صحيفة المثقف

عودة الماضي المؤلم و(200) سنة في الجليد

صلاح حزامفي اواسط السبعينيات عرض التلفزيون العراقي مسلسل يتناول قصة شخص انهار عليه الجليد في الجبال وبقي مطموراً تحت الجليد مئتي سنة. ثم ذاب عنه الجليد وعادت اليه الحياة وذهب للبحث عن بيته وعائلته ووجد احفاد احفاده وعرف حقيقة ماحصل له، واضطر للعيش معهم .. لكن المشكلة انه كان راعي بقر عندما غمره الجليد وعندما استيقظ جاء الى مدينة جديدة ومجتمع جديد لكنه هو لازال يتصرف بعقلية رعاة البقر.. وتنشأ عن ذلك مواقف طريفة لأن المسلسل كوميدي أصلاً.. حيث يدخل الى الحانة ممتطياً فرسه وهو يحمل المسدس التقليدي لرعاة البقر، وعندما يختلف مع شخص يدعوه للمبارزة في الخارج .. وهكذا من الممارسات المضحكة ..دون ان يدرِك ان هنالك شرطة وقانون وآلية جديدة لفض النزاعات ..

الآن، نلاحظ ان البعض يريد اعادة عقارب الساعة الى الوراء ويعتقدون ان ماكان سائداً خلال الفترة من ١٩٦٨ الى ٢٠٠٣ من سياسات واساليب ادارة في ميادين السياسة والأمن والاقتصاد والعلاقات الخارجية، يمكن ان يعود !!!. يعتقدون ان ذلك فقط هو ما ينفع مع العراق والعراقيين .. (وكأنما هو كان نافعاً في وقته) !!!

يتناسون ان ذلك أطاح باصحابه ودمرهم واطاح بالنظام وبالبلد ككل وسلط عليه ماموجود اليوم من مظاهر سيئة ...

لا يعني ذلك ان ماهو موجود حالياً هو رائع وناجح، ولكنه واقع مرير يرسخ وجوده كل يوم.. واي محاولة للتغيير نحو الافضل يجب ان تتبنى مقاربة جديدة تأخذ الحقائق بنظر الاعتبار.

يظهر اشخاص ويتحدثون بلغة قديمة لم يعد ممكناً استمرارها ابداً..

هنالك فاسدون في المشهد الحالي أسسوا لانفسهم مراكز قوة بالمال والسلاح وشراء الاتباع ومن الصعب اغفال دورهم، وهنالك جزء نزيه من المجتمع يريد التغيير نحو الافضل وهنالك جزء عاش اجواء "الديمقراطية" ويريد ان تتطور وتنضج التجربة.. هنالك قطاع خاص اصبحت له مصالح واسعة ويريدها ان تستمر ..

هنالك مجتمع دولي ودول جوار، لايريد تكرار دور العراق المشاكس والمُزايِد في كل القضايا العربية والعالمية..

هنالك مصالح نشأت في العراق لدول عديدة وتريدها ان تستمر.. العراق لازال تحت البند السابع من عقوبات الأمم المتحدة ولم يخرج تماماً..

هذا الواقع المرير في أجزاء كثيرة منه يحتاج الى سياسة جديدة في التعامل مع العالم الخارجي والداخلي..

نظرية اللباس العسكري (الزيتوني) والحذاء الاحمر والشوارب الكثيفة لم تعد مجدية ومقبولة ..

العراق الحالي بوضعه المعقّد جداً لايمكن ان يديره الجهلة المراهقون ابداً. انها لعبة خطيرة لايجب ان يغامر بالتورط فيها الهواة من الصبية والصبايا !!

تعاطف بعض العراقيين لاسيما صغار السن مع هذا الاتجاه، هو ناجم عن اسلوب رد الفعل الغاضب على ماهو موجود من وضع سيء وهو ناجم ايضاً عن جهل بما كان يحصل في الماضي بحكم السن الصغيرة لهؤلاء ورغبتهم بمجيء من ينتقم لهم من الفاسدين .

لايعلم هؤلاء الصغار ان الفساد كان موجوداً في العراق ولكن بشكل اكثر مركزية ومحدودية حيث يقتصر على جماعات معينة ..

لايعرفون ان من مظاهر الفساد توزيع اموال العراق على جهات خارجية لاحصر لها تحت حجج عديدة منها دعم حركات التحرر ودعم الجهد القومي وغيرها من حجج .

انها كانت تُدفع لتلميع صورة الحكم والحاكم على حساب مصالح وحياة الشعب ..

 

د. صلاح حزام

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم