صحيفة المثقف

نصٌّ خارج (الصنعة)...

عبد الستار نورعليالمُسيَّراتُ التي اقتحمتْ سماءَ عيوني

أمطرتْ (يوماً) ينعبُ بين الخرائبِ والجثث،

على قارعةِ رصيفِ الذاكرةِ الملتهبةِ..

بالبكاءِ على الأطلال.

 

الخسائرُ لا تُعَدُّ ولا تُحصى

في سجّل الناعقاتِ..

في كلِّ وليمة.

 

أعليَّ أنْ أغنيَ، وأرقصَ،

وأرسمَ لوحاتٍ بألوانٍ مائيةٍ،

وأُشرِّحَ جسدَ الحبيبةِ، قطعةً...قطعةً...

ببلاغةِ الجُرجانيّ والقبانيّ،

والألمعيّ  الراقدِ

في مستشفى الأمراضِ المُزمنةِ..

لـ(الصنعةِ)،

ليقولَ المُصفِّقون لي:

برافو!!

أعِدْ!

 

لستُ المُخمِّنَ لبيوتِ الطين والقصب،

وصرائفِ (خلفِ السدّةِ) يومَ طافتْ أسرّتُها

فوق مياهِ السيولِ صوبَ وادي الموتِ المُعلَنِ

بأناشيدَ صاخبةٍ:

"بالروح بالدم..."،

حين اجتاحَ الفيضانُ عاصمةَ الرشيد،

ولم يرشُدْ حكماءُ القوم؛

كي تظلَّ شمسُ النهارِ مشرقةً

دون مُسَـيَّراتٍ ومَسيْراتٍ تسيرُ

على (مقياسِ رختر).

 

"الخسائرُ كبيرةٌ."

وجومْ...!!

على الرؤوسِ الطيورُ تحوم...!

 

انفجرتْ بوابةُ عشتار،

خرجَ الموتى.... زرافاتٍ.... ووحدانا....

وأغلقوا  بابَ المُعظّم.

فرَّ البائعون من فوق جسر الشهداء،

ليستقرّوا في مقبرةِ (براثا)..

غانمين سالمين!

 

أيُعقَلُ أنْ يستتروا عن الأعين المفتوحة..

على الآخر

في شوارعَ حُفرَتْ بأيدي المارّة

من تحت جسر الجمهورية (السادسة)..

الداخلةِ في أصول (لعبة الأمم)

المكفهرِّ وجهُها بوجه الأمم الغارقةِ..

حتى قمة رأسها في لعبة أطفال البارحة،..

أشقيائيةِ اليوم!

 

الشقاءُ من سمة السَقّاء

المليئةِ جرارهُ بالفم المليان..

بالكورونا،

من زمن الماموتِ، والطاغوت.

 

حتشبسوتْ،

هل تدرين أنَّ الرحلةَ طالتْ،

والسفينةُ غرقى بأمِّ العظام، وأمِّ المعارك،

وأمِّ الرأس المتهاوي في أحضانِ بغايا المعبد،

منْ ايامِ قلقميشَ النائمِ في غوايةِ الغصن،

وفي أحضانِ أنكيدو..

(الجسدِ) المُضمحِلِّ في رسالةِ الدودِ..

الموعودِ..

بصفاقةِ قطّاعِ الطرق، وشُذّاذِ البرايا،

وقاطعي رؤوسِ غاباتِ الرغبةِ المُلحّة،

بلسانٍ مرسومٍ بدقةِ بابِ الحريةِ المُضرّجةِ..

بماءِ السماء.

 

الأفعى تزحفُ سامةً،

تشعلُ الحرائقَ في الحقول

ببقايا النابالم،

والمُخصَّبِ القادم الذي ... وزّانُهُ؟

لكنَّ الحسابَ لم يتُـهْ.

الحاسبون كُثْرٌ،

عيونُهم مُفتَّحةٌ في اللبن،

وعيونُ التائهين مُقفَلةٌ في الماءِ الزلال،

الى يومٍ يُبعّثون فيهِ بسخامِ وجوههم،

لتنبعثَ روائحُهم بالغازاتِ السامة...

 

يا سعادُ،

لقد بِـنْتِ اليومَ،

مع أنَّ قلبي غيرُ مَتْبول،

ولا مُتيّمٌ إثركِ، ولا مكبول.

التائهون ضيّعوا الأثرَ بعدَ الأثر

تحتَ سنابكِ الخيلِ الغازيةِ

من أيامِ نبوخذنصر،

وحمورابي يطوي مسلّتَه

في جيوبِ المرايا العاكسة.

 

ليلى البغداديةُ تخاطبُ العامريةَ:

لقد سرقوا الكُحلَ من عيني،

فلم أشعرْ إلّا وعيناي مُغمَضتان،

أدورُ كما أوديب.

انا التي تزوّجنى ابني العاقُّ الذي ضيّعتُه،

فانطفأتْ عيناي،

وانشلَّ لساني،

وتسمّرتْ قدماي

عند الباب الشرقيّ المُطلّ على النهر.

النهرُ دمٌ،

والبرجُ في خبرِ (كانَ) الناقصةِ،

أما التامةُ ففي خبرِ عسى، ولعلَّ،

الراحلَينِ في قطارِ الموتِ

وعيونِ (حسن سريع).

 

"حسن ونعيمة":

لم يبقَ من أثرهما شيءٌ يُروى

في مصارع العشاق.

 

العشاقُ صمتوا..

على أزيز الطائراتِ، والمروحياتِ، والمُسيَّراتِ

من سلالة (شبعْنا موتاً)،

و(كلاماً متفجِّراً) بالديناصوراتِ الورقية،

حتى ضلَّ فينا الموتُ طريقَه،

ليخبطَ خبطَ عشواء،

في غلالةِ العشاء..

غيرِ الأخير.

 

تقولُ شاهدةُ القبر:

هنا دُفِنَ الموتُ..

من أثر الموتِ المُنفلِتِ..

من عقالِ الموت.

اقرأوا الفاتحةَ.

المقبرةُ فاتحةٌ افواهَها من الموت،

تشبعُ بالموت.

اقرأوا الخاتمةَ ايضاً

القادمةَ من أيامِ الماموتِ والطاغوتِ،

في قطارِ خبرِ (أصبحَ).

 

الصباحُ خيرٌ، أم ماذا؟

يا هذا،

اسألْ مرةً عليَّ، وقلْ لي:

من أينَ هذه القسوة؟

القهوة مُـرّة،

والندامي غابوا

على أبوابِ بغدادِ الأزَل،

بين الجدّ والهزل،

والقيمر والعسل،

وجاء الحنظل،

يُوزَعُ بالمجان.

 

ياسماءُ أمطري،

حيثُ الأرضُ قاحلةٌ،

والفؤادُ يداوي قروحَهُ بالجفافِ.

هواءُ الطاحونةِ يُديرُ العجلةَ،

والثورُ يدورُ...يدورُ...

بعينين معصوبتينِ،

وقلبٍ منْ رمال.

 

الساقيةُ جفافٌ،

والزرعُ جفافٌ،

والسحبُ انسحبَتْ

الى الأرضِ التي طوتْ سِفرَها.

فما عادَ مكانٌ لأمطارهِا.

عادتْ صِفرَ الكفِّ منفردةً،

تطوي الرحلةَ

في سجّلِ (الأرضِ الخراب).

***

عبد الستار نورعلي

فبراير 2021

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم