صحيفة المثقف

الدكتور عبد الواحد، لؤلؤة الترجمة الأدبية الحديثة (2)

محمود محمد علينعود وننهي حديثنا عن الدكتور عبد الواحد، لؤلؤة الترجمة الأدبية الحديثة، وهنا نقول:  درّس الدكتور لؤلؤة الشعر الإنجليزي سنواتٍ في كليّة الآداب، فكان يضفي على الدرس حيوية تخرج به، أحياناًً، من إطاره القديم، وبيئته البعيدة؛ لتجعله يلامس نبض طلبته في ما يرون، ويسمعون، ويقع عليهم وإذا كان غيره من أساتذة الأدب الإنجليزي قد قصروا همّهم على تخصصهم، ووفّروا جهدهم على قاعة درسهم؛ فإنّه كان من قاعة الدرس ينظر إلى ساحة الأدب العربيّ لقد كان يريد، منذ أن بدأ، أن يجمع شرف الأدبين، وأن ينظر في الأدب العربيّ بمنظار مصقول بأشعّة من الأدب الغربي.

كان الأدب الإنجليزي، بأعصره كلّها، قد تغلغل فيه؛ فكراً وفناً؛ فأفضى به نحو قدر رحيب من الحريّة في الكلام، وفي الكتابة، وفي مزاولة تبيان ما يراه من العيوب، والنقائص ولعلّه مضى مع حريّته في الكلام، ولعلّه لم يحترس؛ فاضطرب الحبل، واختلّ، وانقطع، وخرج من الجامعة في سنة 1977، وبقي، بعدها، قليلاً في البلد، ثمّ غادر ليستأنف شوطاً آخر من رحلته.

ومن كتبه المؤلفة (البحث عن معنى)، و(النفخ في الرماد)، (منازل القمر)، (شواطئ الضياع)، (مدائن الوهم: شعر الحداثة والشتات: دراسة نقدية في الشعر العربي المعاصر)، (الصوت والصدى: دراسات ومترجمات نقدية)، (التناص في الشعر العربي المعاصر")، (معلمي الأول" مساهمة في كتاب تكريم جبرا إبراهيم جبرا: القلق وتمجيد الحياة)، (شارع الأميرات: السيرة الذاتية لجبرا إبراهيم جبرا"،)، (الحب شرقاً… الحب غرباً").

أما كتبه المترجمة فكثيرة منها ( موسوعة المصطلح النقدي) وتقع في 44 جزءً ومن المسرحيات التي ترجمها، مسرحية تيمون آردن،  جون آردن، مياه بابل، رقصة العريف (سلسلة من المسرح العالمي - 80/1)، وليم ﺷﮑﺴﭙير، تيمون الأثيني (سلسلة من المسرح العالمي - 95)، موسوعة المصطلح النقدي: سلسلة من 44 جزءً ظهر منها 16 جزءً، ﮔﻠﻢ: وليم بليك، وليم ﺷﮑﺴﭙير، ﭘيركليس، وليم ﺷﮑﺴﭙير، سيمبلين، رابندرنات تاﮔور، أغان وأشعار، سلمى الخضراء الجيوسي: الشعر العربي الحديث، جزءان، إسماعيل الفاروقي و د. لوس لمياء الفاروقي، أطلس الحضارة الإسلامية، (رؤيتي)، (قصائد من الصحراء) إلى الإنجليزية، وكتاب (رياح الصحراء) إلى اللغة العربية، من الشعر العربي في العراق / مختارات قدم لها ونقلها الى الإنجليزية عبد الواحد لؤلؤة.، الأتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث / [تأليف] سلمى الخضراء الجيوسي، ترجمة: عبد الواحد لؤلؤة.. وهلم جرا..

وبالمناسبة هو متزوج من سيدة فلسطينية. وله ابن منها يعمل قائد أوركسترا في أمريكا. وهو متقاعد في إنجلترا.. يجيد الإنجليزية (تخصص) الفرنسية (جيد جداً) الألمانية، الإسبانية، الإيطالية (وسط).. وفي الأول من شهر سبتمبر لعام 2004م كان المستشار الثقافي – المكتب التنفيذي للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم – دبي –الإمارات العربية المتحدة.. نال جائزة البابطين للإبداع في نقد الشعر- الكويت عام 2002م، وجائزة الإبداع الثقافي – رابطة الكتّاب الأردنيين – عمّان 2005م.. وهو على علمه بالنقد الأدبي الغربيّ وبمناهجه، وبما يستجدّ فيه؛ لم يقع أسير حبائله، ولم يقبل منه كلّ ما يأتي به؛ إنّما يقف منه، في كلّ الأحوال، وقفة الناقد الذي يعرف ما يأخذ وما يدع .

ومطلبه الذي لا يُخلي يده منه؛ الوضوح، واستبانة الدلالة، واستقامة الرؤية؛ حتّى يستقيم الفهم؛ يقول: ( فأنت تقرأ أفلاطون في الجمهوريّة، أو في المحاورات، وتفهم ما تقرأ فيلذّ لك . ثمّ تبدأ تساورك الشكوك؛ هل أنت حقّاً تفهم ما تقرأ، وتجد متعة فيه ؟ ثمّ تبدأ تساءل نفسك؛ لماذا قالوا لك إنّ الفلسفة صعبة الفهم تستغلق على القارئ ؟ ثمّ تقرأ كتاباً لأحد الفلاسفة المعاصرين؛ فلا تفهم ما تقرأ . وتعجب أن يكون فيلسوف معاصر أصعب على الفهم من أفلاطون نفسه . وأحسب أنّ الفرق بين الاثنين يقع في باب الفرق في وضوح الرؤية . فذلك يعي ما يقول، ويقوله بكلّ تواضع، وهذا " دماغه ملخبطة .. سمك لبن، تمر هندي ".

وقد كان حريصاً على شرط الوضوح في ما كتب، وفي ما ترجم؛ شأنه في ذلك شأن ذوي الثقافة الإنكليزية؛ إذ يجمعهم، في أغلبهم، وضوح الرؤية، وسلامة البيان عنها؛ كمثل "جبرا إبراهيم جبرا"، و"عبد العزيز حمودة"، و"محمد عناني"، و"محمّد عصفور"، وآخرين .

في حوار أجراه سلام نوري مع الدكتور عبد الواحد لؤلؤة ونشر بجريدة العراق يوم 25 كانون الثاني 2001 قال في قضية قراءة الخطاب الأدبي بوصفه موضوعا للبحث،:" أرى الاقتراب من النص الادبي " . وأضاف: " أن فرض قالب في النقد على النص أشبه بوضع العربة امام الحصان، ومثل ذلك يقرر الناقد مسبقا أنه سيصطنع المقترب التاريخي، أو الجمالي، أو النفسي، أو البنيوي، أو التفكيكين في تناول النص الأدبي، فأول ناقد في تاريخ الحضارة هو أرسطو الذي يتناول (الدراما) والمأساة بخاصة في كتابه المعروف باسم ( فن الشـعر ) ثم يضع أرسطو قوالب نقدية مسبقة في تناول فنون الشعر، بل أنه تناول المعروف في تلك الفنون في عصره وما سبق .. ومن تلك الأمثلة استخراج أرسطو قواعده النقدية وأهمها فكرة الوحدات الثلاث في الدراما، وهي أن الدراما يحسن أن تتوفر فيها وحدة الزمن ووحدة مكان الفعل ووحدة الفعل الذي قاد إلى المأساة وهذه الوحدات أصبحت قاعدة في النقد الأوربي الحديث . وقد حدث مثل هذا في تراثنا العربي فالخليل بن احمد الفراهيدي تناول المعروف من الشعر واستخلص منه قاعدة عروضية .. وعبثا يحاول اليوم بعض نقادنا عندما لا يرجعون إلى النصوص، بل يريدون تطويع الخطاب النقدي الى مذاهب غريبة عن واقعنا .. وعن تراثنا" .

كان الدكتور عبد الواحد لؤلؤة يؤكد بأن الترجمة أمانة وقد أجرت معه جريدة الثورة (البغدادية) حوارا لمناسبة حضوره مهرجان المربد في بغداد سنة 2002 ونشر في العدد الصادر يوم 1 آذار 2002 قال فيه:" أن المترجم ينبغي أن يكون أميناً في نقل النص كما أن على المترجم أن يتسلح بأدوات عديدة منها معرفته الدقيقة بلغته أولاً وباللغة التي ينقل عنها، ولا يكفي في ذلك استخدام القاموس، فكم من كلمة يورد القاموس لها معنى لكنها ترد بمعنى آخر في سياق النص" .. وبشأن إشكالية ترجمة الشعر قال الدكتور لؤلؤة: " ليس من السهل ترجمة الشعر، لان ذلك يتطلب حسا مرهفا بالمفردة والمهم نقل مناخ القصيدة ". وحول تباين الرؤى في الترجمة مع تعاقب الأجيال قال لمحمد إسماعيل الذي أجرى معه حواراً نشره في جريدة الجمهورية ( البغدادية) يوم 31 من كانون الثاني 2003 قال:" قارن ترجمة خليل مطران في عشرينات القرن الماضي بترجمة استاذي المرحوم جبرا ابراهيم جبرا، وأحسب أنه لو امتد به العمر وأعاد ترجمة عطيل لشكسبير لكان لترجمته نكهة اخرى تتغير بتغير الأوضاع والأزمان والأذواق، وينعكس ذلك على أسلوب الترجمة لذا كان من الضروري إعادة ترجمة الشوامخ مرة كل جيل من الزمان".

ومع إن عبد الواحد لؤلؤة يشيد بما قدمه المترجمون العرب، ومنهم العراقيون من جهود في مجال رفد حركة الترجمة ورفد الساحة الثقافية العربية بالعديد من النتاجات الأدبية والفكرية، إلا أنه يعيب عليهم تأخرهم في البدء بالترجمة، ويقول أن الترجمة عن اللغات الحية تتأخر عندنا كثيراً إلى حد أن بعض الموجات النقدية نشأت ونمت وازدهرت ثم ذوت، حتى إذا ماتت وأعلنت نهايتها جاء المترجمون ليشرعوا في الترجمة .. ولم تعد مسألة التأخر في الترجمة وقلة ما يترجم من اللغات الحية بغائبة عن أحد، فلقد اكدت التقارير التي تصدرها الهيئات الأكاديمية العالمية أن ما يترجم في كل البلدان العربية في سنة واحدة لا يصل إلى ما يترجمه بلد اوربي صغير وتلك بحق واحدة من المشاكل التي تعاني منها حركة الثقافة العربية المعاصرة .

وعندما صدر عن مشروع "كلمة" في أبوظبي كتاب "الغنائيات" لويليام شكسبير، ترجمة الدكتور عبد الواحد لؤلؤة، الذي قدّم شروحا وتفسيراتٍ مستفيضة لكل غنائية على انفراد، مُعتمدا فيها على أفضل ما كتبه النقاد البريطانيون والمتخصصون في أدب شكسبير على وجه التحديد، أمثال "دون باترسن"، "ستيفن بوث" و"كاثرين دنكان" وآخرين لا مجال لذكرهم جميعا.

ينقسم كتاب "الغنائيات" إلى أربعة أقسام رئيسة، وهي المقدمة الرصينة، وتراجم الغنائيات بالعربية، والنصوص الإنكليزية. هذا إضافة إلى الشروحات الوافية التي لم تترك شاردة أو واردة إلا وتوقّف عندها الباحث والمترجم عبد الواحد لؤلؤة المعروف بملَكته النقدية المرهفة. لا بد من الإقرار سلفاً بأن هذه المراجعة لا يمكن أن تغطي الكم الكبير من المعلومات النوعية التي وردت في المقدمة والتراجم والشروح الدقيقة التي تنطوي على إحالات نقدية وفكرية وتاريخية تحلّ كثيرا من الإشكالات المتعلقة بالعاشق والمعشوق والسيدة السمراء التي سرقها المعشوق، أو اللص الظريف من الشاعر، كما تسلّط هذه الشروح الضوء على بعض الاستنتاجات الخاطئة، التي حاولت أن تلصق تهمة المثلية الجنسية بشكسبير، ولو كان كذلك لما قصّر حُسّاده ومنافسوه من الشعراء والكُتّاب المسرحيين في الترويج لهذه التهمة وتكريسها كحقيقة دامغة في حياته الشخصية.

تشي المقدمة الشافية للؤلؤة بإعجابه الواضح بأستاذه الراحل "جبرا إبراهيم جبرا"،الذي ترجم أربعين "سونيتة"، فقط تاركاً البقية الباقية لغيره من المترجمين، وحجته في ذلك "أنها تتطلّب الكثير من الشروح والتعليقات الأكاديمية التي تقتل الشعر فيها"، غير أن لؤلؤة لم يقتنع بهذه الإجابة فتحدّاه "جبرا" أن يقوم بهذه المهمة، كجزء من نشاطه الأكاديمي فقَبِل لؤلؤة بهذا التحدي، ولو بعد 30 عاما.ً

أشار لؤلؤة في مقدمته إلى ترجمتين اثنتين فقط للغنائيات، وهما ترجمة "جبرا إبراهيم جبرا"، وترجمة "كمال أبو ديب"، وحقيقة الأمر أن هناك ترجمة ثالثة اضطلع بها الشاعر والمترجم المصري "بدر توفيق" وجاءت تحت عنوان "سونيتات شكسبير الكاملة مع النص الإنجليزي"، كما ترجم الشاعر الراحل "سركون بولص" بعضاً من سونيتات شكسبير، منتقداً فيها ترجمة "جبرا إبراهيم جبرا"، لعدم مراعاته للسياقات اللفظية في هذه السونيتات، أو حتى في المسرحيات الشكسبيرية التي ترجمها.

يشيد لؤلؤة بترجمة أستاذه "جبرا" ويصفها بأنها "أنيقة العبارة، دقيقة في فهم المعنى"، لكنه ينتقد توسّعه في العبارة الإنجليزية المكثفة، لكي يجعلها مُستساغة في العربية. وقد اكتفى "جبرا" بهوامش قليلة عوضا عن الشروح الطويلة، كي يظل تركيز القارئ مُنصّبا على القصائد نفسها، لا على الشروح والإحالات الجانبية.

يُعرِّب لؤلؤة كلمة سونيت بـ«الغنائية»، بخلاف بقية المترجمين العرب الذين يفضلون الاحتفاظ بالاسم الأصلي، وحجته الدامغة في ذلك أنها مشتقة من كلمة "  Sonetto" الإيطالية، التي تعني بالعربية "الأغنية الصغيرة أو القصيدة القصيرة التي وُضعت للغناء".

تعود الغنائية الإنجليزية شكلاً ومضموناً إلى الغنائيات الإيطالية التي وضعها "بتراركا"، ثم نقلها شعراء إنجليز أمثال "سير توماس" و"ايات" و"إيرل أوف سري"، ثم استعمل هذا النمط سير "فيليب سدني" إلى أن جاء شكسبير فكتب "154" غنائية مطوِّرا نظامها البتراركي الذي يتألف من "ثُمانية" و"سُداسية" إلى ثلاث رباعيات ومزدَوجة في ختام القصيدة، آخذين بنظر الاعتبار أن بتراركا نفسه قد استوحى ذلك من دانته أليغيري الذي كتب عدداً من غنائيات الحب التي ظهرت في مجموعته الشعرية المسماة "الحياة الجديدة"... وللحديث بقية ولكن هذه المرة مع أستاذه جبرا إبراهيم جبرا.. الشاعر والروائي والفنان..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط.

...............

1- عبد الواحد لؤلؤة:  شواطئ الضياع (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1999).

2- عبد الواحد لؤلؤة: مدائن الوهم: شعر الحداثة والشتات: دراسة نقدية في الشعر العربي (رياض الريس للكتب والنشر، بيروت 2002).

3- عبد الواحد لؤلؤة: الصوت والصدى: دراسات ومترجمات نقدية ـ (المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت ـ 2005).

4- الاستاذ حميد المطبعي: موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين، الجزء الأول. الناشر, بغداد: وزارة الثقافة والاعلام، دار الشؤون الثقافية العامة، ١٩٩٥.

5- سعيد عدنان المحنة وآخرون: منهج النقد الجديد عند الناقد عبد الواحد لؤلؤة، بحث منشور بمجلة الباحث – العدد 29، 2018.

6- أ .د.ابراهيم خليل العلاف:الدكتور عبد الواحد لؤلؤة وحركة الترجمة العربية المعاصرة (مقال).

7- مقابلة عبدالواحد لؤلؤة مع محمد رضا نصرالله في برنامج (الكلمة تدق ساعة) عام ١٩٧٨م (يوتيوب).

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم