صحيفة المثقف

الابتزاز العاطفي.. جريمة مع سبق الاصرار

"لن يستطيع الابتزاز العاطفي ان يضرب جذوره بالارض مالم نمد له يد العون".. سوزان فورورد

يعرف الابتزاز العاطفي على انه نوع من انواع العنف العاطفي وهو احد الاشكال الفعالة للتلاعب والذي يمتهن التهديد فيه اشخاص مقربون، وعادة مايكون بين طرفين (اباء وابناء، ازواج وزوجات، اشقاء، اصدقاء).

ولابد ان يكون هناك طرفان الاول مبتز ويمتاز بالنرجسية وحب الذات الى ابعد الحدود وقد يصاحب ذلك نوعا من السادية التي تسهل عملية الابتزاز، في حين يمتازالطرف الثاني (الضحية) بالعاطفة والطيبة المفرطة مع سهولة الشعوربالذنب، وهذا مرض نفسي اخر!، لان استفحال المبتز بسبب ضعف الضحية وتنازلها المستمر تلبية لهذه العاطفة المرضية التي ادت الى شعورها الدائم بالذنب بسبب اودون سبب، وذلك يرجع الى التربية الخاطئة التي تربت عليها الضحية بطفولتها بسبب اشعارها الدائم بالذنب وتحميلها عواقب الامور من قبل الاهل مما ادى الى تفاقم الحالة واعتبارها سلوكا اعتياديا اعتادت عليه هذه الشخصية مع علمها انها حالة مرضية!

واذا وقعت الضحية بهذا الشرك فانه يصبح من السهل السيطرة عليها والتحكم بها باي اسلوب سواء اكان ذلك بالترغيب او بالترهيب!

ومن البديهي في اي حالة من حالات الابتزاز فان المبتز يمتلك سلاحا معينا يبتز به ضحيته، وفي حالة الابتزاز العاطفي فان المبتز يمتلك معلوماته الدقيقة التي جمعها عن ضحيته نتيجة قربه منه وصلة قرابته التي زودته بنقاط الضعف التي ستكون المفتاح السحري للدخول!

هل انت ممن يعانون من عاطفة مفرطة؟

هل ورثت هذه العاطفة التي تسميها انت عاطفة في حين انها مرضا نفسيا يستحق العلاج؟

هل عانيت من فرط الاهتمام من قبل الوالدين اواحدهما فانعكس عليك سلبا؟

هل عانيت من فرط الاهمال الذي ترك عندك شعورا بالنقص؟

كم مرة تعرضت فيها للابتزاز العاطفي في طفولتك؟

كم مرة ارغمت على التخلي عن مقتنياتك الثمينة في طفولتك او مراهقتك مقابل عدم افشاء اسرارك؟

كم مرة استولى فيها صديقك على مصروفك اليومي لسبب اولاخر؟

هل كافأت ابنك على طعامه فان اكل كافأته وان شرب وان نام وان درس ووووو، حتى اضطررت ان تدفع له مقابل كل فعل يومي!

كم مرة تعرضت للمقايضة داخل الاسرة اما ..او!

كم مرة استسلمت واذعنت للتخلى عن رايك مقابل ضغط ما او لارضاء من تحب؟

هل مسخت دورك كإنسان لارضاء الاخرمهما كان هذا الاخر؟

هل يحق لاي مخلوق ان يصادر حياتك بكل وقاحة؟

ان الاساليب والوسائل التي يلجأاليها المبتز تبرر غايته بالابتزاز لكي يستطيع ان يحصل على مايريد، ومن الجدير بالذكر ان المبتز الذي غالبا مايكون فردا من افراد العائلة لابد ان يكون مريضا نفسيا بامتياز، وهذا المرض او بالاحرى الانحراف السلوكي هو الذي يعطيه ديمومته، لان المبتز لايكتفي ولن يكتفي بصفقة او اثنتين حصل عليهما بالتحايل على والديه ان كان ابنا اوزوجا او زوجة او اخا اوصديقا مادام هذا الباب اصبح كمغارة علي بابا يحصل منه على مايريد بدون تعب!

وعلى مر السنين لابد اننا تعرضنا لشتى انواع الابتزاز العاطفي منها العاطفي (استثارة العواطف) وهو الاسلوب المتبع لانتزاع مايمكن انتزاعه بالضغط النفسي على الضحية، والمبتز هنا يستغل كل مايمكن استغلاله حتى حب و تعلق الاخرين به، فالزوج يهدد زوجته بانه سيتركها اذا لم تفعل مايريد كترك العمل مثلا وبانه سيحرمها من اطفالها، والزوجة كذلك ستفعل نفس الشئ وتترك البيت ان لم ينفذ مطالبها، والابن سيقطع علاقته بوالديه ان لم يشتروا له مايريد ومايريد قد يكون اكثر من قوة استيعابهم بكثير فهو الان بات يهدد بالانتحار لكي يشعرهم بالذنب، فهم في هذه الحالة مرغمين على التنفيذ .

ومنها المادي عن طريق الاستيلاء المباشرباستخدام الوقاحة والضغط للاستحواذ واغتصاب الاشياء.

ان المبتز انسان معاقِب ويتخذ العقاب بشتى انواعه سلاحا له كما ويلجأ الى عدة اساليب تمكنه من احكام سيطرته على الضحية نذكرمنها على سبيل المثال:

العقاب الذاتي:وهو التهديد بالحاق الاذى بنفسه كأن يقوم بالتهديد بقطع شرايينه وقد يقطعها فعلا اذا مااظطر لذلك خصوصا اذاكان شخصا ساديا وماسوشيا في ذات الوقت تتساوى عنده السلوكيات المنحرفة المتضادة، وقد يقوم بجرح نفسه امام ناظري والديه لاشعارهم بالذنب والالم، وقد يصل الامر الى الانتحار وهذا يحدث كثيرا ونسمع به، كذلك ينطبق الحال بالنسبة للمتزوجين، او الاخوة.

- عقاب الاخرين والاخرين هنا هم المقربون اوالاهل الذين اتخذهم مادته الدسمة للاستيلاء والابتزازكافرا بكل القيم، فهو يبدأ باسهل الطرق وهي "المسكنة" فان ادت الغرض كان بها والا فيبدأالتهديد العلني بالحاق الاذى اما بمقتنيات الاهل كالبيت والسيارة اوارهاب الاسرة بتحطيم الاشياء، وهذا يحدث كثيرا والاغرب ان الابن يهدد بايذاء اخيه في حال لم ينفذ الاهل مطالبه وقد يتبع الاخ الاخر نفس النهج مع والديه ليبلغ الابتزاز ذروته، والاهل مضطرين لتلبية مطالب الابن او الابناء العاقين المبتزين الجاحدين لكل عاطفة، خاضعين مبررين ذلك بحبهم لابناءهم الذين يستغلونهم ابشع استغلال، اين حب الابناء اذن لابويهم! او استغلال الزوج لزوجته وابتزازها ليحصل على مايريد منتهجا نفس الاسلوب المرضي، والعكس صحيح.

- التلاعب بمشاعر الاخرين واصطياد الاخطاء مهما كانت صغيرة لجعلها شماعة جيدة لتبرير الابتزاز والثأر للذات المريضة، كأن يتذكر المبتز ذكريات بعيدة المته يوما ولازال واقعا تحت تاثيرها.

- لايترك لك الوقت للتفكير فهو يلزمك بالاستجابة والا! لكي يشوش تفكيرك ويسد عليك الطريق فتضطر للرضوخ.

- اللوم وهو من اسوء الاساليب التي يتبعها المبتز لما لها من تاثير سلبي يؤدي الى ارهاق النفس والشعور بالذنب من خلال تحميل الضحية اعباء فشل كل شئ الذي يؤدي بدوره الى ضعف الثقة بالنفس بل انعدامها وجعلها سهلة الانقياد.

- المبالغة وتهويل الامور البسيطة التي يقوم بها لجعلها ذات قيمة، والمبالغة في العقاب عن الاخطاء البسيطة حتى وان كان لايملك ذلك الحق.

- استخدام الصوت العالي والالفاظ النابية لارهاب الضحية واضطرارها للخنوع.

- الشكوى الدائمة واختراع الاكاذيب حول ذلك وتاليف الحكايا وادعاء الفقر والمرض والبؤس وعدم الاهتمام بالهندام والمظهر لاستثارة المشاعر.

- التجاهل والصمت اسلوب اخر وسلاح عقابي بامتياز بحيث يلجأ المبتز الى تجاهل الضحية وعدم الرد على مكالماته ان كان بعيدا او قريبا لاشعاره بالذنب تجاه المبتز والبحث عن طريقة لارضاءه.

- المبتز يجعلك في دائرة مفرغة "دوامة"فلاشغل لك ولاحياة سوى ارضاءه وتلبية مطاليبه، ومهما فعلت ومهما قدمت فانت مقصر بنظره ولاتاخذ غير الجحود.

وكل مبتز له طريقته واسلوبه با لمقايضة والضغط والتهديد، وان له القدرة على استخدام اي شئ مهما كانت قدسيته او قربه منه للحصول على مايريد!

ولان الموضوع موضوع قرابة فالتعامل معه يكون صعبا للغاية، ويفسره المبتز على انه خوف وهذا يشعره بالرضا والتقدير للذات المريضة، بالوقت الذي يعتبره الضحية التماس عذر لحدث معين وعاطفة زائدة، لان الاستجابة المتكررة للمبتز الذي بدأ يتفنن بالاحتيال وأخذ المزيد والمزيد ضاربا كل شئ عرض الحائط فلا عاطفة تمسكه ولادين يحده ولامبدأ يردعه!

تبدأالمرحلة الاولى من الابتزاز بصورة حميمية وخفيفة يلجأ اليها المبتز باساليب ملتوية كالمسكنة او التمارض او ادعاء الفقر والغرض من ذلك كله استثارة العواطف لايصال الضحية الى الشعور بالذنب وما ان يصل الضحية الى هذه المرحلة حتى يحكم سيطرته عليها و تبدأ السلسلة التي لها اول وليس لها اخر خصوصا اذاكان الضحية انسان عاطفي يمتاز بالطيبة المفرطة وتنطلي عليه هذه الاساليب الخبيثة.

وللوقوف بوجه الابتزاز العاطفي ومواجهته علينا القيام بمايلي:

- اولا يجب ان يعرف الضحية ويدرك جيدا انه رهن عملية ابتزاز مادية كانت ام معنوية، وعليه ان يتوقف ويضع حدا بان يقول لا.

- وضع الحدود بل الخطوط الحمراء وعدم السماح بتجاوزها، فلكل انسان الحرية في ممارسة حياته الخاصة دون ضغط من احد مادام انه يعيش بما يرضي الله .

- العاطفة المفرطة مرضا وليس عاطفة وعلى الانسان ان يتعالج من العاطفة المرضية التي تسبب له الاحراج والاذى في الحياة.

- التربية الصحيحة للاطفال وعدم اخضاعهم للابتزاز من خلال مقايضة سلوكهم بالحب المشروط فذلك يؤدي حتما الى تنامي هذا الشعور عند الطفل واستجابته فيما بعد لقوانين الابتزاز العاطفي!

- المبتز قبل كل شئ انسان وخصوصا اذاكان قريبا فنصحه وارشاده ومحاولة ارجاعه الى جادة الطريق بهدايته الى الصراط القويم ولو ان الامر في غاية الصعوبة لكنه ليس مستحيلا لان راس الحكمة مخافة الله.

- اذا لم تنجح كل الاساليب لردع المبتز فالابتعاد عنه في هذه الحالة فضيلة.

وعليك ان تعلم انه في يوم من حياتك سيضطرك ضغط الابتزاز العاطفي الى التخلي عن كل مامن شأنه ان يجعلك ضعيفا خائفا طائعا، تعطي بلا حدود وبلا مقابل، وانك دائما في دائرة اللوم والتوبيخ دائم التبرير، دائم الاستعطاف، انت وماتملك من مشاعر واحاسيس مستغل من قبل اناس المفروض انهم اقرب الناس اليك، لكنك للاسف اصبحت صفقة وفريسة لمطامعهم ماديا ومعنويا، وقد حان الوقت لتقول توقفوا انا لي وحدي، ومن احبني فليحبني كما انا بدون ان يقايضني على شئ، ولن يفرض عليّ احد اي امر لااقبله ولا ادين لاي احد الا لله وبما يرضى به وعليك ان تتوقف عن جلد نفسك لارضاء الاخرين لان ارضاءهم غاية مستحيلة.

 

مريم لطفي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم