صحيفة المثقف

رواية (الذئاب على الابواب) للروائي احمد خلف

جمال العتابيوضوح الرؤية والموقف في فيض من المستويات السردية

تتمثل عقدة رواية (الذئاب على الأبواب) للروائي والقاص العراقي أحمد خلف، التي صدرت في عام 2019،  ببطلها يوسف النجار، لقد وضع أحمد شخصيته الرئيسة في أتون الأزمة، في قلب المحنة، في اللحظة الحاسمة من تاريخ المأساة، إن مجتمعاً يقوم على القمع بأشكاله المختلفة، المجتمع المقهور من الداخل والخارج، يدرك فيه الإنسان مقدار الإستلاب والإحباط الذي يحيق به، إذ يحيله إلى كائن عاجز غير قادر على كسر قيوده المكبلة لحريته، هذا الواقع يسرق أحلام المرء حتى لوكانت وسيلة للمقاومة، إن درجة الحس المأساوي التي تعصف بأحمد خلف، جعلت منه صوتاً خاصاً، يختلط فيه الألم بالأمل، الشعور الحاد بالمسؤولية، والعجز عن القيام بها، الإلتصاق بالأرض والكفر بها، الإيمان بالمجتمع والإغتراب عنه، من هنا يتابع أحمد خلف خطه الذي إنتهجه بصلابة وقوة ودون مهادنة.

الروائي أحمد خلف لا يعتمد تسلسلاً تاريخياً في الكتابة، فتلك ليست مهمته، لكنه يعتمد الأحداث في عهدين مختلفين لكن متصلين، مادة لبناء معماره الفني الروائي، وهذا ما يقتضي أن يكون قد عاش حرارة أحداث العهدين، وبأسى عميق، هذا ما آل اليه حال العراق من ألم وحزن معمق، وفجيعة أشاعت الخراب وراكمته في زمن الديكتاتورية والقمع والإستبداد، وما تركه الإحتلال وحكم الطوائف من فساد وخراب أبشع.

إن شخصية يوسف النجار بطل الرواية، تمثل نتاجاً طبيعياً لهذا الواقع، في مراحل القهر والفقر والظلم، وبعد أن فقد زوجته وابنته في حادث تفجير إرهابي لمنزله، وفي واقع الحال، فأن يوسف يستسلم للواقع والقبول به، وهو يعاني من وجع لا يمكن البوح به أو الإعلان عن رفضه إلا سراً، لكنه سيطر على سلوكه ونمط تفكيره، وقاده إلى مزيد من الأوهام والخيالات، ليتحول هذا السلوك إلى حالة مرضية نفسية، يمكن وصفها بالبارانويا، وهي إضطراب عقلي، يعرف بجنون الإرتياب، أو هي نمط تفكير ينجم عنه الشعور غير المنطقي بفقد الثقة بالناس، والريبة منهم، والإعتقاد بوجود تهديد ما، والإحساس بوجود عيون ترصد وتراقب، تحاول الحاق الأذى فيك، سواء كان ذلك بوجود دليل، من عدمه.

تشارك رواية الذئاب على الأبواب روايات الكاتب فرانس كافكا، في التعبير عن إنسحاق الإنسان، وعدم تمكنه من التمرد، أو التخلص من الكواببس التي تحوله كائن مسخ، على الرغم من ان الروائي حاول ان يعطي بطله شحنة ثورية تسترد توازنه وتخفف من قلقه، في لحظة إختيار للمواجهة، مع خصم مبهم يكون على مرمى من فوهة مسدسه الذي إشتراه لتحقيق تلك الغايات.

إستطاع أحمد خلف أن يكشف لنا معنى أعمق من خلال فيض المستويات السردية للواقع، ورؤية الواقع هذه هي بممضمونها رؤية في أسباب الخراب ودوافعه، فالبناء قائم على ضمير المتكلم، مع ساردين آخرين متداخلين، بلغة يختلط فيها المحسوس بالمرئي، الداخلي بالخارجي، في تآلف وإنسجام، لغة أتقنها الكاتب، وتألق في إستخدامها وتوظيفها فنياً بما تواكب حركة الأحداث، ويعمق أثرها لدى المتلقي. هكذا ينقل لنا أحمد نمطاً جديداً من شخصياته، تنوء بثقلها في حياة المجتمع العراقي، وباتت واحدة من أبرز صفاته السلوكية العامة، وإذ يتحرك السرد في عدة إتجاهات فانه ينسج الشاشة التي ترتسم عليه الدلالات والرموز، وعلاقاتها بالزمن والوجود، والحياة، فكأنه بذلك يرسم درب الخلاص من أزمات الوطن الكارثية.

يفسح الروائي مجالاً بإتجاه الماضي، لا من أجل الماضي نفسه، بل ليكون رؤية للحاضر، إذ يلتقي يوسف النجار بمصادفة عابرة، بزميلة الدراسة الجامعية (الأربعينية عبير)، وتتجدد العلاقة، بنمط عاطفي، يحاول النجار من خلالها ان يعوض خساراته، إلا انه بمثابة هروب إلى اللاشيء، وما كانت عبير قادرة ان ترمم حياة النجار، وهي الأولى بالحاجة إلى هذا الترميم العاطفي والنفسي، الإثنان عاجزان عن التعامل مع الأشياء، فيتراجعان كل منهما الى دواخله هرباً من العنف، والفوضى، ومن اللامعقول الذي يحيط بهما، حائران ومتناقضان غاية ومعنى، إنه العبث والضياع، وسؤال يرتسم عن معنى المأزق القابع في قاع هذه الرواية، وربما يعود ذلك الى الطبيعة التي درجت عليه الكتابة الروائية عند أحمد خلف، ولاسيما في تناوله الواقع العراقي في أحداثه المتشابكة والمعقدة. وحين يجد شرط ومعنى الكتابة متيسرين لديه. وأهم ما يستوقف المتابع لكتابات أحمد خلف هو الصلابة والوضوح في الرؤية والموقف، والنظرة المنحازة بثبات وإستقامة، لعالم يشتد فيه الصراع من أجل الإنتماء والهوية، أو موقف البطل في التعبير عنها.

في الرواية جمالية إستثنائية غير الشكل، وان كان شرطاً مهماً في الكتابة كأسلوب، أو كتقنيات أسلوبية سردية، بل هي جمالية دلالة تحاولها الكتابة، وتتوخى توظيفها في محاربة اللاجمالي في الواقع والتاريخ، انها مواجهة الكتابة ضد العنف واللاعدالة.

 

جمال العتّابي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم