صحيفة المثقف

علي الجنابي: جَوازُ عِتريس بَاطلٌ مِن فُؤادة ..

علي الجنابيخاص بجيل الطيبين:

هَمَسَ لخليلهِ خفيّاً لِيحاوِرَهُ عن حصادِ ما في دهرِهما وإرصاده..

إذ هما مُستَرخَيان على وريقاتِ خَريفِ العُمُرِ، ومُسترعِيان غرغرةَ غابةِ الصمتِ فيه وإمتداده..

وإذ صَيّرَت عَبَراتُهما من صرصراتِ الأيامِ فُرُشاً، ومن خرخراتها تَخَيَرتِ الوسادة..

وإذ حيَّرَت نَظَراتُهما سَبْتَ المُتَلَبِّدِ في تَأمِّلٍ، وكَبْتَ المُتَكَبِّدِ في تَحمُّلٍّ، وخَبْتَ المُتَعَبِّدِ في عبادة،

همسَ لِخِلِّهِ همساً مُتَأتَأً، فقال:

(أُفّ ياخَلّ ! قدِ إستَحضَرَ فؤادي “شيئاً من الخوفِ” فلبئسَ الخوفُ ولبئس قيودُ دُسُرهِ وأوتاده!

لا تَوجلْ ياخِلُّ! وإنّما أحَدِّثُكَ عن ”فِيلمٍ في سيلما” وما ضخَّهُ الفيلمُ ونضخَّهُ آنئذٍ في وجديَ من تمرُّدٍ وعناده !

فهَوِّن عليكَ وأهجرْ الخوف وأكفر بإرتعاده ! فما عادَ في ديارنا ميدانُ حربٍ ولا درعٌ ولاعتاده..

وماعاد فيها تبخترٌ لخطىً بعلوٍّ في عينِ دخيلٍ، ولا تمخترٌ لسعفٍ بسموٍّ في نخيلٍ وإعتداده.

أفَتذكرُ ياخِلُّ فيلم “جوازُ عتريس باطلٌ من فؤادة” ؟ فلَنِعمَ الفنُّ ذاك، ولنِعمَ الصنعةُ والإجادة..

فهلّا -يا خِلَّ- أولو بقيةٍ من وَجْدٍ يَزأرُ الآن بِعنفوانٍ ولا أبغي زيادة:

“لا هوانَ وجوازُ عتريسَ باطلٌ من فؤادة”؟

أفَترى الزئيرَ قد خَنَسَ في ضميرِ إبنِ الضادِ، وغطسَ في نكيرهِ وفَطَسَ في فُؤاده؟

أوَتَرى الصفيرَ قد طَمَسَ هديرَ شبلِ الضادِ، وكنَسَ سطرَ الإجادة والإفادة: “لاخنوعَ، فإمّا نصرٌ مبينٌ وإمّا شهادة”)؟

ردَّ عليهِ صاحبُهُ مسترخياً نبضُهُ وفؤاده:

(مهلاً وعلى رسلِكَ ياخِلّ! فلا خنسٌ ولا كنسٌ في أمّةِ عدنانَ وقريش والشام والقيروان، ثمَّ بغدادَ: مدادُ القلمِ ومنها كان رحيقه وإستزاده.

نحنُ -يا خِلّ- أمّةٌ بقرآنٍ مُعجِزٍ عَجَب، وبيانٍ موجزٍ وحسبٍ، ونسبٌ يعلو الإشادة.

أمّةٌ كفرت بالغرانيق، وظفرت ببيتٍ عتيقٍ، وروضةٍ ببريقٍ، وأقصىً عريق : ذلك تثليثُ السيادة؟

نحنُ -ياخِلُّ- أمّةٌ سَلَفُها اُسْدٌ وخَلَفُها أُورِثُوا رُشدَ الريادة، يرضعُ العرشَ لبناً ولايَتقَلّدُ إلا عِزَّتَهُ قِلادة.

أمةُ تأبى خُنوعاً وتَخشَاها الجَهالةُ والرَّمادة.

أمَّةٌ لا تَعرفُ همّاً ولاغمّاً ولاعجزاً ولاحجزاً أو بَلادة).

تَمتَمَ صاحبهُ وهو يحاورهُ، ثم غَمغَمَ بإنشاده:

( إذاً فماليَ -ياخِلّ- أرى أمّتي تتباهى بأمّةٍ “آرب تالنت” وزرعِهِ وحَصاده؟

أفَتظنُّ ياخِلُّ أنَّها رَكَنَتْ فَسَكَنَت إلى “عصابةِ توتو واللّمبيّ وحَمادة”؟

أوَما تَرى عِلمَها باتَ “شَخبط لخابيط” وإستمرأت لهوَهُ ولغوَهُ وفَسَادَه؟

أوَما تَرى شروقَها أضحَى كَسُرْوٍ مُتنططٍ يتقافز تيهاً بين الأمم، والسُروُ: إبنُ الجرادة؟

أوَما تَرى غُروبَها أمسى بلا نُكرانَ لتَدليكٍ بين ذُكرانٍ وإناثٍ, سواءً على الوِسادة؟

أما تراها قد إستَلطَفَت عباءةَ "شاهدٍ مشافشِ حاجة" لِتَتَغشّى بها من جورِ السلطانٍ، ولتَتَمشّى بها في ظلالِ حِياده)؟

  ردَّهُ صاحبُهُ بِإغتِياظٍ في نبضِهِ وإشتداده: 

(كلا ياخِلُّ كلا، فلا تَخاطبْها بعصابة توتو، ولا بسروٍ لجرادة، بل عِتَابُها:

” ألم يَأنِ لأمّتي أن تَعتَبِرَ من أممٍ فَقَدَت الحِكمَةَ والحُلمَ والقيّادة؟

من أمَّة نَحَتَت من الجَبلِ بَيتاً وقَصراً وعِمادَه، وإنْ بَطَشَت فجبَّارةً على الضعيفِ ظلماً تبغي أضطهادَه، فكانَت عاقبتُها صيحةً تَدميرٍ وإبادة.

ومن أمّةٍ زَنَت، ومَا زَنَت مِكيالَها تَرنو استزادَه، فأخذَتْها رجفةٌ دَمَّرَتِ حرثَها والنسلَ إلا فضاءً أو جَماده.

ومن أمّةٍ شَيَّدَتْ صرحاً إلى إلإلهِ تبغي إنتقاده، بخنوعِ قومٍ وبأياديه وبإنقيادِه، وكنزتْ كُنوزَاً وزينةً بِخُيَلاء ووهمٍ من سعادة..

فكانَ جَزاؤُها خَسْفاً أطاحَ بالنفسِ والدَّارِ فما كان من حَولٍ ولا إرادة، ثمّ قُطيْراتُ ماءٍ أَيبَسَتْ عُودَ مَعبودِهُمُ وأركسَتْ أجنَادَه).

خَمَدَ سعيرُ صاحبِهِ، ورمى عنهُ ثوبَ الحزنِ، وكفرَ بميقاتِ حِداده:

(أجل ياخِلُّ، صدقتَ، وذَيَّاكَ هو الغَضَبُ المَحذُورُ وذَيَّاكَ الذي..

لابأسَ يَرفعُهُ، لا صمودَ يَدفعُهُ، ولا تنفعُهُ ضمادة.

بيد أنيَ أوسوسُ وحسب : ألا من مُزَمجرٍ اليومَ ولو بفِيلمٍ، وأنا لن أبغي زيادة:

 “نحنٌ لن نستسلمَ، فنصرٌ مبين أو شهادة”، و”جوازُ القرد من الأقصى باطلٌ رغمَ قِيودِ الفكرِ وحيودِ فؤاده! أُفٍّ لكَ ياخِلُّ أُف! مالكَ عليَّ لاتَرُدُّ ولا تَحُفّ! وَاه، مُغرَمٌ أنتَ بثُعبانِ الغفوةِ على حين غفلةٍ ولا تبغي إفتقاده.

لا حرج عليكَ! نَمْ ياخِلُّ نَمْ، ودعْ شَخيرُكَ ليَ ليعزِفَ سمفونية "زواج فيغارو" أوعزفاً لسنطورٍ منفردٍ عنوانه:

“ خطابُ القهرِ وأنيابُ إضطهاده”.

تَحيةٌ منّي لزمانِ الطبيبين.

 

علي الجنابي - بغداد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم