صحيفة المثقف

خروشوف والادب الروسي

ضياء نافعنيكيتا خروشوف (1894 - 1971) هو الزعيم الثالث، الذي برز في تاريخ الاتحاد السوفيتي بعد لينين (الذي حكم منذ ثورة اكتوبر عام 1917 الى عام1924)، وستالين (الذي حكم من عام 1924الى عام 1953)، اما خروشوف فقد حكم من 1954الى 1964، ولكنه لم يحصل على مكانتهما في (قلوب!) الشعوب السوفيتية، على الاقل من الناحية الشكلية العامة (لا يوجد مثلا اي تمثال له، او مؤسسة او شارع يحمل اسمه، وهذه ظاهرة غريبة مقارنة بلينين وستالين في روسيا!)، رغم ان اسم خروشوف ارتبط بتغيّرات جوهرية هائلة جدا في مسيرة الاتحاد السوفيتي والمكانة العالمية لتلك الدولة الكبرى وحتى بشأن مستقبلها، ولا زلت اتذكر النكتة التي رواها لي احد الطلبة الروس في جامعة موسكو ايام حكم خروشوف وهو يوصيني بكتمانها لخطورتها، والنكتة تقول، ان احدهم قال في المترو، انه يعرف شخصا في الحكومة يشبه الخنزير، فاعتقله رجال الامن السوفيتي رأسا، وسألوه في مركزهم عن هذا الشخص في الحكومة الذي يشبه الخنزير، فقال لهم انه تشرشل في الحكومة الانكليزية، فاعتذروا منه واطلقوا سراحه رأسا، وودّعوه الى باب الخروج وهم يعتذرون منه، وعندما اصبح في الشارع التفت نحوهم وقال، انه يعرف ذاك الشخص (الذي كنتم تظنون اني اقصده في كلامي!). .

كل زعيم من هؤلاء السياسيين السوفيت الكبار كان له تأثيره و بصماته (ان صحّ التعبير) على مسيرة الادب الروسي ومصائر الادباء  اثناء فترة حكمه في دولة الحزب الواحد وفلسفتها . (بصمات!) لينين وستالين معروفة - بشكل او بآخر- على الادب الروسي بالنسبة للقارئ العربي، وقد كتب عنها الباحثون العرب ولا زالوا يكتبون هنا وهناك، وكل واحد من هؤلاء الباحثين ينطلق من موقفه الفكري والسياسي طبعا وبعيدا عن الموضوعية بالاساس مع الاسف، (وليس الحديث عن ذلك هدفنا هنا)، لكن (بصمات!) خروشوف لازالت شبه مجهولة في هذا المجال، رغم ان اسمه ارتبط بمرحلة (ذوبان الجليد) المعروفة والمهمة جدا في تاريخ الادب الروسي، وهذا ما نحاول الحديث عنه هنا بايجاز شديد (فالموضوع واسع جدا)، ونحاول الاشارة الى ابرز الادباء آنذاك ومواقف خروشوف تجاههم .

يجب القول قبل كل شئ، ان خروشوف كان بعيدا جدا عن اجواء الثقافة والفنون مقارنة بلينين وستالين (والامور كلها نسبية طبعا !)، بعيدا لدرجة ان البروفيسور كورميلوف (استاذ تاريخ النقد الادبي الروسي في القرنين العشرين والحادي والعشرين في جامعة موسكو) كتب في عام 2018 بحثا في مجلة زناميا (وهي مجلة شهرية مهمة صدرت في موسكوعام 1931 ولازالت مستمرة بالصدور لحد الان) بعنوان – (نيكيتا خروشوف كناقد أدبي)، وأشار في بدايه بحثه، الى ان خروشوف (أكثر الزعماء السوفبت أُميّة، اذ انه أنهى فقط المدرسة الابتدائية ليس الا)، وهناك من يرى، ان هذه الشئ ليس مهما جدا، او هو - في الكثير من الحالات – ليسس العامل الحاسم في تاريخ الزعماء السياسيين ومسيرتهم، ولكن الرأي الآخر حول هذا الجانب يشير الى حوادث معينة في تاريخ حياة خروشوف، منها مثلا استخدامه للحذاء في جلسة الامم المتحدة، وهي حادثة معروفة عالميا (وقد أشار اليها حتى بيان عزله آنذاك)، او ما قاله مرة للنحات والفنان التشكيلي السوفيتي نيئزفيستني حول بعض لوحاته الفنية، وامام الجميع، بما فيهم مندوبي وسائل الاعلام المختلفة، بان ذيل الحمار الملطّخ بالالوان يمكن ان يرسم ايضا مثل هذه اللوحات، (انظر مقالتنا بعنوان – خروشوف والفنان نيئزفيستني)، ويؤكد اصحاب هذا الرأي، ان هذه التصرفات وغيرها هي انعكاس واقعي جدا لتلك الامّية التي كان يتميّز بها خروشوف.

الاحداث الكبيرة في مسيرة الادب الروسي اثناء حكم خروشوف كانت ترتبط بعدة اسماء، وابرزهم – باسترناك وسولجينيتسن، وعلاقة خروشوف بكل اسم منهما يتطلب مقالة مستقلة بحد ذاتها، ولهذا فاننا نحاول هنا الاشارة اليها فقط .

 حاز باسترناك على جائزة نوبل للآداب عام 1958 . لم تسمح السلطة السوفيتية بقيادة خروشوف ان يستلم باسترناك تلك الجائزة كما هو معروف، واعتبرتها عملا سياسيا مضادا للدولة السوفيتية، وقد اضطر باسترناك ان يرفضها . خروشوف لم يتحدث شخصيا عن كل ذلك، ولكنه قال في مذكراته (التي كتبها بعد عزله عن السلطة)، انه لم يكن مطلعا على رواية باسترناك آنذاك، وانه يجدها الان غير مضادة !!!

سولجينيتسن خرج من السجن بعد حملة خروشوف ضد الاضطهاد الستاليني، وارسل روايته القصيرة (يوم واحد في حياة ايفان دينيسيفتش) الى مجلة (نوفي مير)، والرواية عن تلك السجون والمعتقلات السوفيتية أيام ستالين، ولم يتجاسر رئيس تحرير المجلة ان ينشرها، فذهب بها الى خروشوف، والذي وجدها ملائمة جدا لحملته ضد ستالين، ووافق على نشرها شخصيا، وهي الخطوة الاولى لسولجينيتسن نحو العالمية، بما فيها جائزة نوبل للآداب طبعا .

دراسة موقف خروشوف من الادب الروسي والادباء الروس يمكن ان ترسم لنا صورة واقعية و حقيقية ومتكاملة و واضحة المعالم لمسيرة دولة الحزب الحاكم الواحد – بغض النظر عن اي نظام سائد في الدولة - وتأثير الرجل الاول على مجمل حياة شعوب تلك البلدان ومصيرها ومستقبلها . ومثل هذه الدراسات التفصيلية تعني طبعا، من جملة ما تعنيه، اطلاع الشعوب الاخرى على حقيقة ما حدث في تلك البلدان، وأخذ ذلك بنظر الاعتبار...

 

أ.د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم