صحيفة المثقف

تساؤلات مشروعة

صلاح حزاملماذا يتم استبعاد الاقتصاديين من المراكز الاقتصادية المهمة في العراق؟

لطالما وجد الاقتصاديون انفسهم في مواجهة مع النظم الشمولية ابتداءً من الحقبة الستالينية وماتلاها التي دفعت افضل الاقتصاديين من المعسكر الاشتراكي للهجرة والهروب الى الغرب.

ليونيتيف وكالنيسكي واوسكار لانگه، نماذج لهؤلاء الهاربين..

السبب الاساسي هو غياب الحساب الاقتصادي وهيمنة الايديولوجيا والخضوع لمزاج الحاكم الطاغية ونزواته وتقلباته المستمرة وعدم الاستعداد للقبول بآراء الاقتصاديين التي تعترض على الادارة الايديولوجية للاقتصاد الوطني وماينجم عن ذلك من مشاكل..

هنالك مقولة مشهورة تقول: السياسة دالّة للاقتصاد.. والدالة هي المتغيّر التابع، اما المتغيّر المستقل فهو الاقتصاد..

اي ان السلوك السياسي والقوة والنفوذ السياسي والمكانة السياسية للبلد في العالم وفي المنظمات الدولية، كل ذلك يعتمد على قوة ومتانة الاقتصاد.

اليابان بلد مهزوم هو والمانيا في الحرب العالمية الثانية، وكلاهما تم احتلاله، ولكنهما قوتان محترمتان في العالم بسبب القوة الاقتصادية لكليهما.

في العراق، وزير التخطيط مهندس ووزير المالية متخصص في الرياضيات، وتجري مناقشة الشؤون الاقتصادية من قبل سياسيين غير متخصصين..!!!!

لقد انفقنا معظم اعمارنا ونحن نحاول اقناع السياسيين بأن الاقتصاد علم، وعلم خطير، بل أخطر واصعب علم . وان العالم لايختلف ولايتقاتل من اجل امور طبية او فيزيائية او فضائية، بل من اجل المصالح الاقتصادية.. انهم يتعاونون بشدة في ميادين مثل الفضاء ولكنهم يتحاربون ويختلفون في ميدان الاقتصاد .

الاقتصاد ليس مادة انشائية يمكن لاي شخص الثرثرة فيها، وليست ميدان للعاطلين عن العمل او عديمي المهنة.

انا لا اتجرأ على الحديث في شؤون الطب والهندسة واحترم المختصين عندما يتحدثون فيها وأصغي لهم باهتمام.. لكنهم يتجاسرون على التصريح والتنظير وتقديم الاقتراحات والتحليلات في شؤون المال والاقتصاد والبنوك والنقود وغيرها من الامور .

الكل يحلو له التنظير بما في ذلك عديمو التعليم والذين يجيدون القراءة والكتابة فقط.. اي مأساة هذه !!!

بل أخذ الجهلة والطارئون على الاقتصاد يشتمون وينتقدون الاقتصاديين والاستشاريين لانهم سبب خراب الاقتصاد، مع انه لم يكن أحد من السياسيين يكترث بآراء الاقتصاديين ومقترحاتهم (أنا اقصد الاقتصاديين ذوي الجدارة).

كان شعار الاشتراكية (العلمية منها وغير العلمية) مبرراً لرفض كل فكر اقتصادي موضوعي بحجة انتمائه للفكر البرجوازي.. واعلنوا ان هناك فكر اقتصادي وقوانين اقتصاد اشتراكية يعملون بموجبها..

وفي الواقع كان هناك فرضيات لم يتم اختبارها وفشلت عند التطبيق.

هذا يذكرني بما كان يردده أحد المسؤولين العراقيين في التسعينيات في اجتماعات بيت الحكمة، حين كان يردد: سيّسوا الاقتصاد، ادمجوه مع السياسة..

وعندما قلنا ان ذلك غير جائز وغير ممكن لان السياسة علم والاقتصاد علم آخر، قالوا اننا موتورون وغير مستوعبين للفكر الفلسفي السائد للدولة في حينها (باعتبار انه كان هناك فكر وفلسفة، وغيرها من الادعاءات الزائفة).

 

د. صلاح حزام

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم