صحيفة المثقف

مسارات الخطاب.. طُرق مفتوحة

سامي عبد العالبأية صورةٍ يطرح الخطابُ رسالته حتى وإن كانت غير معلنة؟ كيف يستثمر موارد الثقافة لمراوغة متلقيه؟ وهل ثمة جوانب أخرى في الخطاب غير معروفةٍ؟... تلك اسئلة تخص المتلقي وجهاً لوجه. بالقطع لن أطرح وصفات سحرية إنما سأبرز بعض الأفكار. فالمسار يرتبط باستراتيجية الفكر والتداول وسلطة اللغة. وخاصةً أن حالة المجتمع تحدد إلى درجة بعيدةٍ لماذا تنتشر خطابات دون غيرها. فخطابات الهوس الجمعي (مذاهب- فضائح- شعارات- طوائف- مواكب سياسية زائفة- أيديولوجيات دينية- أخبار كاذبة fake news) تجارةٌ لا تبور. كما أنَّ التأويل المتبادل (بين الأفراد) يبلِّل المواضع الزلقة التي تسربها نحو أهداف  ومآرب مبتغاة. والمسارات خطوط وآثار يترقبها صانع الخطاب لتأكيد المعاني وبث رسائله. وبالطبع سيتذرع بجميع حيل الثقافة وألاعيبها في صقل مهاراته.

أكبر حادثة في مسار أي خطاب هي عملية التلقي. نقول حادثة لأنَّها تبرهن: أن مضامين الخطاب قد تكمُن في تلقيه. هي تتيح له وجوداً ناشطاً في الثقافة مع انجاز الصياغة. فإذا كانت الأخيرةُ مناسبةً، فلا تتحدد اعتباطاً لكن بعد تلك العملية. وإن كانت ذات معنى فسُيعْرف الأمر أيضاً من تأثيرها.

هناك فكرة أنَّ الخطاب الذي لا يُقرأ غير موجود. ويبدو السؤال تلقائياً: ما فائدته إن لم يكن كذلك، أهو بلغة مجهولةٍ أم أنه على شفير النهاية؟! يقال أيضاً بصدد النص إذا ما لم يُقرأ يعتبر كأنَّه لم يكُّن. وتلك الفكرة مأخوذة من نظريات النقد الأدبي. على أساس أنّ القراءات المتعددة، بل المتنازعة والمتنافسة، تعطي الخطاب تأثيره. وكلما كانت السياقات متنوعة تظهر الفوارق بينها. فالخطاب أشبه ببلُّورة دوّارة تحوى جميع الانحناءات والالتواءات والمرايا العاكسة للأضواء. والقارئ حينما يحاول تثبيت البلورة لا يستطيع وقوفاً على لون بعينه. ولا يمكنه حتى التأكُّد من ألوانها. كما أنَّه غير بات الرأي في تداخل الانحناءات. والأكثر بروزاً أنَّ الاختلافات تزداد مع انعكاس الرؤى وزوايا النظر.

يترتب على الفكرة أنَّ الخطاب يمر بعدة مسارات:

1- مسار الصياغة المراوغة: يلجأ الخطاب إلى أقنعةِ التعبيرات الدالة بالنسبة لمتلقيه. إذ تمثل صيغاً تضمن المرور ناقلةً معها حمولات أيديولوجية أخرى. في المعتاد لا يوجد خطاب على تنوع مجالاته إلاَّ ويأخذ اللغة بهذا المفهوم. لهذا يلتقيكَ الكلام كوجه، كسمةٍ معبرة عن المحتوى. والأخير لن يطرح نفسه عفواً. عليك أنْ تجمع أو تطرح أو تضرب المعاني مع بعضها البعض. فعندما يراهن الخطاب السياسي على الوطن والمواطنين بصيغة "أيها الأخوة المواطنون...." كما كان يقال من زعماء العرب، فإنّه يقابل متلقيه بهذا الوجه البرَّاق bright face.

فإذا تحدث الخطاب السابق عن الحقوق والواجبات، كما سنعرف لاحقاً بصدد رسائله، كانت عبارات" ينبغي" محددة للدلالة انحيازاً لقائلها. ثم سرعان ما تتواتر الأهداف في الطَرْقِ على المصالح الساخنة وفقاً لطبيعة المرحلة السياسية. هنا يتغلغل الخطاب في أفق التوقعات العامة، كأنه يباشر عمله فيما وراء المعنى الفوري. إنه يطرح صيغة وراء أخرى بقصد مكثف لتخدير يقظة المتلقي. فإذا بكلامه (أي الخطاب) يتجاوز الواقع نحو كسب مزيد من الثقة.

هكذا تشتغل الصيغ الخطابية على كسب الثقة تجاه الآخرين في المقام الأول. بحيث تفلت من مصفاة النقد ومن غربلة القراءة الفاحصة. إن الصيغ البلاغية مع التدقيق نجدها مدفوعة بطابع التمرير الخفي للمعنى. لهذا يمثل الاستهلال في الخطاب السياسي والديني أمراً ضرورياً. فهو ليس استهلالاً عادياً، لكنه "استقبال واستدبار" في الوقت نفسه. استقبال لوعي المتلقي وملاحقته بالعبارات الخاطفة حتى يتم إرهاق الوعي. تماماً كالملاكم الذي يعاجِل خصمه بالضربات المباشرة. ويفعل ذلك لإحراز فوز ساحق بالضربة القاضية من الجولة الأولى. ومن لا ينتبه بصدد الخطاب السياسي إلى هذا الاستقبال ربما يعاني دواراً نتيجة أثر الصيغ في خطف رؤيته. أما الاستدبار، فلأنَّ الخطاب يريد أن ينهي وعياً سابقاً بعدم أهمية ما سيقول. يحاول الخطاب في تلك اللحظة إعادة برمجة عقول المتلقين وتسريب قناعاته الوظيفية بأنه مختلف في التوجُّه والنتائج.

هكذا من أول وهلة يطرح الخطاب الديني بعد الحمد لله والصلاة على رسوله الكريم أنَّ: "شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار". هذا الاستهلال الصياغي هو عتبة الخطاب القُصوى. العتبة التي تقودنا إلى صحن ودهاليز التعبيرات التي تطوي السماء والأرض. وكثيراً ما تردد ألسنة الخطباء أنَّ هذا النص حديث شريف. أقرب معنى إليه ما جاء في صحيح البخاري باب الاقتداء بسنن الرسول: "حدثنا آدم بن أبي إياس: حدثنا شُعبة: أخبرنا عمرو بن مُرة، سمعت مُرة الهمداني يقول: قال عَبْدُ اللِه: إن أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين"( صحيح البخاري، موسوعة الحديث الشريف، الكتب الستة، الجزء الثاني، إشراف ومراجعة صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض السعودية 1419 هـ، ص606).

وطالما أنَّه حديث – ولسنا بجدال ما إذا كان صيحاً أم لا- فإنَّ استعماله بذات الاستشهاد دون مقدمات استعمال مطلق الحدود، مطلق المعنى ولا يقف عند أية محاذير. إنه يطلب بحسب توظيفه الخطابي ألاَّ يتحدث المتلقي، ألاَّ يعترض على شيء!! فهو قاطع رغم عدم توضيح الخطاب: أي الأمور المحدثة كانت شراً وأيها ستكون خيراً؟ وهو كذلك قول نهائي قاطع الدلالة برغم التدرج من الأشياء المحدثة إلى البدعة تحديداً.

واللافت أنه يُطرّح بقصد البدء المفتوح. كأن المخاطِب يقول لا تتحدثوا عن أي شيء جديد. ولا عن مناسبته، ولاعن حقيقته من قريب أو بعيد. لأنَّ شرَّ الأمور محدثاتها. ويوازي بلا تروٍ بين (المحدَث بعامة والشر) من الأمور موازاة تفصيلية. وعليه بات الشيءُ المألوف فقط هي الخير. أي شؤون الأمس أخيَّر من اليوم وأول أمس أكثر خيريَّة من الأمس... وهكذا رجوعاً إلى الوراء حتى العصور الأولى. بالتالي ممكن للقول السابق أنْ يبرر أي شيء قائم مها يكن. وربما ينفي بل يكفِّر أيَ شيء مغاير لأنَّه محدث.

يجري القول في استهلال الخطاب على منوال التعبير الشائع خارج مجاله القرآني "ألا لعنة الله على الظالمين". لكن الظالمين في القرآن معروفون بمواقف معينةٍ قد نفهمها من الآيات الواردة بهذا الصدد. أما وصفهم الإنساني بمحل اللعنة الخطابية بلا تخصيص ففيه شك. لأنّه بالإمكان التلاعب باللعنة إذا كانت تقصد شخصاً مجهولاً. وقد تكون من قبيل العنف اللفظي بين الأفراد. إن صيغة "شر الأمور" سترمي إلى شيء قريبٍ من هذا ما لم تكن الكلمات ملاءمة لسياقها.

لذلك من المسائل الغامضة في صياغة الخطابات الدينية تلك العتبات اللغوية المُجهلَّة. فهي تقود بطبيعتها إلى المجهول. ويصبح الداخل عبرها معرّضاً لنفس المصير. لننظر بدقة ماذا تقول "عتبة البدعة". إنها تخيف المستمع من لحظة دخوله إلى ساحة سماعها: إياك أن تكون من أصحاب المحدثات: يجب عليك ألاَّ تقترب منها أو ترددها أو يأخذك هاجس بالسير وراءها. لكن ما هي... لا يعرف. ولم يخبره أحد عن طبيعتها على الأقل في ذات الخطاب!!

كما أنّ إطلاقها هكذا في سقف اللغة يجعل المستمع عاجزاً عن التركيز فيما سيأتي وستسرق انتباهه. ولربما يردد مادام الأمر من أوله هكذا عين الشر(أول القصيدة كفر كما يقال)، فكيف سيكون باب الخروج من الخطاب. ويبدو أنَّه لن يجد مخرجاً، فالاستدراج واضح إلى النهاية. فإذا كانت محدثات الأمور شراً، فآلية الخطاب الديني أن يعدد الأشياء جراً إلى المصير المرسوم. فها هي المحدَثة بين غمضة عين وانتباهتها تصبح بدعةً، والبدعة ضلالة والضلالة في النار!! والزمن كمرحلة بين البدعة والضلالة منعدم دون مراجعة ودون حكم ولا نقض ولا حتى دفاع. ثم تجرى الضلالة برقاً حاملة المحدثات إلى العذاب دون غفران.  كل هذا استهلال بلا شرح أنَّ البدعة تصبح كذلك إذا كانت في الدين وأصوله الاعتقادية، في ثوابت العقيدة وأصول الشرع كما جرى كلام الفقهاء. وحتى هذا المعنى فالقرآن حسمه من الجذور: " من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". أما محدثات الحياة من تطور معرفي وتقني وفكري وعمراني ومدني، فجميعها من البدع القريبة إلى الإبداع، ولا تجري مجرى الأولى.

إذن صياغة الخطاب تطرح قضايا ضمنية في غاية الخطورة. وعلى القارئ إثارة أسئلة في المناطق الرخوة من المعنى وحول أساليب استعمالها. فهذه المناطق في العادة تنمو خلالها طفيليات المصالح وجراثيم المذاهب. إن تقارب المعاني على سطح الخطاب يقتضي التنقيب في تباعده بمجمل أعماقه السحيقة. وهذا خيط مهم في مسار القراءة. لأنَّ موضوع الكلام، أي ترتيب وحداته وتتابع علاقاته ومناطقه الدلالية، سيعطينا فكرةً ما إذا كانت ثمة قفزات منطقية في الصياغة أم لا. إنَّ العقل المعبر(المدبر) وراء الكلام يلجأ إلى صيغ التجاور اللوني. كمن يريد أن يحيك ثوباً من رقائع متنوعة ومتنافرة. حينئذ هل هو محكوم بالأسلوب أم بالنموذج أم بالغاية العملية من الثوب؟

إذا تتبعنا أحد هذه الخيارات سنفهم ماذا نقول هنا. لأنَّ خطاباً من قبيل الخطاب الديني السابق يقع في معضلة الثغرات بين الثلاثة ( الأسلوب والنموذج والغاية ). ولهذا يجب على القارئ الحفر عبر تفاعل الأطراف الثلاثة. لا من أجل التفرقة بينها إنما لكشف أيِّ تاريخ، أي تفسير للدين يهيمن على صيغ الخطاب، أية أغراض ومصالح تحكمه. وما معنى وجود نماذج لغوية معدة لخطف الأهداف الخاصة، وكيف يجري ذلك في سياق التواصل؟

2- مسار المناورات: وهي أساليب وآليات ومفاهيم ومقولات يتوسل بها الخطاب بلوغاً للأهداف. يمكننا الاهتمام بها كمنطق حاكم لتبرير القضايا، وعرض الجانب الحجاجي والدعائي منها، وإلقاء المضامين رغبةً في الاقناع. والآليات يستخدمها الخطاب عادة بشكل ضمني. أي يتفهمها القارئ من بين الأفكار المطروحة. لأنَّها تأتي بصيغة هكذا تجري الحقيقة كما يراها وكما يريد أنْ يطرحها للآخرين بذات الطريقة. كل ما في المسألة هو تعزيزه لرأيه وأغراضه بمناورات تسهل ابتلاع المحتوى.

لا تجري المناورات الخطابية كما نستعملها بمعناها الشائع لكنها أكثر من مجرد أداة. لأن الأداة تحتاج إلى صياغة جديدة في كل مرة يُطرح فيه الخطاب. بالتالي تَجُر معها تصورات تحكم عموماً استعمال اللغة والايهام بها. ففي الخطاب هناك معطى المواقف والرؤى مثلما أوضحنا، وعليهما ينظر صاحب الخطاب ماذا يختار من أداة ناجعة للتأثير في الآخرين، كيف يصوغ الأفكار ويغلفها وكيف يجد منفذاً للإفلات من المآزق.

للتدليل على هذا نوضح أن الخطاب السياسي يستعمل وحداته الخطابية من جهة التعبير عن الأحداث والدور المنتظر للأطراف ومن جهة فاعلية أصحابه. نقول يستعمل كل ذلك بمنطق "القوة" وإمكانية الهيمنة. فالتعبير يبقى مدفوعاً إلى معناه بمقدار ما يتمسك بعنفه المختزن. رأينا خطاب الأنظمة السياسية العربية إلى مواطني الدولة خطاباً قمعياً. لأنَّه يعجن كلماته ودلالاته من بطش السلطة ومدادها. وهي سلطة غاشمة تحت الطلب، فإذا كانت أحلام المواطنين ترمي إلى التغييرٍ فلا ترى السلطة سبيلاً إلى ذلك.

قِسْ على هذا كافة قضايا الخطاب السياسي. فحديثه عن التنمية الاقتصادية على سبيل المثال ينقل أساليب التمويه. أي حين يتحدث عن مشروعات تنموية، يلجأ إلى احصائيات وراء أخرى بجوار أرقام في أرقام. وتلك الأخيرة لا ضابطَ لها. كأن سلطة الدولة تقول بأنها عقل إحصائي. ومن يُرد التحقق فليذهب إلى الجحيم. أي أنْ يأكل نفسه أو يتحقق- دون جدوى- وسط غياب المعلومات وتداولها وشفافيتها. والتلويح بالقوة العنيفة من وراء الأرقام بمثابة استعمالها إزاء الرافضين للمشهد العبثي. إذن آلية الخطاب صياغة للقوة القامعة عبر حسابات وجداول لمصادرة المعرفة بالواقع. وبها يتم الرمي إلى غلق منافذ الحوار. فإنْ كانت الأرقام لا تكذب كما يُقال، فلِمَ نجادل أو نناقش!! وعليه تجري مفاهيم الخطاب السياسي كمفاهيم سلطة عمياء لا غير. بحيث تتقدم بلاغة المشهد الحسابي على أية بلاغة أخرى. ولو كانت تتحدث عن وضع حقيقي.

أما الخطاب الاجتماعي، فتتركز آلياته حول القوة الاجتماعية وأنماط العادات و الرأسمال القيمي. بحيث تكون مقولات العائلة والأبوة والمعتقدات مستعملة انطلاقاً من مرجعية المجتمع نحو المعاني المتداولة. وتسهم الآليات في إيجاد نظام دلالي يعتمد توثيقاً للتعبيرات ووظائفها في إنجاز أعمال الأفراد. وطبعاً يختلف كل خطاب عن غيره في آلياته. لأنها تتغاير وفقاً للسياق الفاعلة فيه. لو وجدنا طقساً اجتماعياً دينياً كالأعياد فإنَّ خطاباً اجتماعياً يلجأ إلى المزج بين العاطفة الدينية والبعد الإنساني لتحديد صور الحياة. لأن حركة المجتمعات العربية حركة بطيئة وتقليدية. ولهذا تستند إلى عوامل السكون أكثر مما تستند إلى مسببات التغير.

ويأخذ الخطاب الاجتماعي في الانتشار آلياً حتى يشمل كافة الفئات والأفراد. فهناك في أي مجتمع خلق فضاءات لتسريب الخطاب. مثل نوافذ العلاقات العامة ومناسبات الحكي وسرد القصص والأشعار. إن استعمال هذه الأشياء كآليات يعيد إنتاج الخطاب ليطرحه على نطاق عام يعلقه بمفاهيم الحياة الاجتماعية.

بناء على ذلك من الأهمية تتبع استعمال آليات الخطاب. لأنها تخترق كافة وحداته وفي نفس الوقت تحمل المعنى. وهي أنسب نقطة يمكن للقارئ النفاذ منها لكشف طبيعة الخطاب ومناوراته. بل بإمكانها أن تربط جميع المفاهيم وبإمكانها بالتوازي أن تُضعفها إلى حد الانهيار. لكن يعتمد ذلك الكشف على قدرة القراءة على تحديد معالم المعاني وارتباطها بالأهداف. فالخطاب يعطى الآلية مساحة من المناورة ومن الوقوف في خلفية الصيغ تقريباً. وعلى وجه السرعة تمثل الآلية بالنسبة إلى المعنى "عربة الطوارئ المتنقلة" لترميم التعبيرات إن حدث خلل. وتتخفى الآليات لدرجة أنها قد تغيب عن وضوح العبارة. فهي مهيمنة بشكل ضمني وتمثل قواعد اللعب على ذهنية المتلقي. هي تحاول أن تقول بمراوغة اللغة: ما أمرره من أفكارٍ إنما يوجد لديكم وأنتم قادرون على قبوله.

3- مسار الرسالة: هي غاية الخطاب من خلال الصياغة والآليات، وهي كذلك النقطة القصوى التي يحاول بلوغها. لكنها تتخفى هي الأخرى بمقدار ما يومئ التعبير ويكشف، وبمقدار ما تحاك الحيل البلاغية لتقريب الصورة المطلوبة. أحياناً تظهر الغاية في المواقف الحدية حينما يطرح الخطاب رسالته إلى فئةٍ أو إلى مجموعة حركية كالحال مع خطاب الجماعات الجهادية. إذ يظهر ملغماً برسائل يفهمها أتباعُه ومناصروه. وقد يتحركون من فورهم لتنفيذ المهام المُوكلة إليهم. والرسالة تضرب موعداً مع الوقائع والأحداث. بمعنى أنها نوع من المساهمة فيها وترك التأثير على المدى المناسب. إذن رسائل الخطاب الديني من حيث المنطلق إدارة للصراع السياسي أو الاجتماعي بقفازات اللغة.

تنطلق الرسالة للمستهدفين من وراء هذه العملية. وطبعاً يجرى ذلك وفقاً لاحتمالات الخطاب نفسه وتجسيده للمصالح. بهذه الزاوية، تترجم الرسالة الوظائف السالفة أو إحداها في ضوء ما يمكن أنْ تحرزه. والرسالة تتويج لنقطتي الصيغة والآلية أثناء الممارسة، فالأخيرتان مرحلتان لبلوغها وتسديدها في المرمى. هي مثل احراز الهدف في مباريات كرة القدم. هناك الخطط والتكتيك والجوانب الفنية والبدنية، وهناك  إيقاع الزمن من أجل تسديد الأهداف في الوقت المناسب. ذلك كله يشمل تكتيك المباراة، احتمالات الإخفاق والنجاح، والعمل على استغلال ثغرات الخصوم واحتواء خططه الفنية. لهذا يقال تُسجل الأهداف عادة نتيجة أخطاء الخصم دفاعاً أو تغطية أو هجوماً أو خططاً. وهذا بالتقريب ما يوجد في الخطاب. فالخطاب نظرية لمباريات التواصل بشتى مجالاته. الجوانب الفنية منه تتوافر على خطط للمعاني وعلى حبكة التعبير وعلى استثمار أخطاء الأطراف المتحاورة. والرسالة بالنسبة إليه هي التصويب أثناء غفلة المراقبة بكل حنكة ودهاء.

أحيانا تجري الرسالة باستراتيجية التفاوض. حيث تُرسل من أجل تقريب وجهات النظر وطرح التبادل الدلالي بين الخطابات. وهي في الأعم رسالة عملية على أساس أنَّ طرفاً سيلتزم بشيء معين في مقابل التزام أطراف أخرى بما عليها. في هذا الإطار تجس الرسالة نبض العلاقة القائمة وإمكانية فهم الخطاب على الوجه المطلوب. ورجوعاً إلى فكرة المباريات تصبح صيغة الرسالة مكتوبة كما لو كانت أفقاً للتفاعل بشكل ما. ففي التفاوض هناك أطراف وهناك اللعب بالقُوى. لصالح من ومن يستطيع مغالبة غيره؟ هذه موضوعات نسبية من واقع المباراة الخطابية. هنالك بالمثل فرص ومكاسب تُوفر تشويقاً للعب. فكلما كانت صيغة التفاوض جارية مع الفرص تستطيع إحراز بعض الأهداف ولو قريبة.

كنا قد سمعنا في بعض الآونة ضمن الخطابات السياسية مصطلح "مغازلة أمريكا" أو "مغازلة الغرب" وبخاصة إذا كان الكلام يطرح تصوراً يأخذ بتوجُه الغرب حول قضايا دولية وإقليمية في هذا الشأن. وعادة تطرح أموراً تتعلق بسياسات الدول الغربية مثل محاربة الإرهاب أو الصراع العربي الإسرائيلي أو تطبيق برامج الديمقراطية وفتح المناطق لوجود الجيوش الغربية. هنا يمكن التفرقة بين أنماطٍ من سياسات الغزل الخطابي وليس نمطاً واحداً.

أولاً: الغزل العفيف

هو رسائل يشي مضمونها بالتقرب من الغرب ودوله. وإذا وجدوا تعبيراً معسولاً قالوا عنه "تفهمات" بين القوى. حيث تُرسِلّ كلمات طمأنة وهدهدة سياسية حول المسائل العالقة. كما هو الشأن بين "الفلسطينيين والاسرائيليين" حول قيام دولتين منفصلتين، كأنَّ الطرفين المتصارعين قد اتفقا ضمناً على أشياء بعينها أو على الأقل لا مانع من الاتفاق. ويبذل الطرفان أقصى جهدهما في طلاء العبارات بكم من التقارب الشكلي. بينما المضمون يحمل صراعاً من نوعٍ ما.. وإلاَّ ما المبرر في وجود تنازع. قد تكون الرسالة في اتجاه كهذا دفعاً بالأمور نحو طريق معين لمعرفة رد الفعل المقابل. لكن ظاهرها يبدو جذاباً وتسمى في هذه الحالة بلون اختبار. أي الاطلاع على ما يريده الطرف الأخر وماهية تصوراته في المرحلة الراهنة والقريبة على الأقل.

ليس هذا الغزل مقصوراً على السياسة فقط، بل واسع الانتشار في الحياة الاجتماعية عند حالات المصاهرة. تطرح الرسائل عن طريق أفراد فاعلين اجتماعياً لمعرفة ردود الأفعال من أهل العروس، وتكون غالباً نوعاً من التودد والتقارب. وفي هذا يبذل الوسيط طاقته الخطابية في توجيه الرسائل بحسب الاتجاه المفضل لدى الطرف المقصود. كنوع من التمهيد لإتمام مهمة الزواج. وهي في النهاية تحمل سمات التفاوض على قاعدة المباريات الاجتماعية. أما إجمالاً في المجتمع العربي فنتيجة لفقدان قيم العمل بات الكلام المعسول من لوازم التعامل مع الفنيين والحرفيين لإنجاز الأعمال على الوجه المقبول. واصبح كذلك من الرشاوى المعنوية في الإدارة للحصول على الأوراق الرسمية واستمالة أصحاب القرار.

ثانياً: الغزل الفضائحي

إذ تنتقل رسالة الخطاب من التلميح إلى الطابع العلني( التصريح). عادة ما تلجأ إليه الدول لممارسة ضغوط قوية على دول أخرى. على سبيل التوضيح قد تُكْشف صفقات أسلحة تحت عنوان التعاون العسكري أو تبادل الخبرات كما في مجال وجود خبراء من دولةٍ غير مرغوبة على الأراضي الوطنية. فإذا ما عُرف ذلك الشأن جماهيرياً، يسبب إحراجاً لمسؤولين أو لإظهار حجم العلاقات بين الدولتين. لقد مارست أمريكا هذه التعرية حين أظهرت ملفات مخابراتية سرية لرؤساء دول ولمسؤولين حكوميين كما حدث في بعض الأوقات مع إيران ومصر وسوريا. هي تريد حرق أوراقهم السياسية للضرب في عمق الحالة الخاصة بالدول المنتمين إليها.

ويظهر ذلك بالخطاب الاجتماعي ضمن رسائل التشهير بأشخاص ومضغ سلوكياتهم والتعليق عليها في غير مكانٍ. هي رسائل تغص بها عبارات النميمة والخطاب اللاأخلاقي العام. وهذا جزء من علاقات الأفراد وخبزهم اليومي في المجتمعات التقليدية. بحكم أنها تتسع إلى مساحة زمنيةٍ ليست بالقليلة للتحدث عن الآخرين. الحديث الذي يُترك للكلام المعمى حيث يتخلل المناسبات والطقوس. إنَّه الكلام المحشو بهتك الأسرار وإفشاء المكنون بالنفوس على الملأ. وعادة ما تتسع رقعته نظراً لفراغ العقل من القضايا وفراغ الأيدي من العمل والانتاج. كارثة ما بعدها كارثة أن يتجذر هذا الفراغ بأعماق المجتمع العربي مع امتلاء الجيوب والكروش. حتى إذا ما تُركت رسالة فضائحية لدى فرد أو في مناسبة تطير بسرعة الضوء في أرجاء الأدمغة  كأنَّها  كلام هوائي.

مع تنوع وسائل الاعلام ظهرت هذه الرسائل في الخطاب الديني من خلال التكفير. إذ تصبح الفتاوى منصة لإطلاق أعيرة تكفيرية تصيب من تصيب. لقد أصبح التشهير عنواناً للبرامج الدينية إزاء أشخاص أو ضد أناس دون سواهم. وشمل التكفير جميع معانيه من التكفير الديني إلى التكفير الاجتماعي إلى التكفير السياسي حين يتم اعتبار المكفَّرين خارجين عن المجتمع وموروثاته والدولة التي ترعاه. وحيث كان ينبغي احترام الآخرين يلاحقهم الإفتاء التشهيري إرسالاً لرسائل تستعمل عبر الأحداث السياسية. وذلك يجد صداه الشعبي، لأنَّ هناك قطاعاً جماهيرياً عريضاً يخلع عقلة مع حذائه حين يشاهد البرامج التليفزيونية. ويتقلب مع الآراء من الأدنى إلى الأقصى مأخوذا بألقاب الخطباء وأشكالهم.

ثالثاً: الغزل العنيف

وهو رسائل إهدار الدم والإيعاز بمحاربة المجتمع إذا لم ينصع لاتجاهات متشددة سياسياً ودينياً. هذا الغزل يسمى كذلك لأنَّه بدأ بإرسال عبارات العداء- من الجماعات الجهادية - إلى أمريكا. وهو غزل لأنَّه رسالة لالتهام أصحابها، أي التهام المرسِل وصانع الخطاب، دعوة مفتوحة لأمريكا للبحث عن عدو محتمل. فماذا تملك تلك الجماعات أمام أكبر قوة مسلحة في العالم سوى تفجير هنا أو تدمير هناك؟! أنت حين تفتح فم أسد وتداعب أسنانه فهذا معناه وضع رقبتك بين فكيه. ولا سيما أنك تمتلك رقبة غزال لا أكثر ولا أقل. أنت تغريه باستثارة قوته الطائشة، وشحذ غرائز التدمير لديه.

إنَّ الجهاديين يحاربون عدوا هلامياً. لأنَّ أمريكا تتوحد في أنحاء العالم مع قوى وعصابات ومافيا محلية. كما أنها مثل ظل العدو يوجد أينما يوجد من يناصبها العداء. وهي تحارب هؤلاء بنفس أسلوبهم وتستدرجهم وتصنعهم من حيث لا يعلمون.

إذن رسائل التهديد الدائمة التي نسمعها عن طريق وسائل الاتصال ومن خلال مواقع إلكترونية إنما هي استحضار للجان والأرواح الشريرة. فماذا ينتظر من يطلق نفير الحرب سوى الحرب؟، ماذا يتوقع من يهدد الآخرين غير تكالب الأقوى على افتراسه؟! نقول في المثل الشعبي: من يُحْضر العفريت عليه بكيفية صرفه، لكن ماذا لو أنَّ العفريت لا ينصرف كما تفعل أمريكا؟ وماذا لو كان يحارب صورته المقلوبة؟ فجماعات التكفير الدموي كانت هي صور أمريكا في مرآة الواقع.

وبالفعل هذا ما حدث. فبسبب رسائل خطابية اجتاحت أمريكا– واعتبرتها فرصة ذهبية- أفغانستان والعراق وبعض مناطق الصراعات المسلحة. وكانت الرسائل تتجدد من حين لأخر حين تحتاجها أمريكا في الأحداث الطارئة مثل خطب اسامة بن لادن والظواهري وأبي بكر البغدادي. وأثير الجدل الطويل حينئذ... من يصوغ تلك الرسائل العدائية، وما هي الأصوات التي تلقيها؟، أهي أصوات الأشخاص المشهورين للتنظيمات الجهادية أم غيرهم أم أصوات مستعارة؟ وماذا عن محتواها، وأية أبعاد ترسِلها ولماذا تحمل طابعها الاستراتيجي بالنسبة للآخر العولمي؟ ولماذا تصدر أولاً من قنوات إعلامية معينة كقناتي الجزيرة والعربية؟ تعاملت امريكا مع صيغ الخطاب الجهادي على أنها خطط في طريقها للتنفيذ.

لقد كثُر في وقته حديث المحللين عن شفرات تحملها الرسائل، فتم الإشارة إلى الخلايا الإرهابية النائمة في القارة الأوروبية، وإلى التنظيمات الموازية التي تتخفى في أسماء أخرى. وجرى النظر إلى مصادر تمويلها والبحث عن أرصدتها في معظم دول العالم. هوس الرسائل الجهادية قابلته هيستريا العنف الأقوى المنظم. هيستريا القوانين المحددة لحركة رجال التنظيمات الدينية وأفكارهم. وعلى الرغم من إدراكنا للرسائل لكن وصل الأمر أننا لم نعد نعرف من يرسل لمن ...الجهاديون يرسلون لأمريكا أم أمريكا ترسل للجهاديين!!

الرسائل الخطابية جزء لا يتجزأ من حركة العالم وقواه. هي فصل من سيناريو إدارة الصراع.  رسائل حقيقية أو غير حقيقية ليست هذه هي القضية مع تجييش مظاهر العولمة، ومع تحالفات دولية عسكرية تحتاج عمل. المهم إذن استنفار أمنى يكفل شحن اللاوعي نحو العدو القادم. فصناعة العدو هي السلعة الأكثر جودة ورواجاً بالنسبة لأمريكا وللقوى العظمى.

إن فائض القوة يقتضي دوماً مناطق للتفريغ وإعادة الانتاج، لمن يطلبها ولو برساله من قندهار أو الصومال أو كهوف الدواعش. و لمن يبحث عنها ولو برساله فضائية وسط أحراش وراء أحراش. في حالة وجود القوة لا بد من الرسالة. أبداً لا تذهب رسالة إلى الضعفاء، ولا تستحق عناء صياغتها. أنما الأقوياء إلى درجة الجنون هم غايتها وإن أرسلوها إلى أنفسهم. ألم يقل بوش الابن ذات يوم إنه يحارب باسم الرب؟  وقال أبو بكر البغدادي لا حقاً أنه يقاتل لإعلاء كلمة الله. إذن تضارب الأرباب يوحد المصالح.

ومن طبيعة هذه الرسائل العنيفة تعدد المتلقين لها. أدركت المجتمعات العربية أن صراعاً عولمياً بين تنظيمات وأطراف دولية سيطال البيئة المحلية. إن لم يكن مباشرة فهناك من يعتنق نفس الفكر واسلوب المواجهة. وليس أمامه سوى للانتظار حتى يتحرك. كانت رسائل الخطاب كلمات للعالم بنفس حروف العولمة وبنفس أزيائها. لأول مرة تحتل الرسالة مكانَ الخطاب كل الخطاب. هكذا ينبغي لقراءة واعية أن تتساءل: لماذا يُختزل العالم في رسائل متبادلة، مادية أو تفجيرية أو إعلامية؟! كان معتاداً أنْ توضح الرسالة طبيعة الخطاب بيد أنها حلت محله وحولته إلى أشباح مسلحة في بقاع العالم. ويمكن للقراءة أن تقول كانت الرسالة إجرائية. فتفجير برجي التجارة كان رسالة ليس إلاَّ. وكان غزلاً عنيفاً لم ندرك أبعاده إلا باجتياح العراق وملاحقة أعضاء القاعدة على طريقة البلاي ستيشن play station. وكان بمثابة الدخول إلى العالم السفلي لصيغ الخطاب السياسي وكتابة لاهوت الإرهاب ومحاربته على يد بوش. عالم وصفته الأساطير اليونانية بأنه مأوى الأرواح النكدة والشياطين العملاقة.

رابعاً: الغزل السخيف

المتمثل في رسائل لا تمل الأنظمة السياسية العربية - على اختلافها- من مخاطبة الجماهير بأنهم يرفلون في أثواب الديمقراطية والاستقرار. وأنهم قاب قوسين أو أدني من معانقة رفاهية اليوتوبيا كمواطني الدول المتقدمة.

كان الحاكم يقصد بها السخرية إلى درجة السخافة من تطلعات شعبه. على الرغم من أن الرسالة تطرح بأسلوب طقوسي ومنضبط في الأعياد الوطنية. حيث يتلقفها مؤيدوه للطواف على بقاع قاحلة من الدولة. وعلى الرغم من أنَّ حاكماً عربياً لو نظر إلى صورته في المرآة لن يجد غير نظرات مراوغة إلاَّ أنه كان يتجاهل مرايا بحجم الجهل الضارب أطنابه ومرايا بحجم التخلف والفقر. لكن بفضل تصديق الكلام على مستوى الوعي الاعتيادي، يذهب الخطاب إلى مداعبة أحلام البسطاء. ويبلغ سخافته أنه يعيش بهم في أوهام ملئوها أوهام. ومازالت تلك الألاعيب سارية بعد طوفان الربيع العربي.

ونظراً لارتباط وضع الديمقراطية في هذه الحالة بعلاقات خارجية مع هيئات دولية، فإن الرسالة تترك اصداءها بالخارج أيضاً. فإذا كان الحاكم يراود الشعب عن نفسه بغزل حول نظامه السياسي، وإذا كان يرسل برسائل وهم يستقبلونها منتشين، فإنَّه حقاً يلتزم بمبادئ حقوق الإنسان وبمبادئ العدالة. إذن هذه الرسالة تهدف إلى مغازلة المجتمع الدولي. وكما يتوقع سيُقال بأن دولته تستحق جميع الألقاب الشرفية من جهة عضويتها بين دول العالم.

خامساً: الغزل الطريف

هو ما كان يصعد مع رسائل المبايعة من أتباع الحكام العرب وحاشيتهم باسم الشعب المغلوب على أمره. على أساس أنَّهم (أي الحكام) مصدر الخير والحرية والعدالة والنعيم في الدنيا والأخرة. وأنه لولا وجودهم ما كان المجتمع لينعم بالرخاء. وهذه طرفة تاريخية لدرجة السخرية، كررت نفسها من مجتمع عربي لأخر، واستعادت زمن آلهة الأساطير اليوم.

الرسالة تقلب المتعارف عليه في الخطاب السياسي. فالمعروف أن الخطاب يصاغ وفقاً لأليات النظام وقواه. أما أن تتصاعد نغمات التبجيل من أفواه الجماهير. أي باسم الخطاب العام، فهذا معناه طرافة الوضع إلى درجة التنكيت. كأنْ يجري على ألسنة الناس هذا الهتاف" الرئيس يريد تغيير الشعب". هذا بالضبط الوجه المطابق لذلك الغزل. بدلاً من تطوير حالة النظام و بناء الممارسة السياسية يكون الدفع باتجاه اسقاط الشعب. طبعاً تلك الرسالة لا تظهر- كما نراها في مناسبة وغير مناسبة- إلا لضحالة الرأي العام وغياب النقد الاجتماعي والسياسي. وفي هذا السياق الثقافي تظهر نعرات التقديس للشيوخ ورجال الدين والتعصب المقيت للمذاهب والرؤى الحدية دون اختلاف. إنه جزء من الرسالة، ما ينطبق على قداسة الحاكم سينطبق على تأليه الأشخاص باسم التحزب الديني. فالخطابات تتقارب لدرجة التماهي اغترافاً من معين اللغة.

 

سامي عبد العال

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم