صحيفة المثقف

الجيتو الإجرامى الصهيونى أمر لاهوتى مقدس

احمد عزت سليمكما أكد أحدُ المفكرين: "إنَّ الدائرة اليهوديَّة السحريَّة هي نِتاج "الجيتو"، ولا يُمْكن الفِكَاك منها "، فقد إعتمدت الصهيونية في تصرفاتها الإجرامية لتصفية الشعب الفلسطينى على كونها جيتو بأمر لاهوتى، لتصبح كافة التصرفات والحوادث والحالات الفردية الصهيونية الإجرامية مقدسة وإلهية وتشكل نظاما لاهوتياً يحكم حركتها وينفى عنها الشك والريبة وتحل الأيديولوجيا فى اللاهوت واللاهوت فى الأيديولوجيا، ويصبح تاريخ اليهود هو تاريخ اليهودية هو تاريخ الأيدلوجيا وهو تاريخ الإله الذى عقد معهم ميثاقاً أبدياً واصطفاهم فيه عن العالمين وأضحى تاريخ الإله هو تاريخ الشعب الذي اختار الإله واحتكر كل منهما الآخر، لا يهم الإله أن يعلو الحاخام ويكيل له اللكمات على ما فعله بالشعب بل يندم الإله من أجلهم ويسير كنار آكلة أمام الشعب، ولا يهم الشعب إذا مال عن الرب إلهه ولم يحفظ ما أوصى به الرب فقد كشف الرب له عن نفسه وخلق العالم من أجله .

هكذا تتأسس الحادثة والسلوك والحالة الفردية والجمعية الإجرامية الصهيونية للجيتو الإلهى الصهيونى إلى ماهية قبلية، من قبل الوعى الإنسانى بكونها صادرة عن الإله لتبرر ما بعد الأمر القطعى / الأمر الإلهى والخلق الإلهى الذى يبدأ بهذه الحادثة اليهودية أو تلك الحالة أو ذلك السلوك اليهودى فلا ينتهى ذلك ولا تنتهى تلك ويصير كل منهما بخصوصيته المتفردة - المزعومة - كائنة مهما كانت طبيعتها ومسارها خلال التاريخ وصولاً إلى نهاية العالم والتاريخ، وجلوسها وحدها على عرش العالم تحكمه وتحكم التاريخ ـ كما تتصور ـ فقد وعدهم الإله بملك عالمى، فكل يهودى أيا كانت الطائفة التى ينتمى إليها ينتظر قيام مملكة إسرائيل الكبرى كتوطئة حتى يأتى موعد امتلاك " أقاصى الأرض" كوعد للإله لكهنته والذين " سيأكلون ثروة الأمم " حيث سيعود المسيح اليهودى المخلص ويحكم العالم ويسود الرخاء، الذى يحققه المسيح اليهودى، فيعود الميثاق الأبدى ويعلو العالم ويعود الهيكل ويقوم ملكوت الرب على الأرض، فى شكل ارتدادى- عبثى - بإعادة طقوس التاريخ المقدسة وشعائره ويملأ الأرض شعب الرب المطيع والمطبق للأحكام الإلهية، المطبق للقانون الإلهى على الأرض، وتكون التوراة خاتمة التاريخ والمسيح اليهودى المخلص قائدها وتندرج مملكة الأنبياء – تحقيقاً لهذا الميثاق وهذا الوعد بأن النبوة خاصة بهم- تحت إمرة المسيح اليهودى المخلص، وتندرج الأمم الباقية الثانوية تحت إمرة هؤلاء الأنبياء المقدسون، هكذا تتحقق سلطة الإله / النص/ الميثاق / الوعد / القانون/ الحاخام/ فيسود الشعب وكما قال مارتن بوبر: أن هناك تطابقا كاملا بين الوحى والعقيدة والتاريخ، فكل بنى إسرائيل أنبياء، والتاريخ يصير وحياً والوحى يصير تاريخاً، والتاريخ يتدخل فيه الرب بشكل مباشر " .

على هذا النحو تصير الحادثة اليهودية كأنها الماهية وكأنها الجوهر وكأنها المادة الأساسية التى تتوالد و تتوالى منها الأحداث على كثرتها وفرديتها لتصبح بذلك الصورة الأولى للإنسان الكامل الذى تمنى موسى أن يصير أفراده كلهم أنبياء، فأصبحوا حملة رغبة الإله وأوامره وصار سلوك هؤلاء الأنبياء مصدرا للسلوك كما أن الإله صار مصدرا للسلوك هو الآخر وقد حل فيهم، ولذا فأقوال علماء التلمود أفضل مما جاء فى شريعة موسى، بل أن الإله يستشير الحاخامات على الأرض عندما توجد مسألة معضلة لا يمكن حلها فى السماء، بل أن الحاخامات المتوفين مكلفون بتعليم المؤمنين فى السماء، ولا يمكن تغيير كلام الحاخامات ولو بأمر الإله وقال الرابى مناحم : أيها اليهود إنكم من بنى البشر لأن أرواحكم مصدرها روح الإله وأما باقى الأمم فليست كذلك لأن أرواحها مصدرها الروح النجسة .

هكذا تصدر الحادثة عن روح الرب ويتأسس العقد الإرادى حول وحدة واحدة هى رابطة لاهوتية تجمع الإله والنص والميثاق والشعب فى قانون ونظام لاهوتى واحد، متساوية فى ترتيباتها ومكانتها وتوزعاتها وتأثيراتها على الأرض زماناً وتاريخاً فاليهودى اليمنى فى العصور البعيدة هو نفسه اليهودى الفلاشا الإثيوبى فى القرن الحادى والعشرين هو ذاته اليهودى الصينى فى القرن الثالث عشر وهم جميعا ذاتهم اليهودى الأمريكى المنحدر من أصل روسى أو بولندى أو ألمانى وكل هؤلاء هم بذاتهم وذواتهم هم اليهودى داخل الكيان العنصرى الصهيونى الإسرائيلى فى فلسطين المغتصبة، وذلك لأن أرواحهم مصدرها روح الإله التى لا تتغير ولا تتبدل، والإله الذى توحد فيهم، فتوحد اليهودى الماقبلى فى اليهودى المابعدى، وتوحدت المثالية فى الوجود، والميتافيزيقا فى الأفراد والجماعات، ليصير اليهودى إلهاً متعالياً فوق سائر المخلوقات التى خلقت جميعاً من أجل خدمته، فهو سابق عليها، له جوهره الأبدى الذى لا يتغير ولا يتبدل، له صورته التى أعطاها له الإله وميزه بها عن سائر الأغيار بالعقل اليهودى الذى هو عقل البشرية لا أولئك الحيوانات القذرة.

هكذا أصبح الوجود أفقياً بالنسبة للاهوت حيث يتموضع الإله والشعب والميثاق والنص فى وضع أفقى وقد توحدوا معاً فيه، والوجود بالنسبة للعالم هرمى يحتل قمته الإله/ النص/ الميثاق/ الشعب وفى الأسفل عالم الأغيار، ويصير هذا التموضع اللاهوتى معبراً عن العظمة التى تجلى فيها البشر/ الشعب اليهودى وهو قابع مع الإله فى قمة الهرم وقد أصبح ذاكرة البشر الغائرة والكائن الكلى الواجب الوجود من أجل الوجود ذاته الذى خلقه الإله له، ومن ثم يتخطى حدود التطورات البشرية التى شهدتها الإنسانية وقوانينها التطورية، إن لم تكن كينونته هى التى تجرى بها هذه التطورات وتدفعها إلى التطور، ومهما أفقدت تلك التطورات الميتافيزيقا الكثير من عناصرها وعزلتها بقوة العلم والتقدم التكنولوجى، لكنه مع اليهودى يبقى لا معنى للوجود إلا به، وتصير عناصره منهجا فى معرفة ورؤية الآخر وتفسير تصرفاته وتطوراته فى مقابل الثبات العنصرى اليهودى الذى يفسر هو الآخر التصرفات المقدسة الخاصة بما يسمى الشعب اليهودى، المزعوم .

وهى بذلك تنفى القوانين العامة التى تحكم البشرية جمعاء وما توصلت إليه البشرية من منهجية علمية أسس عناصرها جهود البشر أجمعين طوال تاريخهم الفكرى والبحثى الطويل، ورغم ما توصلت إليه البشرية كافة من حتمية ترابط الظواهر الشامل فى كافة مستوياتها البنيوية بدءا من الجسيمات الأولية وانتهاء بالمجرات الكونية، وما لكل ذلك من باطن وظاهر، مع التطور التاريخى من زمن إلى زمن تاريخى ناتج بالضرورة عن الظروف الموضوعية للحظة التاريخية السابقة عليه، وهكذا العالم الموضوعى الذى يقوم على أن كافة أشياء العالم الموضوعى وظواهره مترابطة ومتغيرة أبداً فى ضوء هذا الواقع الموضوعى، لكن اللحظة اليهودية حولت العالم الموضوعى إلى عالم لاهوتى تملأه الأيدلوجيا العنصرية وقد وحدت فيه بين المتناقضات الداخلية، فاللحظة اليهودية كما تصورها المزاعم والأوهام والخرافات مستقلة بذاتها، انخلقت بمفردها، دامت وصارت بذاتها ولذاتها وأضحى لها قانونها المميز المتحد بإرادة الرب الذى حل فيها هو أيضاً وتوحد معها، نافية بذلك ما فى العالم الموضوعى من تمايز وتصادم وتناحر وأن الأشياء كلها تتغير وتتطور باستمرار فيظهر فيها الجديد الذى بدوره يقدم عناصر داخلية وخارجية تحوى معالم التناقض والتى بدورها تتطور نحو جديد قادم كامن، فيه أيضاً مصادر تناقضات جديدة، لكن اللحظة اليهودية وهى فى نفيها للعالم الموضوعى مدعية انغلاقها بمفردها المرسوم بالأمر الإلهى تضع اليهودى على رأس هذا الأمر الإلهى، فيصبح بناء على ذلك فوق البشر بتفرده وعنصريته وكأنه قد انعزل فى جيتو لاهوتى عن الوجود فى ثبات أزلى ومستقراً على ذاتيته العنصرية، بل هو فى عزلته هذه يحرك ويسيطر على ذلك الوجود المنعزل عنه كما يشاء هؤلاء البشر الآلهة بلحظتهم اليهودية المزعومة .

 

بقلم: أحمد عزت سليم

عضو إتحاد كتاب مصر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم