صحيفة المثقف

التاريخ أيها السادة

يسري عبد الغنيأول وثاني مؤتمر للثقافة العربية !!!!---

مفهوم أحمد أمين للثقافة كان يرتبط دائما بمفهوم التعليم. ويبدو أنه كان يعتبر الثقافة أو تثقيف الناس وتوعيتهم مرحلة موازية لمرحلة التعليم، ولذلك فإنه عندما عقد المؤتمر الثقافي الأول في لبنان خلال سبتمبر (أيلول) 1947، كان أحمد أمين مديرا للإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، وهو الذي دعا للمؤتمر، فأضفى على هذا المؤتمر فكرته، فكانت المحاضرات تدور حول التعليم.

كانت خلاصة التفكير في معنى الثقافة في فعاليات هذا المؤتمر الثقافي الأول للعرب، هو ما قاله واصف البارودي، وهو من أعلام الفكر اللبناني، حيث أكد على أن الثقافة ليست كما يعتقد الكثيرون لتكوين الصفوة ولتكوين مجتمع لائق بها سلبا وإيجابا، أي يعرف كيف يتجه معها ما دامت على حق، وكيف يوجهها أو يستغنى عنها متى انحرفت عن المسير، فهي تكون مجتمعا يعرف كيف يعيش، ولا تعترف بأي مجتمع يصنع من البشر أوثانا وآلهة يعبدها من دون الله. وهكذا ربط هذا المثقف المتميز في وقت باكر بين الثقافة والأيديولوجية، في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وفي تلك الأثناء من تاريخ الفكر العربي المعاصر، ألف طه حسين كتابه "مستقبل  الثقافة في مصر". وحاول ربط مصر بثقافة البحر الأبيض المتوسط، وهاجمه كثيرون (وما زالوا يهاجمونه حتى يومنا هذا)، وقالوا: إن ثقافة مصر ترتبط بثقافة العرب، وليس مع ثقافة البحر المتوسط.

نعود لنسأل: ما هي الثقافة؟ هل هي تكوين الصفوة المختارة في المجتمع؟ هل هي توصيل أنواع معينة من المعارف والمهارات والفنون إلى جماهير الشعب؟

في المؤتمر الثقافي العربي الثاني الذي عقد في مدينة الإسكندرية من 22 أغسطس (آب) إلى 3 سبتمبر (أيلول) 1950، استمر أحمد أمين في دعوته للتعليم، وقال كلمته المشهورة: كل الأقطار العربية تتذبذب بين مبدأين مشهورين، وهما : التعليم للجميع، وفتح أبواب الجامعات والمدارس العليا على مصاريعها، أو تقييد ذلك بنخبة من أبناء الأغنياء ونوابغ الفقراء.

كانت الثقافة في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن العشرين تلتقي دائما مع التعليم، وكانت تعتبر المثقف من الصفوة المختارة في المجتمع، على طريقة المجتمعات الأوروبية والأميركية المتقدمة. ثم انفصلت الثقافة عن التعليم، وأنشأنا وزارات للثقافة في مجتمعات غير متعلمة.

لم توجد ثقافة في الدنيا بلا علم، ولم يوجد في الدنيا علم بلا تعليم محترم، وهي قضية بديهية لا تحتاج إلى ذكاء أو مهارة. لم ينبغ كبار المثقفين العرب خلال الجيل الماضي في مختلف المجالات إلا بالعلم والتعليم والمعرفة. القضية أخطر مما نتصور، لأنها قضية التقدم أو التخلف، وليست قضية وجود وزارات للثقافة أو إلغاء هذه الوزارات.

القضية هي: ثقافة بلا علم لا تساوي شيئا، وعلم بلا ثقافة لا يساوي شيئا. قضية خطيرة هي ميزان التقدم الذي نريده. ومن كانت في يده كفتان للميزان: العلم والثقافة يستطيع الوصول إلى الأفضل والأحسن، ويستطيع أن يدوس بقدميه على جميع أنواع التخلف.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم