أن ينشدها للخلفاء.

فمدائحه للخلفاء بعد المتوكل تشير إلى ذلك بوضوح، فلم يترك واحدا منهم إلا وإنهال عليه مدحا وتبجيلا وإطراءً من بنات خياله، وآليات الإيقاع بالخليفة وتحويله إلى دمية بيد الأتراك.

بل يزيد في تفاعله العدواني المبطن، ويوهم الخليفة بأن عليه أن يكون أوحد زمانه، مما يشير إلى تحريض على الاخرين من بني العباس الذين قد ينافسونه في الخلافة.

فدور البحتري في تعامله مع الخلفاء العباسيين يثير شكوكا، وأشعاره تخلو من الوصف المكاني ولا توثق أحداثا تأريخية، بل مديح تسوّلي إستعطائي ممزوج بآليات عدوانية خفية، ومشاعر سلبية تجاه الخلفاء، وكأنه يشجعهم على الخضوع للأتراك فهم أولياء نعمتهم كما هم أولياء نعمته.

هذا الشاعر لم يُفطَنْ لدوره السلبي في مسيرة الفوضى بسامراء، ويبدو أن له دور كبير فيها، وربما كان على علم بأن المتوكل سيُقتل، وأن (باغر التركي) سيكون جاهزا للفتك به في تلك الليلة، لكن الدارج أنه الشاهد على ما حصل وكأنه لم يكن فاعلا في الأمر!!

نعم إن المتفحص لديوانه ينتهي إلى الشك بدوره في ما جرى قبل وبعد مقتل المتوكل!!

فهل كان يقوم بدور المُخدِّر أو المُنوِّم للخلفاء حتى يحين قطافهم؟!!

 

د-صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم