صحيفة المثقف

مقترح دراسة علمية لمشروع جامعي جديد

عبد الجبار العبيديمن الجامعات خرج التقدم.. وظهر الفكرغير المقيد.. وحل العقل المتطلع والمتعطش الى المعرفة على اساس من البحث العلمي والتجربة التي هي اساس كل كشف جديد.. وعلى اساس من التفكير العلمي تحسن النظام الاجتماعي الذي قام على اسس العلم الطبيعي حين اعتبره العلماء هو قاعدة العلوم .

من هنا ظهرت النظرية القائمة على التجربة العلمية التي تقول: ان كل معرفة لا تقوم على تجربة علمية فعلية لا قيمة لها في ميدان التقدم العلمي المعروف.. وبذلك ألغيت التكهنات الغيبية لدراسة العلوم التي اعتمدها رجال الكنيسة في العصور الوسطى الاوربية.. حتى ظهرت فكرة تصنيف العلوم القائم على فكرة تحليل المواهب الذهنية والفوائد التي يجنيها الانسان من علوم الطبيعة القائم على التجربة والبرهان وليس الحدس والتخمين .ونتيجة لذلك ان تغيرت كل التفاصيل.. فكيف نحن اليوم وقد أستبدل التعليم الرسمي الرصين بالتعليم الأهلي بلا قيود..

يهدف المشروع الى أنشاء موسوعة علمية تكون بمثابة قاموس علمي جديد قائم على ترتيب عقلي للعلوم والاداب والحرف وعلى أساس الفكر غير المقيد بالأفكار الميثيولوجية، وتحديد لفظة العلم في المنهج الدراسي الجديد تحديدا منطقياً يعتمد على التجربة والبرهان، وعلى رأس كل فرع من هذه الفروع مجموعة من الاكاديميين المتخصصين الذي يؤمنون بالفكر والحرية والتقدم، وليس في رؤوسهم الماضي القديم، شرط ان لا تتدخل العناصر الحكومية المتزمتة دينياً في تكوينه لحين الانتهاء منه ثم مناقشته بالطريقة العلمية المعتمدة.. في ترتيب العلوم .

اذا ما اتيحت لهذه المجموعة العلمية ان تعمل بحرية تامة، اعتقد ستأتي بشيء جديد في كل فرع من فروع العلوم والاداب والحرف . وتقتصر اهمية هذه الموسوعة على تغيير المفاهيم المتوارثة في اكثرمن ميدان من ميادين المعرفة العلمية.لان المشرفين على تحريرها وكل الذين سيكتبون موادها يجب ان يكونوا من المتفائلين في صنع رؤية جديدة لمستقبل الانسان العراقي قائمة على العقل والعلم والحرية. لذا يجب ان تكون المؤسسات الدينية القائمة على التكهنات الغيبية بعيدة عنه، لان الاقلام التي ستساهم في كتابته تقوم على الفكر الحرالواعي للحركة العلمية المجردة من التأثيرات الميثيولوجية الغيبية والفكر الارسطوطاليسي الذي يعتمد المنطق الفلسفي المطلق في الوصول الى حقائق الاشياء - نظرية قديمة انتهى زمانها-.. حتى لا يقال ان من ساهم بكتابتها هم من الملحدين او اللادينيين او المتطرفين في النظرة العلمية.

ان الوعي العلمي الصادر من الجامعات ومناهجها المتحررة من الميثيولوجيا هي التي كونت فكرة التقدم ودواعيه تمهيدا لربطه بحياة المجتمع، لان التمسك بمشاريع موروثة وان كانت بطريقة قانونية واجتماعية تعيق المجتمع من التقدم والوقوف بوجه الطامحين نحو الحقوق، والقوانين التي تخدم طبقة معينة دون غيرها من طبقات المجتمع هنا اعاقة التقدم.. وعلى مؤسسات الحقوق الجامعية ان تطرح قوانين عادلة وتطبيقها على ايدي أساتذة يملكون حرية النظر في القضايا المهمة واصدار الحكم عليها.

من هنا لابد من زوال امتيازات الطبقة المتعارضة للتقدم العلمي التي منحت لنفسها قوة القانون حتى تصورت انها اصبحت فوق القانون كما في بعض الجامعات الاهلية التي تأسست على غير هدى من القانون والعلم التجريبي.. وبالتالي يتكون لنا رأي عام يستطيع ان يرد السلطة عن هواها لتأمين حقوق الناس.. وعلى هذا الاساس من الوعي الخلقي تنشأ القوانين الجديدة.. وبمرور الزمن يبدأ الفكروالتفكير الواعي بالتحسن والتقدم حتى يصبح عقيدة.

بلا شك سوف يُراعى في النظرية الجديدة العقل المؤمن بالله والقائم على التفسير العلمي للنص الديني دون دخل لنظريات فقهاء القرون الهجرية الأولى المتزمتة فيها من اصحاب المذاهب الدينية المخترعة.. الذين فسروا النص الديني تفسيرا خاطئا وفق نظرية الترادف اللغوي القائم على ادراك المشخص ولم تكن فيها التسميات الحسية قد استكملت بعد تركيزها في تجريدات.لذا سيكون ايمان اصحاب النظرية الجديدة بالمخلوق سبيلا الى ايمانهم بالخالق، وبذلك يكون المحور الاساس في كتابته صادرا من العقل لا من القلب اي بعيدا عن العاطفة الدينية.. وهذا تفسير حديث في الفكر له قدره واهميته.

نحن نعتقد اذا ما نفذت مثل هذه التوجهات في الموسوعة العلمية الجديدة سوف نحرك عجلة التاريخ العراقي نحو الطريق السليم بعد هذا التعثر والركود الذي اصاب الحركة العلمية والمنهج المدرسي في التعليم.. نتيجة ممارسات الأنظمة الفردية والدينية المتزمتة خطأ نظرية ترتيب العلوم والمناهج الدراسية التي حولوها الى روزخونيات ملائية جامدة وأرفقوا معها نظريات الوهم.. حين أكثروا من مناهج الدين الولائية الوهمية. ليقوم المنهج الدراسي على قاعدتين هما: الفكر العلمي.. واستقرار فكرة التقدم في الأذهان.. ان هذه الموسوعة يجب ان تبنى على:

- في مجال الحقوق العامة، تبنى الدراسة على تحديد سلطات الدولة عن حقوق الناس، وبهذا لم يعد يحكم في الدولة الا الدستور والقانون لتحديد شكل الحقوق المدنية لعامة الناس.. بعدها سنرى كيف ان المجتمع المبتلى بالوهميات الدينية والخارجين على القانون يتغير نحوالتغيير الشامل للحياة المجتمعية المتجردة من العقليات الانانية والمتمسكة زورا بالأحساب والأنساب والمذاهب الأحادية الجامدة والانصراف الى مصالحها الخاصة لتدوم معها السلطة دون الاخرين .

- نريد من المشروع ان تعتمده الجامعات منهجا متقدما يهدف الى جملةحقائق منها:

- أظهارفكرة التقدم وترسيخها في الأذان بأعتبارها حقيقة ثابتة تمهد

لحركة التطور الاجتماعي.. وضع القوانين التي تخدم اطلاق الحرية الكاملة لحركة الاقتصاد والتجارة الداخلية اولاً سواءً في الزراعة او الصناعة أو انشاء البنوك او الشركات الكبرى الربحية دون تدخل معين في التوجه والتوجيه. وبذلك يكسب الاثنان هنا حرية الحركة والعمل والقول دون معارضة حكومية مقصودة .لنبتعد عن الاساطير التي تقول:

ان دوافع التقدم هي في اراء الفقهاء واصحاب النص الديني الذين لا يؤمنون بالصيرورة التاريخية في التغيير. أفكار عقيمة جرداء لا يمكن ان ينبت فيها شيئاً. والتي ثبت بأنتهائها في العصور الوسطى تحولت اوربا الى النهضة الاوربية والتقدم العلمي الشامل.

 

- النظر في تكوين القوانين التي تعيد بناء النظام السياسي المقيد بسلطات الشعب وهو الدستور الذي يتوائم وروح العصر بعيدا عن الطائفية والعنصرية والفرز الديني الغير مرتبط بالشريعة .كما في المادة "2" أولاً من الدستور العراقي التي تنص على:"ان الاسلام دين الدولة الرسمي وهومصدر اساس التشريع ولا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادىء احكام الاسلام.هنا المشكلة.. المشكلة لا يمكن ان تتقدم دولة ضمن هذا الفرض الديني المقيد لحركة التطور. .وخاصة حين يعتمد التفسير النصي المذهبي الجامد القديم.

- هذه العملية ستجعل من عامة الناس ايمانهم بالقانون، ايماناً تلقائياً دون معارضة، واحترام الدستور طواعية، وبذلك سوف يسود الامن على النفس والمال وضمان حرية القول والفكر د ون تدخل.. لا ان يقتل العلماء والمفكرين دون تحقيق قانوني .وبذلك ننهي عسكرة المجتمع لصالح النفعيين الجهلة الذين لا يؤمنون بحركة التاريخ المتطورة.. ونقتصد في الأموال المهدورة لهم بدون وجه حق لصالح الرفاهية والانجاز المجتمعي.

- هنا تصبح نهضة الفكر العلمي هي القوة التي تحرك الناس نحو الامام بعد الغاء حركة التاريخ المغلقة المرتبطة بالتراث التقليدي المتمثل بغياب الوعي المجتمعي، وبعد ان تعكف المجموعة الى دراسة تجارب الامم والاخرين ماخوذة من التاريخ والحضارة.من هنا سيهدف المشروع العلمي الكبير الى انشاء فكر جديد واسع المدى ينحصر في نتائج محددة هي:

1- ان كل شيء في هذا الكون قائم على قوانين محددة لاتخضع للحدس والتخمين والوهم والتقليد.. بل للتطور والتغيير حتى تصبح النظريات الغيبية ليس لها فيه من نصيب.

2- استخدام النظرية الجدلية والشك في القوانين المتعارف عليها دون تدخل الا من وجهة نظر علمية بحتة للوصول الى الهدف العلمي المطلوب.. وابعاد نظرية الظن في التنفيذ.

3- وضع الثقفة الكاملة بالنظريات العلمية لنعطى المكانة الاولى لذوي الاختصاص من العلماء والاكاديميين الذين سيشتركون في العملية العلمية الكبرى في التطوير والتنفيذ.. دون النظر الى المعتقد والطائفة والجنس، بذلك يصبح شاغل المركز مؤهلا للنجاح في التنفيذ.

لا يسعنا هنا في هذه العجالة ان نعرض كل الاراء الجديدة التي نريد لها ان تكون واقعا على الارض، لانها في حقيقتها ثورة علمية واسعة سوف تخرجنا من الطريق المسدود الذي به نحن واقعون اليوم.شرط ان تضمن السلطة الوطنية -ان وجدت.. ضمان الامن والسلامة لمبتكريها وعدم التدخل فيما يقترحون الا بما يتعارض مع الدستور والقانون وحقوق الناس في التطبيق، لُتخرج عملا يضع الجامعة في ركب الجامعات المتقدمة..

ومن الله التوفيق.

 

د. عبد الجبار العبيدي

..................

* لكل من لديه وجهة نظر اخرى حق المشاركة فيما يقترح.. والمشروع عام وليس خاصا.. أنه مشروع الجامعة العراقية .

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم