صحيفة المثقف

"داخل المكان".. ذاكرة المدن والحياة والإنسان

2205 جمال العتابي"داخل المكان – المدن روح ومعنى"، كتاب الأديب اللامع / جمال العتابي / ..، كتاب يتشاغل بالذاكرة ووعي الذاكرة . في الذاكرة يترسب ما يؤنسها ويخدشها على السواء، ووعي الذاكرة اللاحق يكشفها ويمنحها البُعد الدلالي، تاريخياً وسياسياً وجمالياً ونفسياً .

إن َّ ذاكرة المؤلف راكمتها ذاكرات فرعية تشابكت بالتتابع الزمني: الذاكرة البصرية (الطفولة والصبا) ..، الذاكرة المدرسية (الإبتدائية – الثانوية – الجامعية) ..، ذاكرة الوعي (السياسة والثقافة) . وهذه التفرعات الذاكراتية يوحدها المكان الممتد من أقاصي الجنوب (الغازيّة – الشطرة – الغرّاف) وحتى مدن العاصمة (الكاظمية – الأعظمية – الحريّة) وشوارعها ، ومن ثم التطواف في بعض المدن القصيّة خارج حدود الوطن .

2

ضم الكتاب ثلاثة فصول  – رغم أن َّ المؤلف لم يعتمد التقسيم هذا – متتابعة مكانياً وزمنياً . وقد كان القسم الأول مكرّساً ذاكراتيّاً عن مستقرّه الأول، ففي الغازيّة والشطرة والغرّاف، كان التشابك مع المدهشات التي تُغري البصر والسمع: الريف والمدن المتريّفة، الأنهار، المدرسة البعيدة، المقاهي، الناس وعوزهم، الدكان / المكتبة، سحنات الوجوه المتعبة، الشرطة والحرس، الأب التربوي واشتعالاته السياسية، الأصدقاء في توحدهم الطبقي ، الغناء الريفي ...الخ من المشهديات البصرية والسمعية التي لصقت بالذاكرة .

وفي القسم الثاني، كانت مدينة الحريّة، تُمثّل الإرتكاز الذاكرتي الواعي، الإرتكاز الواسع المتشابك مع الحياة: سياسيّاً وثقافياً ورياضيّاً . ففي هذا الفصل طالعتنا الوجوه الثقافية الفاعلة في المشهد الثقافي العراقي وهي تتناوب المقاهي والنزهات وملاحقة الظلال السياسية وبائع الباقلاء، والإنصات لما كان يحصل من أحداث وتحوّلات في السياسة والحياة الإجتماعية، كما أن َّ إشعاع الشاعر الكبير / مظفر النواب / في هذا الفصل يمنحه تأصيلاً ذاكرتيّاً يرتبط بذاكرة الناس الشغوفة بالنوّاب شعرياً وسياسياً . ويكاد هذا الفصل والفصل الأول أن يكونا المتن الممتليء بالمكان وذاكرة المكان، وبما يتواشج مع التوصيف الأساس للكتاب:  داخل المكان .

  أما الفصل الثالث، فقد إبتعد عن ذاكرة المكان إلى حد ٍ ما، إذ جرى التذاكر مع أصدقاء مثقفين، وبما يعكس محنتهم الوجودية داخل وخارج الوطن، ولم يكن للمكان من ثبات ٍ معهم سوى الروح التي تُركت في المكان، وهنا يصح القول كما في العنوان الثانوي: المدن روح ومعنى .

 (3)

كتاب: داخل المكان – المدن روح ومعنى، تأويل ذاكرتي حسي الإيقاع، يمنح الوجود الأول بشقّه المكاني، قيمة فنية / جمالية لا يدركها ويحسّها إلا مَن امتلك مجسات مدببة تمتص الملح من قطرات المطرقبل ماء الأرض، والعتابي، لا أُبالغ إن قلت: كان سارداً وشاعراً في: داخل المكان. وهنا وللضرورة الإبداعية أستعير قول (أمبرتو إيكو) الذي جاء في تقديم الكتاب: (مالا يمكن تنظيره ينبغي سرده) ..، وهكذا تم سرد (ذاكرة المدن والحياة والإنسان) في هذا الكتاب بلغة طيّعة وإسترسال رشيق موح ٍ بعيداً عن الإستطراد. وما أجمل ايحاء القول: الغازيّة تتكلم روسي.

 

ريسان الخزعلي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم