صحيفة المثقف

أخميم.. مانشستر ما قبل التاريخ (1)

محمود محمد عليأخميم هي البيت الكبير، هي أول حلمي، هي أول خطواتي باتجاه الكون، أخميم هي التاريخ، هي الانتماء والهوية، أخميم هي الأم التي من ثراها خُلقت، وإلى ثراها سأغُط في يوم ما في سباتٍ طويل، أخميم هي الحبل السري الذي يمدني بأسباب الحياة الذي أحمله في أعماقي أينما توجهت وطالت بي سنين الإغتراب لتشدني من جديدٍ وتعيدني إلى أحضانها، أخميم هي الشمس التي لا تغرب، هي الجنة التي سلمت من أيدي الغزاة، وهي الجحيم الذي يفتك بي إن سقطت أو تأوهت، أو أصابتني أعاصير الحياة .. أخميم هي اللبنة الأولى التي أضعها لتأسيس حياتي، وهي الحلم الذي يسير بي نحو تحقيق ذاتي لأقى بها نحو الأمان والسلام والحضارة بعلمي وعملي وجهدي، أخميم هي الروح والوريد والقلب الخافق، لا حياة لي بدونها، أخميم هي المأوى لي في الحياة والممات، فهي التراب الذي تختلط به ذرات أجزائي بعد الفناء.

ليغفر لي عزيزي القارئ في هذا المقال أني قد بالغت في  التغني بأخميم، فهي موطني، نعم موطني الذي قال عنه "ابراهيم طوقان" :" الجلال والجمال والسناء والبهاء في رباكِ .. والحياة والنجاة والهناء والرجاء في هواكِ.. هل أراك سالماً منعماً وغانماً مكرماً ؟ هل أراك في علاك تبلغ السماك ؟ موطني موطني .

وأخميم إحدى المدن الهامة بمحافظة سوهاج تقع في الضفة الشرقية لنهر النيل يحدها من الشمال مركز ساقلته ومن الجنوب مركز دار السلام، ومن الشرق المنطقة الجبلية ومن الغرب مدينة سوهاج، وتضرب أخميم بجذورها عبر التاريخ المصري القديم تعتبر من الأماكن الأثرية الهامة في الصعيد فهي عاصمة الإقليم التاسع من أقاليم الصعيد والذي يبدأ من الجنوب إلي الشمال، مع جريان نهر النيل، وهي المدينة التي تضم أكبر المعابد الفرعونية الموجودة في باطن الأرض ولم يتم الكشف عنه كليا وهو معبد الملك رمسيس الثاني.

ومدينة "أخميم" تسمي في اللغة المصرية القديمة (الهيروغليفية)  بـ" خنت-مين " (نسبة إلى الإله مين)، والتي عرفت في النصوص الفرعونية باسم (خنتي مين) ويعني (مقر من)؛ وفي العصر القبطي عرفت باسمين (شمين) و(خمين)، وفي اللغة اليونانية أو الإغريقية تدعي" خيميس" و"بانوبوليس"، بينما في العربية باسم أخميم وهو إسمها العربي ؛ وهنا نستشهد بما ذكره جوتييه في قاموسه ؛ حيث قال :" أخميم لها عدة أسماء منها الأسماء المقدسة وهي: Khen Min أو Khenme Mik أو Khenti Min  أو per Min اوMin، وكلها تنسب إلى الإله (من) وهو إله الفلاحة عندهم. واسمها المدني Apou  والرومي أخميم، بانوبوليس نسبة إلى الإله Pan وهو إله الفلاحة عند الرومان، ومن اسم Khen Min  المصري تكونت أسماء رومية أخرى وهي : Khemmou Khenim واسمها القبطي   Chemin  أو  Khmin ومنه اشتق اسمها العربي أخميم. وكانت قاعدة القسم التاسع بالوجه القبلي الذي يسمى Taqah khmin... وذكرها أميلينو في جغرافيته فقال: إنها وردت في كتب القبط باسم Schmin ,Schmim, Eschmi  وقد حرفت الشين إلى خاء، وهو تغيير مألوف، فصار أخميم وهو اسمها العربي؛ ثم قال: إن اسمها الرومي Panoplies ويقال لها Tpanyos ..

وقد ووردت أخميم في كتاب المسالك لابن خرداذبة، وفي كتاب البلدان لليعقوبي من كور مصر بالصعيد، وذكرها المقدسي في كتاب أحسن التقاسيم فقال: أخميم مدينة كثيرة النخيل ذات كروم ومزارع، ثم ذكرها الإدريسي في نزهة المشتاق فقال: مدينة أخميم في شرق النيل وبها البناء المسمى بريا، وهي الآن باقية ثابتة (أي في القرن الخامس الهجري قبل أن تهدم). ووردت في معجم البلدان، أخميم من قرى صعيد مصر، وفي قوانين ابن مماتي وفي تحفة الإرشاد من أعمال الأخميمية، ووردت في الانتصار فقال: أخميم بلدة قديمة واقعة في شرق النيل وبها آثار مبان قديمة، وهي مدينة الإقليم، وكان بها مقام الوالي، لأنها كانت مفردة بالولاية والآن يسكنها نائب الوجه القبلي وبها قاض وجامع قديم وعدة مدارس وبها أسواق وقياسر وفنادق وغير ذلك. ووردت في تربيع سنة 933 هــ باسم أخميم، وفي تاريخ سنة 1231هـ باسمها الحالي القديم.

في العصر الفرعوني كانت أخمبم عاصمة "فسم خمينو " وفى العصر الرومانى كانت عاصمة قسم "بانوس"؛ وفى العصر المسيحى اشتهرت بـ اديرتها الكثيرة؛ وفى بداية العصر الإسلامي بقت عاصمة كورة الإخيميه واستمرت كذلك حتي نهاية العصر المملوكى.. بعد الغزو العثماني ألغيت "الإخيميه" وانضمت لولاية جرجا، وبقت أخميم تابعه لمركز ومحافظة سوهاج.. فى سنة 1903 صدر قرار من الداخلية بفصل البلاد التي توجد على شرق النيل عن مركز سوهاج، وتحويلها لمركز باسم "إخميم".، وتشتهر أخميم بنوع معين من المنسوجات الصوفية.

ويقال أنه كان في أخميم جماعة من "بنى قرة"، من فصيلة من بنى هلال بن عامر بن صعصعة، ينتهى نسبهم إلى "معد بن عدنان جد النبى - صلى الله عليه وسلم، وكان بأخميم "بربا" – أي محل للعبادة (عند القبط) مشهورة، ونفى إليها " نسطور" رئيس الفرقة المسيحية المسماة النسطورية. وفيها آثار قديمة ذات قيمة عالية عند المؤرخين، ومن أشهر أعلامها ذو النون المصري، وكان من أعظم علماء عصره أدبًا وعلمًا، وتُوفِّى سنة 248هـ ؛ حيث تزوج منها، وخلف ابنته "عزيزة"، و" عزيزة" ماتت ودفنت ووضع لها ضريح بجانب بيتي الذي ولدت فيه وأقطن فيه حتي الآن.

ووردت أخميم أيضاً في كتاب "المسالك" لإبن خرداذبة وفى كتاب البلدان لليعقوبى من كور مصر بالصعيد، وذكرها "المقدسي" في كتاب "أحسن التقاسيم"، :" فقال أخميم مدينة كثيرة النخيل ذات كروم ومزارع"؛ ثم ذكرها "الإدريسى" في "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" فقال :" مدينة أخميم في شرق النيل وبها البناء المسمى بريا، وهى الآن باقية ثابتة يقصد في القرن الخامس الهجري قبل أن تتهدم"؛ ووردت في "معجم البلدان" للبلاذري :" أخميم من قرى صعيد مصر وفى قوانين إبن مماتى وفى تحفة الإرشاد من أعمال الأخميمية"؛ ووردت في الانتصار:" فقال إن أخميم بلدة قديمة واقعة في شرق نهر النيل بمصر وبها آثار مبانى قديمة وهى مدينة الإقليم وكان بها مقام الوالى لأنها كانت مفردة بالولاية والآن يسكنها نائب الوجه القبلى وبها قاض وجامع قديم وعدة مدارس وبها أسواق وقياسر ووكالات وفنادق وغير ذلك ووردت في تربيع سنة 933 هجرية الموافق عام 1526م باسم أخميم"، وهو الاسم الذى تعرف به في وقتنا الحاضر .. وللحديث بقية..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم