صحيفة المثقف

والزواج قسمة ونصيب..!

يسري عبد الغنيأقول لك: إن العبقرية لغز محير، والمرأة هي الأخرى لغز محير، وستظل هكذا دائمًا، فالمرأة لغز عجيب غريب، منذ أن نزلت أمنا حواء مع أبينا آدم في بداية الحياة إلى الأرض.

على كل حال أعود بك فأستطرد: إن ( حافظ إبراهيم) شاعر النيل، تزوج بعد عودته من السودان مطرودًا من الجيش لمواقفه الوطنية المعروفة، تزوج حافظ بعد عودته ببضع سنين، من إحدى قريبات زوج خالته، ولكن الزوجة لم تطق طبيعة حافظ المنطلقة المتحررة، فحافظ ـ كما يقال ـ لم يخلق للقيود والحدود والسدود مهما كانت، وانتهى الأمر بالفراق بين الزوجين سريعًا، ولم يستغرق الزواج بضعة شهور، ولم يعد حافظ طوال حياته إلى هذه التجربة، تجربة الزواج، ولم يفكر فيها على الإطلاق .

ورغم أن مسألة زواج حافظ معروفة لنا جميعًا، وكتب عنها، فإن بعض الأدباء أو مؤرخي الأدب يقولون: إن حافظًا لم يتزوج في الأصل، ولم تكن في حياته امرأة !!، ومع احترامنا لهذا الكلام فإن الحقيقة المؤكدة أن حافظًا تزوج بالفعل، ولكن المؤكد على وجه اليقين أن حافظًا لم تكن في حياته أية امرأة .

أبو حيان التوحيدي، أديب الفلاسفة، وفيلسوف الأدباء، هو الآخر لم يتزوج، ولم تكن في حياته أية امرأة .

والطبري، المفسر، المؤرخ، هو الآخر لم يتزوج حتى نهاية حياته، وتفرغ للعلم والكتابة .

وجار الله الزمخشري هو أيضًا لم يتزوج، وقد علل هذه العزوبية بإشفاقه على الآباء الذين يجهدون أنفسهم في تربية أولادهم، مؤملين لهم الخير والعلاء، ومتشوقين إلى أن يسعدوا بهم، وتقر أعينهم بوجودهم، ولكن هؤلاء الأبناء يصيرون أذلة، لا يحققون شيئًا مما أمله آباؤهم .. !! .

وهذا رأي الزمخشري الخاص، وإن كان الزواج سنة مؤكدة أقرتها كل الأديان بالإضافة إلى العادات والتقاليد والأعراف، كما يعرف الزمخشري العالم الفقيه، ومستقبل الأولاد بيد الله، كل ما علينا هو أن نسعى إلى تربيتهم تربية صالحة، ونسلحهم بالعلم والمعرفة، ونضيء الطريق أمامهم، بعد ذلك فإن الله تعالى فعال لما يريد .

ولكني أؤكد لك أن الزواج كما يقولون قسمة ونصيب، ولا يأخذ المرء في الحياة أكثر من نصيبه، وعدم زواج الزمخشري نفسه يرجع في المقام الأول إلى سبب نفسي، ألا وهو موضوع بتر قدمه، واتخاذه رجلاً خشبية بديلاً منها، فدفعه ذلك إلى العزوبية والبعد عن النساء، وقد ذكر الزمخشري ذلك لنا في المقالة السابعة والتسعين من كتابه: (أطواق الذهب في المواعظ والخطب) .

قال الزمخشري: لا تطلب نكاح المرأة لأجل جمالها، ولكن أطلبه لأجل عفتها وصونها نفسها وعرضها، فإن اجتمع فيها الحصن والحسن، فإن ذلك خير وبركة، وذلك هو الكمال فيها، وأكمل من التزوج بالكاملة أن تحيا منقطعًا عن النساء، ولو أحييت دهورًا ..!! .. بالطبع هذا رأي الزمخشري الخاص به .

أعود بك لأتذكر الأب الحقيقي للرومانسية الشعرية العربية، خليل مطران، الذي ولد في مدينة بعلبك الأثرية اللبنانية، وعاش معظم حياته في القاهرة، وإن رأيته على إحدى المقاهي في الأحياء الشعبية المصرية من المستحيل أن تفرقه عن المصريين، وقد تولى الرجل منصب رئيس المسرح القومي المصري، ومنصب رئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية .

هذا الشاعر لم يتزوج هو الآخر، قالوا: إن مطرانًا أحب فتاة وتيم بها عشقًا، لأكثر من إحدى عشر عامًا، ولكن الفراق حال بينهما، ويقال: إن محبوبة مطران تزوجت من رجل آخر أكثر منه مالاً ومكانة، وقيل: إن محبوبة مطران توفيت !!، ويستشهدون على ذلك بقصيدة مطران المشهورة جدًا (المساء)، والتي هي إبداع رومانسي نادر، وكذلك قصيدته (فتاة الجبل الأسود) والتي تقترب من الإطار الملحمي للشعر .

 

بقلم. د.يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم