صحيفة المثقف

الاعلام وتمزيق القيم

اسعد شريف الامارةالاعلام لا يستطيع أن يكون محايدًا أو موضوعيا إطلاقا

 أحاول في حديثي أن اتناول موضوع غاية في الاهمية هو الاعلام الموجه لتغيير الاتجاهات والقيم.. كيف يفعل الاعلام في تهشيم القيم لدى الشعوب والمجتمعات.. وسنبدأ حديثنا عن الاتجاهات أولا، لذا عرف علماء النفس الاجتماعي الاتجاه بأنه: ميل واستعداد مكتسب يحدد نمط الاستجابة. وهو أيضا: السلوك المستقر نسبيا للتعبير عن نمط معين للتفكير.

أما القيم: فهي مجموعة الاتجاهات المعيارية المركزية التي تتكون لدى الفرد في المواقف الاجتماعية

لذا قال علماء النفس الاجتماعي ان القيم هي:

- دافع من دوافع السلوك... والمعروف لدى المشتغلين في العلوم النفسية إن وراء كل سلوك دافع.

- هي مقياس أو معيار.. والمعايير هي التي نحكم من خلالها على سلوك الناس.

- هي مرجع للحكم على أنماط السلوك

- هي ميزان لتبرير الافعال

- القيم.. هي عملية تقويم.

* القيم تتغير وقابلة للتعديل لدى الجماعة التي يعيش فيها الفرد وينتمي لها بفعل الخبرة والاحتكاك الدائم.

* القيم تًكتسب من البيئة المحيطة بالفرد بفعل المسايرة والانصياع.

* الفرد يسعى دوما لإكتساب قيم جديدة من:

- جماعة المدرسة أو الكلية أو النادي.

- يكتسب الفرد من الجماعة الدينية أو الجماعة السياسية.. بمعنى الجماعة التي ينضم لعضويتها.

أما الاتجاهات "الاتجاه" فيرى علماء النفس الاجتماعي هي بمجموعها تشكل القيم.. وإن كانت القيم أكثر رسوخا في شخصية الفرد، لذا يقاس سلوك الفرد في أي مجتمع أولا باتجاهاته.. مثال على ذلك

- اتجاهات افراد المجتمع نحو تحرر المراة.. أو قبولها أو إبداء الرأي

- إتجاهات الفرد نحو التخلص من الافكار البالية والتخلف الديني في المجتمعات التي يسود فيها السلوك الديني كمعيار للحكم.

- إتجاهات الفرد نحو مشاركة المرأة في الحياة العامة والحياة السياسية

- إتجاهات الفرد نحو التخلص من افكار مثل سطوة المشعوذين والسحرة والكهنة الجدد..

- اتجاهات الفرد نحو التحرر من سطوة الاميين والساسة الذين ركبوا موجة التدين.

اتجاهات الفرد نحو التدين الوسواسي " مثل خرافات عذاب القبر، وخرافات وساوس الادعية والاعتقاد بالشفاء باللمس وغيرها..

كل هذه الاتجاهات التي يؤمن بها الفرد والجماعة.. بمجموعها تشكل قيم المجتمع..أي مجتمع كان

ويقول علماء النفس:

أن مجموعة الاراء المتكونة عبر تاريخ الفرد على مر الزمن نحو قضية ما، أو موضوع ما، إنما تًكونْ إتجاها، وهذا الاتجاه يَثبت بعد مدة من الزمن، وتترابط الاتجاهات المتقاربة لتكون في النهاية قيمة من القيم ومن مجموع هذه القيم تتكون شخصية الفرد، ويتفق معنا المشتغلين في العلوم النفسية أن شخصية الفرد هي تكوين فرضي نستدل عليها عن ما يصدر عنه من سلوك يبرز قيم الشخص فيكون الحكم.

الاتجاهات تعكس القيم

القيم تتغير وتتعدل بفعل الخبرة والتجربة والاحتكاك الثقافي

***

 دراسة علمية ميدانية اثبتت أن قيم الطلاب القدامى أقرب إلى قيم المدرسين من قيم الطلاب الجدد الذين يختلفون في قيمهم عن قيم المدرسين.

يقسم علماء النفس الاجتماعي القيم إلى ستة أنواع وهي :

- القيم الدينية

- القيم الإجتماعية

- القيم السياسية

- القيم الاقتصادية

- القيم النظرية الفلسفية والعلمية

- القيم الجمالية.. الفنون بأنواعها

نحاول الان أن نطرح تاثير الاعلام على القيم الفردية والجمعية..

اقصد هنا الاعلام بكل انواعه.. اشكاله

قديما كان التلفزيون والصحافة هي المسيطرة فقط، أما عالم اليوم فالاعلام أخذ أشكال وانواع من المؤثرات على المتلقي.. بل أصبح المتلقي هو الفاعل والمفعول به معا.. أقصد هنا.. هو ناقل الشائعة وهو ناقل الخبر.. هو المؤثر والمتأثر بالاعلام...

ومن هذه الوسائل المؤثرة :

- الفضائيات بمختلف اتجاهاتها

- الصحافة الورقية والاليكترونية

- الانترنيت بمختلف فعالياته ومواقعه الثقافية وغيرها

- صفحات التواصل الاجتماعي المتنوعة

سؤالنا هنا ما هو الهدف من ذلك ؟

ما هو عمل كل هذه الوسائل الاعلامية؟

لمن تستهدف هذه الجوقة الاعلامية ؟

إنها تستهدف... الإنسان، الفرد، الجماعة، المجتمع

هذا الكم الهائل من الاعلام الموجه.. يستهدف الإنسان.. الإنسان بماهو إنسان.. وليس جعل هذا الإنسان حقل تجارب.. واستطاع الاعلام الموجه أن يجعل الإنسان حقل تجارب.. تجارب للتطرف الديني.. خلق وساوس يومية.. خلق ضغوط حياتية مستمرة، وغير منتهية.. دوامة صراع وازمات، وبقدر ما قدم الاعلام الكثير من التسهيلات وحرية أبداء الرأي ونقل الافكار، كان التأثير السلبي موازي ومعادل وربما فاق الجانب الإيجابي. وعلمنا اساتذتنا في الطب النفسي بأن الطب يعرف عن المرض أكثر مما يعرف عن الصحة،. والان نعيد المقولة في هذا الموضوع بقولنا أن الاعلام يعرف عن الاستهداف للقيم أكثر مما يعرف عن الحيادية والموضوعية، وإن كان الامر أمر موضوعة وليست موضوعية لانها ضرب من الخيال، أو اللا واقعية.

***

عندما يختل هذا التوازن أو يضطرب تختل حركة المجتمع، تضطرب حركة التاريخ، ويختل توازن الفرد ذاته، توازنه النفسي والعقلي.. ولعلنا لا نبالغ كثيرا إذا ما نظرنا إلى إختلال حركة المجتمعات والتاريخ والافراد أيضا من هذه الزاوية.. أقصد زاوية استهداف الإنسان وتشكيله بالطريقة التي تخطط لها وسائل الاعلام والتوجيه والاستهداف لمجتمع ما، أو شعب ما، أو أقلية ما والادلة كثيرة ومتعددة في عالمنا المعاصر اليوم.. إبادة جماعية للايزيديين في شمال العراق، أو الشبك، أو أية أقلية في العالم.

أتخذ الاعلام وسائل متعددة للسيطرة على عقل الفرد وعقل الجماعة والعقل الجمعي من خلال :

- المسلسلات الاجنبية المدبلجة..التي أصبحت أمر واقع اليوم.. وما تبثه من سموم وتحاول تغيير إتجاهات الناس نحو قضية معينة وتهشيم القيم.. وتفتييت المجتمع بشكل سلس وتدريجي..

- مباريات كرة القدم واستنزاف قيم المجتمع بمصادرة العقول وتحويلها إلى سباق القمار والمشاركة به.. وأشغال ملايين الناس عن أهدافهم وطموحاتهم وتحويل أهتمامهم إلى امور تافهه..

- شد الفضائيات لعقل المتلقي ( وهذا ما نسميه بتخصصنا في موضوع السلوك الجمعي.. التلاعب بالعقل الجمعي) واشراكه في تفاصيل جزئية تافهة.. وبرامج فارغة المعنى واغواءه بالمشاركة بها من خلال منحه جزء من المال.. وصنع فيديوهات ومنح صاحبها مبالغ خيالية لكثرة المشاهدات.. ألم يكن هذا مستهدف لإشغال الناس بموضوعات تافهة ؟

- فضائيات الصراع الديني والمذهبي التي تشد من في نفسه مرض ومهيأ، وله استعداد نفسي.. وإلا ماذا نفسر ظاهرة تهجم هذه الفضائية على رموز دينية لدى مذهب معين " عائشة أنموذجا، الصحابة أنموذجا.. أو إستهداف نبي من قبل دين آخر والطعن بالكتب المقدسة.. ألم تكن هذه الفضائيات مدعومة ماليا وسياسيا لزراعة الفتنة والتفرقة بين الناس وتهديم قيمهم في المجتمعات..

- تأكيدها على المشاركة في فضائيات التفاهه مثل العلاجات الافتراضية عن طريق الادعية وعمل حجاب أو جلسة للرقية، أو التشبث بشخصيات جعلوا لها أضرحة ومقامات ونشروا عنها أكاذيب وجعلوها حقائق ومعجزات مثل فاكهة بنت الحسن، شريدة الهاشمية، أو العلوية زلاطة بنت الكاظم..الخ من تسميات، أو التشبث بالوهم المقدس.. الخ

***

نستطيع القول..

استطاع الاعلام الموجه نحو تفتيت وتشويه القيم إلى أن يحول الشعوب والمجتمعات لحقول تجارب.. ونجح في ذلك، بقدر ما نجح في تسهيل التعليم في زمن صعب، استطاع أن يقدم للبشرية أدوات لم تكن متاحة ومعروفة قبل أكثر من عقدين .

***

ماذا  يستهدف الاعلام بكل صنوفه؟ وما هو أساس مادته " بمعنى أدق عينته" ؟

أقصد هنا.. 

 الفضائيات، الاعلام الاليكتروني، السوشيال ميديا" الاعلام الاجتماعي، الواتساب والفيس بوك وغيرها ؟

يستهدف الشباب أولا من الذكور والاناث.. أعمار صغيرة وربما من (6) سنوات وصعودا.. إلى جيل الشباب.. من المراهقة إلى البلوغ.

وما هي مادته الاعلامية الموجهة : هي 

العنف، الجنس والاباحية، تسفيه حقوق المرأة وجعلوها حقوق جنسية.. أستهدف أيضا التدهور في العلاقات الإنسانية...

* * *

وجود الجنس... ووجود العنف /// هما طرفي الصراع الانساني

وهذين المتغيرين.. نقولها باللغة الاكاديمية

هما مادة الاعلام الاساسية.. هما المدخل لتغيير القيم وتغيير الاتجاهات

هما المدخل للاستعمار الجديد.. الاستعمار السياسي

هما المادة الخام لخلق القلق الدائم.. وهو القلق الهائم غير المحدد لجميع الاضطرابات النفسية والعقلية.. واللجوء إلى الانتحار لإنهاء معاناة الحياة.. تبدا من أولها

الادمان الاليكتروني.. الذي يعادل الادمان الكحولي لدى البعض.. والادمان على المخدرات

 وحالات الاغتراب رغم العيش في الوطن والتواصل بين الاصدقاء والاقارب والزملاء.. لكن الشعور باللاوجود.. باللا معنى للحياة.. نستعير هذا من الفكر الوجودي هذه المصطلحات ذات الدلالة الفاعلة... نفسيا وعقليا

كلما تدهورت القيم وتمزقت.. سيكون العيش في الفراع.. باللامعنى.. لا معنى للوجود.. وبلغة العارف بالنفس.. الوجود هناك ؟؟؟ وهي حالة الاختلال النفسي

ويعتقد البعض ممن ضاقت بهم سبل التكيف مع القيم المهشمة والسريعة التغير وضيق الأفق والطموح.. سيكون أمامهم طريقين أما :

- الانتحار.. ممن أمتلك الشجاعة وأنهى حياته.. والواقع أفضل مثال اليوم في معظم دول العالم الثالث.. كثرة حالات الانتحار.. أفراد أو أسر " أمرأة ترمي أبناءها في النهر، أو أب يقتل أبناءه وزوجته.. صحيح هناك أعراض لاضطراب الشيزوفرينيا..الفصام.. وهو اضطراب عقلي يفقد الإنسان عقله ويعيش الهلاوس والخيالات . فيقتل المقربين منه من أهله، وبعد إنتهاء نوبة الفصام يعود لرشده ولا يدري بما فعله من جريمة قتل..

- أو الهجرة واللجوء وسبل البحث عن الهروب.. الهروب إلى أغتراب جديد..

وكلاهما حل أعرج.. حل احسنهما مر..

ماذا يفعل الاعلام بالشعوب والمجتمعات؟

يستهدف قيمها أولا.. ثم يبدأ بالتهديم المنظم لكل القيم السائدة في المجتمع..

يستهدف التعليم..

 يستهدف الصحة..

يستهدف الاسرة وترابطها..

 يستهدف التنشئة الاجتماعية ومنها المدرسة، الاقران، علاقات الثقة بين الافراد في الشارع الواحد..بمعنى اضعاف صلة العلاقة بالجيران..

 يستهدف تشويه المؤسسات غير الحكومية مثل الجامع.. اظهار صورة رجل الدين الحيال، أو الكذاب، الوصولي، فاقد الاشباع النفسي، جائع للسلطة والمال.

أما الاعلام الموجه الذي يشوه الحقائق فهو

يستهدف المواطنة.. والهوية الوطنية للفرد.. خلق حالة من الضغوط الحياتية

ولو استعرضنا بعض تاثيرات الضغوط الحياتية فسنجد ما يلي:

الاعلام والضغوط الحياتية.. وهو العيش في دوامة قلق المستقبل " نقصد هنا بقلق المستقبل.. الهواجس الكثيرة بما سيحدث لنا في الغد.. المستقبل..دوامة القلق"

كيف يخلق الاعلام ضغوط مختلفة في حياة الناس؟

* خلق حالة من الوساوس المرضية لدى افراد الشعب الواحد

* خلق حالة الهيجان والانهيار النفسي

* يخلق الاعلام حالة من الانهاك النفسي الذي يثير الاكتئاب والهياج ومن أعراضه:

- استجابات للظروف بانها غير منتظمة، تتصف بالمبالغة في كل شيء

- يعطي الشخص المهتاج انطباعا سوداوي ولا توجد لديه قدرة على كبح افكاره لاحداث التوازن النفسي

- يسبب الاعلام الموجه على مجتمع ما أو شعب ما حالة انفعالية من التفريغ المفاجئ لانفعالات الفرد لا يستطيع السيطرة عليها، ويكون ذلك سلوك جمعي عند اغلب الناس ويتسم ذلك بردود الافعال السريعة غير المدروسة.. غير المتأنية

- يخلق الاعلام إنتشار الشائعات وهي جزء من الحرب النفسية.. والتي هي مادة الاعلام الموجه.

والضغوط أنواع منها

ضغوط العمل " بيئة العمل مشحونة بالاحقاد والمنافسة غير الشريفة، وإنتشار النميمة والغيبة ونقل الاقاويل بين العاملين..

ضغوط مادية "اقتصادية" " الكل يشتكي، من لديه مال وفير، ومن يشعر بالضائقة المالية، ومعظم افراد المجتمع لديه القدرة على العيش بسلاسة ورضا..

 ضغوط اجتماعية منها فقدان الثقة بين أفراد المجتمع الواحد.. بين الجيران.. وبين افراد الاسرة الواحدة..

ضغوط أسرية.. أشغال الاسرة بموضوعات غير مجدية تتعلق بالميراث، صراعات بين الابناء..الخ

ضغوط سياسية.. وهي نقل صراعات سياسي الدولة لافراد المجتمع وجعلهم في حالة قلق دائم، ونقل هذا الصراع أيضا إلى الاسرة.

وكل تلك الضغوط تؤدي إلى الضغوط النفسية، وهي المؤثرة في صحة الافراد واتزانهم النفسي الاجتماعي.

 

 د. اسعد الامارة

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم