صحيفة المثقف

المظاهر وأثرها داخل المجتمع المغربي

فاطمة اخطيطالمظاهر مرض ينتشر في العالم من حيث الرؤية والتصور، ويعري عن واقعية العديد من الأشخاص الذين يهتمون بما هو خارجي أكثر من دواخل الإنسان أو حتى قيمته الفكرية، فأينما ذهبت و بمجرد الوقوف أو المرور، تتربص نظرة الآخر حولك من أعلاك إلى أسفلك أو العكس، كأنها تبحث عن سيرتك و من أنت.

حينما نتكلم عن المظاهر، فإننا نقصد كل ما هو خارجي، كاللباس والملامح وكل ماهو غير داخلي، إنها السطحيات التي تذهب بنا بعيدا عن القيم والمبادئ الإنسانية العليا، فننسى زوال الدنيا ونجري وراء ملذات الحياة ومتاعبها.

رغم أن ذلك – أحيانا- لا يكون عن قصد، مثلما نحكم على المتشرد بأنه مختل عقليا، انطلاقا من لباسه أو مروره المتذبذب أمام السيارات في الشارع، لكنه في الواقع تجد فكره أفضل من الآخرين، فقط لم يحالفه الحظ في حياته.

لو قمنا بعملية حسابية يومية لأشكال هذه الظاهرة، لاعترفنا أنه فعلا مرض منتشر ومازال ينتشر بشكل مقلق، فالكثير يتعامل بعبارة " مظهرك يصنف حقيقتك " عكس الواقع، حيث تجد أنه لا صلة للمظهر بدواخل الإنسان.

أحيانا، قد نجد من النساء من ترتدي لباسا يبدو من خلاله الحشمة والوقار، فتظن أنها صادقة وخلوقة، في حين أنها لا تمت للأخلاق بصلة، وطبعا هذا حكم غير عام، بينما – أحيانا أخرى- تجد من النساء من ترتدي لباسا غير مستور، فتظن أن أخلاقها سيئة، إلا أن قلبها وأخلاقها عكس مظهرها.

نفس الأمر عند الرجل، فهناك من ينجذب إلى المرأة من جسدها أو جمالها لا من فكرها وأفكارها، كما أنك – أيضا – حينما تقف عند أغلبية التجار، كيفما كانت سلعتهم أو تجارتهم ـ تجدهم وبمجرد الوقوف تتطاير نظراتهم حول لباسك، نظراتك، بنيتك وطريقة وقوفك، فيتخيل إليهم قيمتك الفكرية وحياتك المهنية.

فإذا كنت ذو لباس أنيق ونظرات صارمة، يدرك التاجر آنذاك – حسب فهمه الخاص – أنك تعمل بوظيفة راتبها جيد، وهدفه من ذلك رفع أسعار تجارته معك، وعكس ذلك لما تقف وأنت ترتدي لباسا عاديا يتعامل – حينها – بالأثمنة العادية المعقولة.

قد ننظر في مواقف مشابهة إلى الطفل في الشارع والقسم حسب مظهره، ففي الشارع – على سبيل المثال – عندما نرى طفلا جميلا ونظيفا أو بعبارة أخرى طفلا وسيما تحمله أمه بين ذراعيها، نجري بدون تردد لتقبيل جبينه قائلين لوالدته " الله يصلح..."، ولما يكون رضيعا أو طفلا ملابسه متسخة وأنفه يسيل جراء الزكام أو ماشابه، لا نقوم بأية حركة أو نصدر ردة فعل تبين إعجابنا له، وننسى أنه طفل بريء يحتاج إلى اهتمام الآخر وحبه.

وفي القسم – أحيانا – نفرق بين ذلك التلميذ النظيف الأنيق والجميل، وبين التلميذ الذي ملابسه غير نظيفة، ربما بسبب إمكانيات أسرته المحدودة، التي لا تسمح لهم بتوفير مظهر لابنهم يشبه مظهر صديقه "الأنيق".

أتساءل، لم كل هذه الفروقات؟ ولماذا نحكم ونتعامل انطلاقا من مظاهر الآخرين؟

ألا نحتاج إلى وقفات تأملية نراجع فيها أنفسنا، مثلما نراجع في آخر كل سنة إيجابياتنا وسلبياتنا، محاولين عدم تكرارها في السنة الجديدة، فلماذا لا نحاول مراجعة خطئنا هذا أيضا، إذ يعد خطأ كبيرا حينما نقلق الآخر بنظرتنا عنه، التي غالبا ما نخطئ فيها بحقه.

دائما، نقول "المظاهر خداعة"، لكن لا ندري كم هي فعلا خداعة، لأننا نقوم باستعمالها فيما نريد لا غير، ولا ننتبه أننا نتداولها بشكل يومي إلى أن أصبحت فينا عادة تتكرر في كل يوم، ويتكرر معها جرح الآخرين.

 

بقلم فاطمة اخطيط

طالبة في الدراسات العربية

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم