صحيفة المثقف

الاهتمامات الاقتصادية في الخطاب السياسي في العراق

صلاح حزاممنذ العام ٢٠٠٣ ولحد هذه اللحظة وأنا اتابع الطروحات الاقتصادية للطبقة السياسية في العراق، لكني لم اسمع منهم خطاباً اقتصادياً تنموياً جادّاً على الاطلاق.

الاحاديث كلها والتصريحات والخطابات والبيانات والشعارات الانتخابية والبرامج التي تعلنها التجمعات والكتل السياسية، كلها تتركز على الايرادات الحكومية وكيفية توزيعها بين اوجه الانفاق المختلفة والتي هي في معظمها جارية (استهلاكية) كالاجور والرواتب والنفقات التشغيلية الاخرى ..ومخصصات المراكز السياسية التي لاتعد ولاتحصى ..

اما الانفاق الاستثماري فقد كان يحتل الذيل وكان يذهب في معظمه لجيوب الفاسدين من داخل ومن خارج العراق.

يتحدثون بحماس عن سد العجز عن طريق الاقتراض الداخلي والخارجي وفرض ضرائب وخفض رواتب ومخصصات (تخفيض قيمة الدينار ادّت الى تخفيض كافة الرواتب والاجور ومبالغ التقاعد بنسبة مباشرة مقدارها ٢٢٪؜).

لم نسمع كلاماً عن معدل النمو المستهدف للاقتصاد العراقي ولم نسمع كلاماً عن تنويع الاقتصاد العراقي وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الاجمالي ومساهمة مستهدفة لكل قطاع في الناتج ! ولم نسمع عن خطة ممكن تنفيذها لتقليل اعتماد الاقتصاد على النفط من خلال رفع مساهمة القطاعات الاخرى لاسيما الصناعة التي بدونها لن تكون هناك تنمية حقيقية ولن يكون هناك شيء من الاستدامة والاستقلال الاقتصادي.

السوق العراقية كبيرة وتستهلك الكثير وممكن استغلال ذلك لأقامة شراكات مع شركات كبرى على اسس وشروط واضحة تضمن مصلحة البلد.

ولم يتحدثوا عن تنمية الزراعة وتطويرها بشقيها النباتي والحيواني وإحداث نهضة في مجال الري والسقي وترشيد استخدام المياه واستخدام سبل السقي العصرية ..اما استصلاح التربة فهذا موضوع لايخطر على بال أحد ..

لم يتحدثوا عن تطوير السياحة لاسيما السياحة الدينية والتاريخية وتطوير المواقع الأثرية والدينية وتنظيم قطاع السياحة وتعظيم فائدة الحكومة من الايرادات.

لاتوجد احاديث عن تطوير التعدين والمناجم ولاعن تطوير القطاع الصحي والاستثمار فيه لتوفير العلاج المحلي بدل السفر للعلاج في الخارج لاسيما في دول الجوار التي أقامت مرافق كبيرة للعلاج والطبابة تعتمد اساساً على استقبال العراقيين مع مظاهر استغلال واضحة لهؤلاء المرضى.

هل سمعتم يوماً احدهم يتحدث عن ميزان المدفوعات وعن الاحتياطيات بالعملات الاجنبية والذهب وتحركاتها؟

هل سمعتم حديثاً عن خطط جادة للتدريب والتشغيل لتوفير فرص عمل بعيداً عن القطاع الحكومي؟

هل تحدثوا بشكل جاد عن قطاع البناء والتشييد وبناء قدرات تنفيذية كبيرة تخدم مصلحة البلد وتستطيع النهوض بعملية اعادة البناء؟ هل لدينا شركة تستطيع بناء مئتي مدرسة دفعة واحدة؟ او بناء عشرة آلاف وحدة سكنية مرة واحدة؟ وهذا قطاع يخلق مئات الآلاف من الوظائف.

هل ناقشوا بشكل جاد تطوير قطاع الشحن البري والبحري والجوي؟

هل سمعتم نقاشاً عن الترابط بين الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية وشيوع الظواهر الاجتماعية ذات الاساس الاقتصادي كالادمان والجريمة والسرقة والتشرد والعنوسة والطلاق؟

هل ناقش أحدهم مستقبل النظام الاقتصادي للعراق ومواصفاته ودور الحكومة والقطاع الخاص والتخصيص والاستثمار الاجنبي النظيف وليس الفاسد والذي يدخل بصفقات مشبوهة يعقدها مع فاسدي الداخل؟

هل هنالك مجالس استشارية اقتصادية محترمة يؤخذ باقتراحاتها وتوصياتها؟

هل درسوا كيفية تطوير النظام المالي وتطوير جباية الضرائب والرسوم وصياغة نظام ضريبي متطور؟

هل لاحظتم احاديث بعض السياسيين عندما يقررون الخوض في الاقتصاد دون علم ودراية؟

نسمع جمل انشائية فارغة لاقيمة لها تشبه الخطب الوعظية التي يلقيها أئمة الجوامع والتي يسمعها الحضور ولاتمثل التزاماً لهم ..

كلهم يلفظون كلاماً عاماً يدعو الى شيءٍ ما (ندعو الى تطوير الاقتصاد، ندعو الى تشغيل الشباب ندعو الى زيادة الصادرات الخ ...) ولكنهم يدعون من؟

انتم صناع السياسات وصناع القرار !!

ام انكم نسيتم ذلك ؟

 

د. صلاح حزام

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم