صحيفة المثقف

بنية الجاذبية في تشكيل منظور جديد

طالب عمران المعمورياقتراب نصي لـ(متاحف الطفولة) للشاعر ناصر ابو الورد

في البدء أحاول أن أقترب سياقياً محاولا فهم النص ونسقيا من خلال تحليل بنية النص وتشريحه ومعرفة دلالاته وابعاده الجمالية1

اختيار الشاعر تلك العنونة (متاحف الطفولة) محاولا تحديد البؤرة النصية2 ملمحا ومكثفا لبراءة الطفولة والدعوة في رؤية نور الطفل البريء الذي بدواخلنا، البراءة التي لا تعرف الحقد ولا الحسد وهي رمز الصدق والعفوية.

يحاول الشاعر أن يروي لنا قصة حلم وقصيدة أمل بأسلوب شعري، نثري، سردي وبحكائيه وبألفاظ شفيفة يجعلنا نعيش في أنفاس عذبة وأريج عبق، استشف من حلو كلماته وعذوبتها تعبيرا عن روحه النبيلة الصافية الشاعر ابو الورد شاعرا صافي القلب طفولي الفطرة، عبر عن احساسه الرائع واقترابه من عالم الطفولة، احسن الشاعر في اختيار هذه العنونة التي تمتعت بلغتها الانزياحية الشاعرية بثنائية ومفارقة لفظية (متاحف / الطفولة)

استهل قصيدته بجملة شعرية (أطروا نوافذهم بالسنديان) ترجم لنا معنى البراءة، صور لنا بمخيلة عالم مخملي باذخ يذيب القلب أطره بأكاليل وياسمين .

استطاع الشاعر بلغته الشعرية انزياحا عن المعيار الذي منح النص بنية الجاذبية في تشكيل منظور ورؤيا جديدة كما في نصه: 

على بعد حكايةٍ يزرعون لهم جدةً

كي يقطفوا(كان يا ما كان) طازجة

على بعد شرفةٍ تنتظرُهم معشوقةٌ بعمرِ فراشةٍ

على أبواب أعمارِهم تتكسرُ الفواجعُ

احتمل النص في بنيته جذب يرغمنا على ملء الفراغ والفجوة الناتجة عن القراءة بأسلوب انزياحي يحمل قيمة جمالية :

على بعد حكاية/ يزرعون / جدة

يقطفوا/ (كان يا ماكان) / طازجة

على بعد شرفة/ تنتظرهم معشوقة/ بعمر فراشة

على أبواب أعمارهم / تتكسر الفواجع

يحاول الشاعر اثبات وجوده وذاته الشعرية الفذة بأن يخلق لنا عالما من العدم من خلال مفرداته الساحرة المتعددة الدلالات باستعارة والكناية التي هي بحد ذاتها لغة خرق(شعرية)، عكس اللغة النثرية العادية ومخالفة لها ابدع الشاعر في الجوانب الفنية والجمالية التي تكمن في خلق الصور والأخيلة والفكرة وما شابه ذلك من الرؤى من خلالا التشكيل اللغوي، ارى انه قد اضفى لنصه بعدا تجديدياً التي تخللت نصه طاقة تعبيرية مارسها الشاعر لشد انتباه القارئ ويجعله على انسجام وتوافق مع النص الشعري ويبعده عن الرتابة والملل تجلى في:

أيامُهم سربُ أوزٍ مهاجر

غايتُهم أن يبصروا الأقفاصَ فارغةً

غايتُهم أن يبصروا بنادقَ الصيدِ تحتضر

أظهر الشاعر امكاناته الشعرية من خلال شعرية الرؤيا وشعرية اللغة والتي تضمنت شعرية الرمز وبعض التناص والتنويع الداخلي من حيث الايقاع الشعري التي شكلت نسيجا دلاليا لقصيدته والذي ضمن وحدتها وتماسكها

ففي نصه:

بسطاءٌ كسائرِ النمل

حمّلَهم الشتاءُ ما لا طاقةً لهم عليه

بسطاءٌ منذ الصغر

يصلحون الأحذيةَ المعطوبة

تدين ُ لهم الشوارعُ بالهذيان

لهم في كل بقعةٍ مظلمةٍ سفارةٌ مضيئةٌ

لهم طقوسٌ تجعلُ من الجنرالاتِ ربّاتِ منازل

اختصروا العالمَ بطوقٍ من الياسمين

اختصروا أنفسَهم بمرآةٍ تجلسُ أمامَها الحمائم

اختصروا الصديقَ ..بمدينةِ الالعاب

فراشاتُ نبوءةٍ بيضاء

كم سعلوا من البرد

كم ادخروا من السلام

وقفوا على بابِ القابلة

ليقطعوا رأسَ الحرب… قبل الولادة

من خلال توظيف ثنائية التضاد بين عالم الطفولة المضيء والبريء و عالم الظلمانية بتعبير رمزي مبتعدا عن الاشارات المباشرة او اسلوب الشعارات الخطابية اضفى على نصوصه ايقاعا داخليا ضمن الآليات التي اشتغل عليها في توليد ذلك الايقاع هو اسلوب التكرار3 في الكلمة يكاد يكون في معظم قصيدته كما في، على بعد حكاية/ على بعد شرفة، غايتهم أن يبصروا الأقفاصَ فارغةً/ غايتهم ان يبصروا بنادقَ الصيدِ تحتضر، بسطاءٌ كسائرِ النمل/ بسطاءٌ منذ الصغر، لهم في كل بقعةٍ/ لهم طقوسٌ، اختصروا العالمَ/ اختصروا أنفسَهم/ اختصروا الصديقَ، كم سعلوا/ كم ادخروا، لهم في كل بقعةٍ / لهم طقوسٌ، اختصروا العالمَ / اختصروا أنفسَهم /اختصروا الصديقَ، رائحتُهم الطيبة تجاوزت السماءَ السابعة/ رائحتُهم الطيبة فتحت أبوابَ رياضِ الاطفال .

وهكذا أظهر الشاعر براعته في توظيف طاقاته اللغوية وامكانات التعبير ذات صلة بفكر الشاعر ووجدانه و رويته الشعرية .

متاحف الطفولة

أطروا نوافذهم بالسنديان

ركلوا البحر

ولد السندبادُ بفمِه جوازٌ دولي

على بعد حكايةٍ يزرعون لهم جدةً

كي يقطفوا(كان يا ما كان) طازجة

على بعد شرفةٍ تنتظرُهم معشوقةٌ بعمرِ فراشةٍ

على أبواب أعمارِهم تتكسرُ الفواجعُ

أيامُهم سربُ أوزٍ مهاجر

غايتُهم أن يبصروا الأقفاصَ فارغةً

غايتُهم أن يبصروا بنادقَ الصيدِ تحتضر

بسطاءٌ كسائرِ النمل

حمّلَهم الشتاءُ ما لا طاقةً لهم عليه

بسطاءٌ منذ الصغر

يصلحون الأحذيةَ المعطوبة

تدين ُ لهم الشوارعُ بالهذيان

لهم في كل بقعةٍ مظلمةٍ سفارةٌ مضيئةٌ

لهم طقوسٌ تجعلُ من الجنرالاتِ ربّاتِ منازل

اختصروا العالمَ بطوقٍ من الياسمين

اختصروا أنفسَهم بمرآةٍ تجلسُ أمامَها الحمائم

اختصروا الصديقَ ..بمدينةِ الالعاب

فراشاتُ نبوءةٍ بيضاء

كم سعلوا من البرد

كم ادخروا من السلام

وقفوا على بابِ القابلة

ليقطعوا رأسَ الحرب… قبل الولادة

الكلُ ينتظرُ منهم بشارةً لا يزفُّها إلا نبي

على أوتارِ عودهم

أخضرَّ النعناع

مكتوبٌ على سيماهم

لابدَّ للغدِ أن يكونَ سعيدًا

عند نافذتِهم

تسترخي كلُّ النوافذُ

على سواحلَ شطآنهم

تعقدُ النوارسُ اتفاقيةَ العودة

اشتروا أطنانًا من السكر.. ليغيروا طعمَ الرحيل

رائحتُهم الطيبة

تجاوزت السماءَ السابعة

رائحتُهم الطيبة

فتحت أبوابَ رياضِ الاطفال

أبدلت أقلامَ الرصاصِ

بقضبانٍ من الحلوى

كم يعشق ُ الاطفالُ ..أصابع العروس

عندهم كرةٌ أرضيةٌ بحجمِ كرةِ الطاولة

يغسلونَها بماءِ الورد

زرعوا قلوبَهم عند مفترقِ الطرق

عالمُهم تحسدُه العوالمُ الاخرى

أحمرُ الخدود

ناعمُ الملمس …حريريُّ الكلام

منه تستوردُ بضائعُ السعادة

مقابرُهم تحفةٌ نادرة

تذكرُ من زارها ..بأزليةِ الضفاف

هنا يرقدُ قيسُ بن الملوح

هناك قبرُ روميو

سعداءٌ ينسون الغرامَ تحت الأرض

تنمو قبلُهم أقحوانا

زهورٌ بريةٌ على مدِّ البصر

عالمٌ أعنفُه أن تقولَ لمن تحبُ

خذها مني قبلةً حارةً

عالمٌ يكرم (رعد عبد القادر) بلبلاً ذهبياً

عالمٌ يقدسُ الوقوفَ على قبرِ رامبو

عالمٌ لا نجدُه ألا في متاحفَ الطفولة

***

بقلم طالب عمران المعموري

.......................

المصادر

1- الشعرية عند أدونيس بين المفهوم والتجريب/ سعد بكير، رسالة دكتوراه، الجزائر، جامعة السانيا، كلية الآداب، اللغة العربية، 2013 .

2- التجديد في الشعر العراقي، سعد الساعدي، ط1، دار المتن، بغداد، 20202.

3- الخصائص الاسلوبية (رسالة ماجستير)، فوزية بنت محمد بت ابراهيم، كلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية / المملكة العربية السعودية.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم