صحيفة المثقف

الكفر بالعقل!

ظريف حسينتعد الأديان كلها نعمة إذا اُعتبرَت رسالاتها أنها دعوة للانزياح من عبادة الأشياء إلي عبادة أصل الأشياء، ومن التمسك بالظواهر إلي التحكم فيها عن طريق معرفة أسبابها الحقيقية، ولا يكون ذلك إلا بالعلم بالمعني الحقيقي. إذن فالتدين الحقيقي هو-ببساطة-تَحرُّر من الأوهام.

وهذا يعني أن الإيمان بالله هو في الوقت نفسه إيمان بالعلم، أي أن البحث عن الأسباب الحقيقية عبادة أيضا، ولذلك خلق الله العقل لفهم الكون، وما جعل الله المعجزات إلا استثناءات مؤقتة للقوانين الراسخة التي تسير حركات الأشياء، لإثبات قدرته علي عمل الشيء وضده. وما كان من الممكن أن تكون للمعجزات من قيمة إعجازية إلا لأنها تخرق استمرار سريان القوانين الثابتة للأشياء في اتجاه واحد فقط.

إذن فإن إرادة الله تجسدها قوانينه التي لا تقبل التبديل؛ فإذا أردتَ أن تعرف إرادة الله فتعلَّم كيف تعمل الأشياء طبقا للقوانين، وإذا أردت أن تطيع الله فعليك باتباع قوانينه؛فالله لا يقبل الواسطة بمعني"الشفاعة"إلا لمن أطاع إرادته ممثلة في قوانينه، وبذلك لا يقبل الله شفاعة الدجالين، ولا المشعوذين، كما لم يقرر القرآن-و لا أي كتاب مقدس آخر-أن تسيير الأشياء أو تصريف الأمور الحياتية يمكن أن يكون بمجرد قراءة الآيات ولو بنيَّة العلاج.

و لكن المدلسين يخادعون السذج من الناس بأن معني "الشفاء" الوارد في القرآن يشمل العلاج الباطني والنفسي، برغم أن المقصود فقط هو العلاج الروحي، بمعني التحول من عبادة الأشياء إلي عبادة الخالق.

و الله هو الذي جعل لنا الطب والدواء وجعل منا العلماء نأخذ بالأسباب الحقيقية وليس بالأسباب الموهومة بلا دليل أدني عليها.فأليس هو القائل:

"وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا،  إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) "(سورة الكهف، الآية83).

أي أن تمكين الله لنا إنما يكون بتعريفنا كيفية إدارة الأشياء بمعرفة أسبابها المادية. وإذا كان الله هو مالك مفاتيح الأشياء فقد أعطانا إياها وإن كنا مكلفين بالبحث عنها.إذن فالاستعانة بالأشياء علي الأشياء ليس شِركا بالله، بشرط اليقين بأن كل شيء مَرَدُّه إلي الله.

وهكذا فقد خلق الله لنا العقل وفتح لنا من أبواب العلم ما يغنينا عن الأخذ بالأوهام.و بذلك يكون الكفر بالعقل هي أيضا كفر بالله، أو هو-علي الأقل- شرك به!

 

د. ظريف حسين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم