صحيفة المثقف

صور مبتكرة في شعر مريد البرغوثي

من الصور الجميلة التي رسمها الشاعر ليبين مراقبة الفلسطيني من قبل الخونة، يصف الأم الفلسطينية كيف يرصدها الأعداء، يقول مريد البرغوثي:

تمشينَ بينَ مسالكٍ فيها المهالكُ

دانياتٌ والنَّجاةُ بعيدةٌ

والخوفُ كالذِّئبِ الأليفِ بباب بيتكِ صامتٌ مٌتَّنعِّمٌ

بالشمس يُغلقُ عينَه، ويطلُّ بالأُخرى عليكَ

على خطاكِ على

نواياكِ الصّغيرة

وتصوير الخوف بالذئب صورة جديدة، وتكمن جديتها في الصفات التي أضفاها الشاعر على الذئب، فهو ذئب أليف، وهنا يصدم الشاعر توقعاتنا. كيف يكون الذئب أليفاً؟، ولعل مقصد الشاعر أن هذا الذئب يبدو كالأليف أمام البيت يتمتع بالشمس حتى لا يلتفت إليه أحد، أو يشك في فعله،كما أن الشاعر قد صوّر الخوف وهو شيءمعنوي مجرد بالمحسوس "الذئب"، وكأنه صورة ماثلة أمام القارئ.

وفي قصيدة مريد البرغوثي "رنة الإبرة" يصور الأم الفلسطينية في شتى مواقفها ؛ في بيتها، ومع أطفالها وجيرانها، راصداً تحولاتها النفسية فهي تحاول رغم اليأس والفقر والغربة أن تكابر على الجرح، وتحلم بالأمل مهما شدها القنوط:(1)

أنتِ الكنائسُ والكمائنُ

والمساجدُ والمساجينُ الذين يُراكضون زمانَهم

بالقيْد أو بالقُرفصاء

وأنتِ من ماتوا على خطِّ النِّهايةِ

والمتاريسُ المقامةُ حولهم

والفلُّ والفولاذُ أنتِ

وأنتِ ما في الشَّوقِ من غضب

وأنتِ اليأسُ مكتملاً يحاولُ

أن يَشدَّ غزالةَ الأملِ الكبير

إنه الأمل ذلك المجرد الذهني الذي يحمله كل إنسان منا في ذاته ولولاه لانفطر الفؤاد. ذلك الأمل السارب السائح كالغزالة في البراري "فالأمل غزالة" تجسيد للمجرد بالمحسوس أما اليأس فهو الفخ الذي يريد أن يوقف الامل عند اندياح رؤاه.

وفي قصيدة مشهدية للشاعر مريد البرغوثي، يصف ثوب المرأة الفلسطينية بألوانه المزركشة غير أن الوصف ليس مقصوداً بذاته، يقول: (2)

تطريزُ ثوبِكِ صامتٌ، ويقول

الأخضرُ المبحوحُ نايٌ ناعمٌ

مسّته كفُّ الرِّيحِ والرَّاعي

وأزرَقُهُ دفوفٌ حولَها شُعَلٌ

وأحمرُه طبولُ

لقد ترك الشاعر للثوب الصامت التحدث عن نفسه دون أن يتكلم

فاللون الأخضر - ناي ناعم

واللون الأزرق - دف مشتعل

واللون الأحمر  - طبول

فكيف يمكن تفسير ذلك؟

إن اللون الأخضر يرى بحاسة العين، والناي "المزمار" يسمع بالأذن، والنعومة صفة محسوسة باللمس، فقد راسل الشاعر بين ثلاث حواس.

والحق أن اللون الأخضر يوحي بالنعومة والحيوية والارتياح ؛ فقد وصف القرآن لباس أهل الجنة باللون الأخضر.قال تعالى:{أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا}(3) .

أما اللون الأزرق فهو من المرئيات الصارخة، وعادةً ما يرى طرف الشعلة أزرق لذا قال: "حوله شعل". ولكنه وصف هذا اللون بالدفّ، والدف يسمع بالأذن فقد راسل بين الحاستين البصر والسمع تأكيدا على وضوح هذا اللون في ثوب المرأة الفلسطينية.

وقد وصف الشاعر اللون الأحمر بالطبول. والغريب المتخيل أننا لا نستطيع أن نقول صوت اللون الأحمر كصوت الطبل، غير أن الشاعر يؤالف بينهما، فاللون الأحمر عادة ما يكون نذير حرب، تستخدم فيها الطبول، وهو من الألوان الصارخة الأساسية .كل هذا في ثوب المرأة الفلسطينية بألوانه الدالة، فليتخيل القارئ أفعال تلك المرأة العظيمة.

ومن القصيدة السابقة مقاطع تبدو فيها هذه البديعة اللطيفة،ولكن بطريقة مختلفة التأويل والسبك كقوله:

صهيلُ حَبِّ الهال(4)

وقوله: وسواد ثوبك صامت(5)

ففي الجملة الشعرية الأولى يصف حالة استقبال الضيوف، وذلك بتقديم القهوة لهم، والعربي مشهور بهذه المكرمة حتى الآن.

ولقد شبه الشاعر صوت حب الهال في المقلاة بصوت الصهيل، وبذا يتجاوب صوتان لا حاستان، والصهيل ليس بعيداً عن خيمة العربي، فحصانه وسيفه حاضران في الخيمة لا يراوحانها.

أما قوله "وسواد ثوبك صامت"، فالتراسل بينهما واضح.

قصيدة مريد البرغوثي بعنوان "مشهد يومي" (6).

ومن الصور الجميلة التي رسمها الشاعر ليبين مراقبة الفلسطيني من قبل الخونة، يصف الأم الفلسطينية كيف يرصدها الأعداء، يقول مريد البرغوثي:(7)

تمشينَ بينَ مسالكٍ فيها المهالكُ

دانياتٌ والنَّجاةُ بعيدةٌ

والخوفُ كالذِّئبِ الأليفِ بباب بيتكِ صامتٌ مٌتَّنعِّمٌ

بالشمس يُغلقُ عينَه، ويطلُّ بالأُخرى عليكَ

على خطاكِ على

نواياكِ الصّغيرة

وتصوير الخوف بالذئب صورة جديدة، وتكمن جديتها في الصفات التي أضفاها الشاعر على الذئب، فهو ذئب أليف، وهنا يصدم الشاعر توقعاتنا. كيف يكون الذئب أليفاً؟، ولعل مقصد الشاعر أن هذا الذئب يبدو كالأليف أمام البيت يتمتع بالشمس حتى لا يلتفت إليه أحد، أو يشك في فعله،كما أن الشاعر قد صوّر الخوف وهو شيءمعنوي مجرد بالمحسوس "الذئب"، وكأنه صورة ماثلة أمام القارئ.

 

د. خليل القطناني

......................

(1) مريد البرغوثي: "رنة الابرة"، ص 111 .

(2) مريد البرغوثي: "رنة الابرة"، ص 105 .

(3) الكهف، 31 .

(4) مريد البرغوثي: "رنة الابرة"، ص 108 .

(5) البرغوثي، المرجع السابق نفسه، ص 109 .

(6) مريد البرغوثي: "قصائد مختارة"، ص 7 .

(7) مريد البرغوثي: " قصائد مختارة": وزارة الثقافة الفلسطينية، ص 112.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم