صحيفة المثقف

عن عمر الخيام ورباعياته

يسري عبد الغنيقامت شهرة الخيام على الرباعيات وهي تلك المقطوعات الشعرية المقسمة إلى أربعة أبيات ضمنها فلسفته في الوجود والملاحظ في الرباعيات هو اتفاق البيت الأول والثاني والرابع في الروي واستقلال البيت الثالث برويه وهو مايشبه كثيرا الدوبيت الرباعي الفارسي الأصل.

ولئن اختلف نقاد الأدب ودارسو حياة الخيام في صحة نسبة الرباعيات إليه أو بعضها، فمن قائل أنها ليست لعمر الخيام الرياضي، وإنما لشاعر آخر بهذا الاسم، إلى ناقد آخر يزعم أن بعضها تصح نسبتها إليه، وبعضها الآخر مدسوس عليه خصوصا ما تعلق بالإشارة إلى الغيب والقدر والإيمان والبعث، وقد تعمد كثيرون تشويه صورة الخيام غيرة وحسدا فنظموا شعرا ونسبوه إليه حتى تثور عليه العامة وينتهي أمره إلى الحاكم الذي سيأمر بقتله رميا بالزندقة، وفي أدبنا نظير لذلك، فالمعري دس عليه الكثيرون شعرا لم يقله يثور فيه على الأديان بل يسفهها وينتقد الرسل ويشكك في عالم الغيب غير أن المعري برئ من ذلك ومن قائل أن كثيرا من محبي الخيام والمتحمسين له كلما وجدوا شعرا على شاكلة الرباعيات وخفي عليهم قائله نسبوه إليه عن حسن نية.

ولاشك أن استقصاء الأمر صعب وتتبع مسارب التاريخ المظلمة في ظل غياب الوثائق التاريخية التي تنير حلكاته يجعل من الأمر شبه مستحيل !

ولقد رأى نقاد الأدب عندنا وشعراؤنا المحدثون الرأي الأول أي صحة نسبة بعض الرباعيات إلى الخيام وإنكار البعض الآخر وتحمسوا لها تحمسا منقطع النظير، والحق أن الرباعيات تحفة فنية وكنز أدبي حقيق بالخلود وحقيق بالعالمية لأن مضمونها إنساني، على الرغم من تأخر اكتشاف ذلك ولسكوت فيتزجرالد الإنجليزي دالة على الخيام فهو الذي اكتشفها ودرسها وتحمس لها وترجمها إلى الانجليزية فأحدثت دويا كبيرا تجاوز إنجلترا إلى أروبا و أمريكا ، بل أسس فيتزجرالد ناديا في لندن سماه " نادي الخيام " ضم كل محبي الخيام وشعره ، ولم يكتف بذلك بل سافر إلى مسقط رأس الخيام وزار قبره و أحضر معه زهرة من الزهور الجافة من حول القبر وغرسها في ناديه بلندن حتى تنفحهم بأريج الشاعر و أريج رباعياته ، ودعك من الأسطورة التي روج لها الكثيرون من محبي الخيام والتي تزعم أن الخيام تنبأ في حياته بنمو نوع معين من الزهور حول قبره ، وهذا اللون من القصص نعرف المغزى منه، فالشخصية التاريخية يخلق محبوها أساطير حولها حتى يستلوا مشاعر الإعجاب من الناس ويخلقوا هالة من القداسة لأن النفس المحبة تنزع إلى أن تشاركها الأنفس مشاعرها ، غير أن الناقد الحصيف لا يفوته ذلك ،وباكتشاف فيتزجرالد للخيام وترجمته لرباعياته تنبه أدباؤنا ونقادنا إلى قيمة الرباعيات ومضمونها الانساني وغناها الشعوري وقيمها الفنية والجمالية وتحمسوا لنقلها إلى لغة الضاد ومنهم من عربها عن الإنجليزية كمحمد السباعي ومنهم من عربها عن الفارسية كالشاعر المصري أحمد رامي الذي سافر إلى باريس لدراسة اللغة الفارسية عامين منقبا وباحثا في الأدب الفارسي ورباعيات الخيام تحديدا ،وعقب عودته توظف أمينا بدار الكتب المصرية وكان قد تهيأ له زاد أدبي فأسقط كثيرا من الرباعيات وعرب ما وثق أنه تصح نسبته إلى الخيام وقد شاعت هذه الترجمة بعد أن غنت أم كلثوم بعضا منها .

وربما كان في ترجمة رامي بعض التصرف غير أنه سعى جهده حتى لا يتقول على الخيام ما لم يقله أوأن يخرج عن روح الرباعيات ساعيا جهده في ذات الوقت أن تكون الرباعيات في العربية تحفة بيانية و إنسانية وغير السباعي ورامي من الذين ترجموا الرباعيات الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي و أحمد الصافي النجفي وقد عرباها عن الفارسية، ووديع البستاني و الشاعر البحريني إبراهيم العريض وقد عرباها عن الإنجليزية ، وليست هذه هي كل الترجمات إنما المشهور منها وستبقى بسحرها ومضمونها الإنساني وحيرتها الوجودية مصدر إغراء للأدباء العرب على مر الأجيال وكر الدهور بنقلها كرة أخرى إلى العربية إمعانا في الدقة والقرب من روحها وروح مبتكرها .

فرباعيات الخيام إذا ترنيمة حزينة تنعى إلينا زوال الانسان وهيمنة الزمن وقهره للموجودات وانقلاب لحظات المتعة شقوة وانقلاب أيام الانسان مجرد ذكرى شأن الجذوة تشع نارا ونورا ثم تخبو رمادا و الانسان لا حول له و لا قوة أمام هذا القهر الكوني المتجلي في الموت الذي يطال بسيفه الانسان ثمرة الوجود ومكمن العبقرية وسر الحياة ومستودع المشاعر فيغدو ذلك الكائن رهين اللحد والدود والظلام الأبدي كأن لم يكن بالأمس ذلك الشاعر أو العالم أو الحاكم أو الفقيه أو الثري الذي ملأ الأسماع و الأبصار ، وتغدو لحظات صفوه و أنسه مجرد ذكرى ، فما الذي ينقذ الإنسان من هذا المأزق الوجودي ؟ لا شيء غير طلب النشوة التي تهيؤها الخمرة والبهجة التي ينشرها مجلس أنس وذلك عزاؤه وذريعته إلى تناسي فجيعة الموت مادام ليس في الإمكان تفادي قبضته .

 

بقلم: د. يسري عبد الغني      

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم