صحيفة المثقف

تريّثات ريثَما (1)

كريم الاسديمثنويّات ورباعيّات عربيّة ..


ريثَما أَرحلُ نحو الجُزرِ الأولى وأَمضي في البعيدْ

سيعودُ الطفلُ شيخاً وصبياً ثم طفلاً من جديدْ

**

ريثما تأتينَ رتبتُ من الفوضى حقائبْ

بأنتظارِ الجُزُرِ الخضرِ وأمواجِ المحيطْ

ريثما أخطفُ أجراسَكِ من بينَ الكواكبْ

سيحيطُ البحرُ في شعري سماءً ومحيطْ

**

ريثما أَرحلُ في قطرةِ ماءٍ للغيومْ

سيكونُ البحرُ مِن مائي، ومِن ضوئي النجومْ

**

ريثما تحضنني قبلةُ قلبٍ وقيامهْ

ويجنُ الدمُ في روحِ الجسدْ

سوفَ ألقاكِ بروقاً وغمامهْ

وانتشاءً عابراً نحو الأبدْ

**

ريثما ننزلُ فجراً للبحيرهْ

ونبثُ الدفءَ مابينَ الرمالْ

سيكونُ النخلُ في عزِّ الظهيرهْ

هيأَ الظلَ لكي ننعمَ في أوضأ طقسٍ للوصالْ

**

ريثما ينقشعُ الثلجُ وتنحلُّ فلولٌ للشتاءْ

ستراني أضرمُ النيرانَ في الشمسِ لكي توقظَ ماراحَ وجاءْ

**

ريثما يرتدُ طرفُ المرءِ للمرءِ تراني

جامعاً أزمنةَ الأكوانِ في عينِ المكانِ

**

ريثما تمضي الى الموتِ حبيباتي ويرجعنَ جديداً للحياةْ

سأعيدُ الكونَ في حرفي بكراً واسمِّي الكائناتْ

**

ريثما يكتبني النهرُ على الأرضِ ويتلوني ضياءٌ للكواكبْ

سوفَ أسري في عروقِ النخلِ نسغاً ودماءْ

ويعيدُ السعفَ مبهوتاً حروفي للفضاءْ

لترى العميانُ آلائي حروفاً وسطوراً ومواكبْ

**

ريثما ترجع أسرابٌ من الطير الى ماءِ الجنوبْ

 سترى البرديَ قد هندسَ في الماء دروباً ودروباً...ودروبْ

 **

ريثما يرجعُ طفلٌ من بساتينِ النخيلْ

واشِماً أشعارَهُ في دفترٍ للمدرسهْ

ريثما يأكلُ من خبزٍ لتنورِ الأصيلْ

سيصيرُ الشعرُ معماراً سماوياً ، وطفلٌ هندسهْ

**

ريثما يغمرني النهرانِ بالماءِ وبالنورِ وأسرارِ النماءْ

ستراني راسماً في الأفقِ نخلاً وخيولاً وسماءْ

 **

ريثما تعرفني من بَعد بُعدٍ وغروبْ

وتراني عابراً كالأمسِ مابينَ بساتين النخيلْ

سوف تحتاجُ زمانَ الكونِ من فجرِ المسيلْ

ولأوقاتِ شموسٍ ضرَّجتْ بالدمِ هاماتِ الغروبْ

**    

ريثما أرتشفُ النخبَ وليلايَ بقربي جالسهْ

يجلسُ البدرُ الى الزهرةِ، والأنجمُ بالترتيلِ ضجَّتْ هامسهْ

**

ريثما تقرأُ في ضوءِ نجومِ الصحوِ أوراقَ كتابي

سترى النجمَ وقد قادَ حشودَ العشقِ كي تطرقَ بابي

**

ريثما تلمحُني من بعد بُعدٍ وعذابْ

 وطريقٍ وعثِ الخطوِ مريرْ

ستراني راسخاً عند بواكيرِ الشبابْ

وزمانٌ رامَ انْ يأسرَني أضحى أسيرْ

**

ريثما أكتبُ في الليلِ على ليلى لليلٍ وليالْ

ستراني أمزجُ الواقعَ بالسحرِ، وبالممكنِ ماكانَ محالْ

**

ريثما أكتبُ في الليلةِ في ليلى لليلٍ وليالْ

ستراني رامياً من قوسِ أغوائي من العشقِ نبالْ

**

ريثما أكتبُ عن ليلى النبيلهْ

وهي تدنو بي الى قعرِ الجحيمْ

سأرى النورَ مياهاً، وأرى النارَ نعيمْ

وأرى أمراةً واحدة ًباتتْ قبيلهْ

**

ريثما أمضي شراعاً نحو دجلهْ

ثم أسري قارباً نحو الفراتْ

سيكون الماءُ قد ضيَّعَ في أرضِهِ أهلَهْ

ثمَّ عادوا، وأنا باعثُهم نحو الحياةْ

**

ريثما أَمضي الى الماضينَ كيْ أجلبَهمْ شِعراً الى نهرِ الوجودْ

سيكونُ النهرُ قد هيَّأَ ماءَ الأزلِ الحلوِّ فلا نرجعُ في آنٍ الى دربِ الصدودْ

**

ريثما تعزفُ قيثارةُ حسناءٍ على أوتارِ حسْنٍ وهيامْ

 سوف يأتي القمرُ السامقُ مأخوذاً ومخموراً بما تمنحُهُ الأوتارُ مِنْ خمرِ الغرامْ

**

ريثما أدحرُ أجيالاً مِن الحقدِ ببيتٍ مِن قصيدهْ

ويُعيد النجمُ أبياتي على مَرِّ الدهورْ

سوف تأتيني التي تُدمنُ عشقَ الحبِ أطواراً جديدهْ

وتحطُّ الفجرَ في بستانِ أشجاري ملايينُ الطيورْ

**

ريثما ترقصُ مِنْ ألحانِ نغْماتي الجبالُ الصمُّ، والشمُّ الرواسيْ

ويصيرُ الكونُ ـ كلُّ الكونِ ـ شوقاً واشتياقاً وحنينْ

سوفَ لا نعرفُ وقتَ الحبِّ مابينَ ثوانٍ وسنينْ

أبدياً كانَ وقتُ الحبِّ مُذْ كانَ وها أُرجعُهُ نوراً ووضّاءً على رغمِ الدياجيرِ القواسيْ

**

ريثما أكتبُ ألفاً ثم باءً ثم ياءْ

سأرى كلَّ نجومِ الكونِ قدْ جاءتْ الى الأرضِ لكيْ تُسكِنَها قلبَ السماءْ

 **

ريثما ترحلُ نحوَ العمقِ في النهرينِ أسرابُ زوارقْ

سترى سومرَ في بدءِ مياهِ الأرخبيلْ

قصباً يتبعُهُ البرديُّ أفضى للنخيلْ

سيِّدِ الأشجارِ اذْ يرفعُ للنجمِ نشيداً وبيارقْ

***

شعر: كريم الاسدي

 

.......................

ملاحظتان:

1 ـ نُشر هذا النص ـ باستثناء المقاطع التسعة الأخيرة ـ بتأريخ الثالث من شباط عام 2011 في القسم الأدبي من جريدة الأتحاد الأماراتية، أما المقاطع التسعة الأخيرة فثلاثة منها كانت موجودة أصلاً في النص ولم ينشرها المحرر الأدبي في جريدة الاِتحاد لطول النص بالنسبة لجريدة ورقيَّة وحيث ارتأى المحرر أيضاً نشر النص كنصٍ واحد بدون فواصل، أمّا المقاطع الستة الأخيرة فقد كتبتها يوم الثاني عشر من آذار 2021 في برلين .

2ـ هذا النص جزء من مشروع شعري طويل ومستمر أعمل عليه منذ أعوام لاِنجازه في ألف مقطع ومقطع من المثنويات والرباعيات، حيث كل مقطع قصيدة قصيرة من بيتين (مثنوي) أو أربعة أبيات (رباعي)، والمشروع يشمل كل أنواع الشعر العربي الموزون: الشعر العمودي، وشعر التفعيلة (الحر) بالاِضافة الى محاولة اجتراح أشكال جديدة على صعيد ترتيب القوافي أو استحداث أشكال معينة لها علاقة بأشكال الشعر الشعبي العراقي مثلاً، ومحاولة احلال الشكل العراقي الشعبي في العربية الفصيحة .

أغراض المشروع تمتد لتشمل مواضيع الحياة : الوجود، الزمان، المكان، الاِنسان، الطبيعة، العالَم، الحب، الصداقة، الوطن، الاِغتراب، الذكريات، الطفولة، الحنين كما تشمل ثنائيات السلام والحرب، الحياة والموت، الحب والحقد، الجمال والقبح، الخير والشر، الوفاء والغدر، الشجاعة والجبن، الكرم والبخل، الاِخلاص والخيانة ..

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم