صحيفة المثقف

الخليفة وسلطة الله!!

صادق السامرائيالخليفة: مَن يخلف غيره ويقوم مقامه، من ولي الإمامة العامة للمسلمين، الرئيس الأعلى لدولة الإسلام.

فكرة حكم تطورت مع الزمن لتصبح تعني نائب الله أو ممثل الله في الأرض، وهذا هو السبب الذي دفع بالخلفاء منذ الدولة الأموية إلى إنتهاج الحكم المطلق، وتسويغ سفك الدماء وقتل الأبرياء، لأنهم صاروا يتوهمون بأنهم ينفذون إرادة الله.

في فترة الخلفاء الراشدين كانت تعني القائد الذي جاء بعد الرسول ليقود دولة الإسلام  فالدين دولة، وإمتزج فيها القائد السياسي والديني، وما تطورت إلى حد أن يكون الخليفة متماهيا مع الله كما حصل بعدها.

وقد وردت في آيات عديدة توصيفات النبي الكريم ومعناه، ومنها:

"وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل...." آل عمران: 144

" ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيئ عليما" الأحزاب: 44

"...فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد" آل عمران: 20

"...إنما على الرسول البلاغ المبين" المائدة: 92

"مأ على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون" المائدة: 99

"فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين" النحل: 82

"لستَ عليهم يمصيطر" الغاشية: 22

"....وما أنا إلا نذير مبين" الأحقاف: 9

"قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي...."الكهف: 110

وفي جميع الآيات هناك فصل واضح بين النبي والرسول والرب، ولكل حدوده ودائرته التي يتحرك داخلها، فالرب مطلق وما دونه محدود ونسبي، وإرادة ما دونه نسبية، وإرادته متعالية ينفذها كما يشاء، لا كما يشاء عباده، أيا كانوا.

فكرة الخليفة تطورت، وإكتسبت قدسية وخصائص إلهية وهمية، فالخليفة يتوهم بأنه يمثل الله وينوب عنه في تنفيذ أمره بالعباد، فالظلم يبرَر بسخط الله على الضحية، والقتل إرادة الله التي ينفذها نائبه في الأرض، ولهذا إكتسب الخليفة معنى أكثر من نبي أو رسول، فهو سلطة إلهية مسلطة على الناس.

وسُخِّر الدين بأساليب متنوعة للفتك بالناس، فالمعارض يقتل بتهمة دينية، وقميص (الزندقة) معروف، وقتِلَ الآلاف من الأبرياء بتلك التهمة.

وعندما نتصفح تأريخ الخلفاء، نكتشف بأنهم كانوا مستبدين ظالمين يسفكون الدماء، ويتخذون من الدين مطية لتنفيذ رغباتهم وتصوراتهم، ويحيط بهم جمهرة من الفقهاء المنافقين الدجالين المتاجرين بالدين.

وحياة الخلفاء قاسية دامية لكثرة مظالمهم، وسيادة إنفعالاتهم، وما يقترفونه بحق الرعية وأنفسهم، وهم المقدسون المهابون المطاعون الذين لا يخطئون، فالجميع لا يراهم بل يتخيلهم ويضفي عليهم ما ليس فيهم من الصفات، لأنهم قد خرجوا من كونهم بشرا، وتحولوا في الوعي الجمعي إلى آلهة.

والحقيقة أن الخلفاء بشر كأي البشر  وفيهم من العاهات والإضطرابات السلوكية والنفسية ما لدى البشر، خصوصا عندما أصبحت الخلاقة وراثية، مما يعني أن الذي يأتي للخلافة قد يكون مصابا بأمراض، ولا يمتلك المهارات القيادية لإدارة دولة شاسعة الأطراف، وأنه في عمر مبكر، وبلا خبرات إجتماعية وثقافية وسياسية وغيرها، فيتحول إلى دمية بيد الحاشية التي تمرر تطلعاتها ورغباتها من خلاله، وترسم له صورة في أذهان الناس مغايرة لواقع حاله.

وقد لعب الشعراء دورهم السلبي في إظهار الخلفاء على غير ما هم عليه، لأنهم كانوا يتصورونهم ولا يرونهم على حقيقتهم، و يسقطون عليهم صورا متخيلة من نسج خيالهم المستجدي، الذي يبحث عن العطايا بأساليب تسولية مشينة.

فالشعراء في وصفهم أو مدحهم للخلفاء كانوا من أفظع الكذابين، لأنهم يتكسبون بشعرهم.

والحالة المحيّرة التي لا يتوقف عندها المؤرخون والفقهاء، أن القرآن واضح في وصفه للنبي الكريم، وما رفعه إلى درجات تخرجه من بشريته، ولم يمنحه صفات ذات معاني إلهية، فكيف تمكن الخلفاء من بعده الوصول إلى درجة النيابة عن الله في الأرض؟!!

مَن الذي أوصل الحالة إلى هذا المستوى من الوهم؟

وكيف تحقق توارثها وتطويرها حتى صارت وهما لذيذا، نتمتع به في أنظمة حكمنا العتيدة المعاصرة، التي تحول فيها الكرسي إلى ممثل للرب؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم