صحيفة المثقف

عمرون علي: الدرس الخصوصي وفق المقاربة بالتنجيم وقراءة الكف

عمرون علي (فن اللعب بالبيضة والحجر)

بومة «منيرفا» لا تمدّ جناحيها للطيران إلا بعد أن يرخي الليل سدوله عبارة قالها الفيلسوف الألماني (فريدريك هيجل)، لقد كانت البومة عند الإغريق رمزا للحكمة والفلسفة، واليوم ساءت سمعتها عندنا، لقد تحوّلت إلى رمز للشؤم والخراب. تقف هناك فوق معبد كهنة وحراس الخرافة تردد نشيد الموت.

مدخل إشكالي

من سرق مالك فقد ظلمك، ومن سرق عقلك فقد قتلك. هكذا قيل في الأمثال، وهو قول له ما يبرره، على اعتبار ان المال يمكن استرداده وفي أسوء الأحوال سرقته خسارة فردية ذات طابع مادي. لكن في المقابل سرقة العقل جريمة ضد الإنسانية، واغتصاب بشع لحق طبيعي، هو حق الإنسان في التفكير. وأسوء ما في الأمر أن يخطط احدهم لسرقة عقلك ومالك معا، مع سبق الاصرار والترصد انه النصب والاحتيال في زمن الدروس الخصوصية، احتيال يتم التسويق له تحت مسميات عديدة وعناوين براقة (أربعة مقالات فلسفية محتملة لبكالوريا 2021 .تعلم الفرنسية والإنجليزية نطقا وكتابة في خمسة أيام. أسهل طريقة لحفظ التاريخ والجغرافيا في ثلاثة أيام.. دورة الاتقان والتميز رياضيات فيزياء علوم الطبيعة والحياة في شهر....) عبارات يتم التسويق لها بملصقات ملونة عبر الوسائط الإعلامية وعلى الجدران في المتاجر والمقاهي والساحات العمومية.

هو فن التدريس في زمن التدليس والتلبيس، زمن اللعب بالبيضة والحجر، ورحم الله الفنان أحمد زكي الذي جسد هذا الدور بإتقان يفتقده من يلبسون عباءة الشيخ والدكتور والمدرب العالمي ومئزر الأستاذ الذكي.... وغيرها من الالقاب التي تسوق لثقافة استهلاكية تلبس التلميذ ثوب المتفوق شكلا وتفرغه من كل مضمون فكري، تسوق لوعود وهمية، ثقافة تفنن اصحابها في طرق التعليب والتغليف والتسويق، لإثارة غريزة التميز لدى التلميذ الكسول وحب التفوق عند المتعلم الفاشل، والعزف على وتر العقد والمكبوتات لدى كل راسب، و عبر اعلانات ملونة يغلب عليها طابع الإغراء يفوق اغراء الليبدو. وفي سوق تزاحمت فيها الأجساد وغيبت العقول تفنن باعة الأوهام والاحلام في عرض بضائعهم ،وعلى خشبة مسرح التهريج تعالت صيحات هؤلاء (الأماكن محدودة، احجز مقعدك من الان، يمكنك استرجاع نقودك اذا لم تستفد من اول حصة.....) ومع نهاية كل عرض ترتسم ابتسامة ماكرة خادعة على وجوه هؤلاء الباعة (ان لم تنجح هذا العام اعلم ان نجاحك مؤجل لعام اخر)

وهكذا لم يعد في سوق الدروس الخصوصية سؤال ما لفلسفة؟ يثير قلق المعلم والمتعلم، ففي عصر المقالات المعلبة والاسئلة السطحية النمطية، التي يعاد استنساخها كل موسم دراسي وفق طريقة قص لصق. ووضع اسم الأستاذ بالطول والعرض والتحذير من إعادة استنساخ المقالة المعجزة .فقدت الفلسفة بريقها وأصبح النفور من دراستها سمة ملازمة لتلاميذ المرحلة الثانوية في المؤسسات العمومية . وفي ظل غياب الرغبة والاستعداد والقدرة على دراسة الفلسفة وتدريسها حول بعض مدرسي الفلسفة وفق منهج سفسطائي حصة الدرس الفلسفي إلى ما يشبه التمثيلية في بعدها الدرامي على طريقة المسلسلات الهندية والتركية، فهنا استاذ يعتقد ان الحل في كراسه المستنسخ من اللوح المحفوظ، وهناك مدرس فلسفة يتفنن في بيع التمائم والحروز بأسلوب غبي يثير سخرية كل عاقل يمدح مقاله(يرقص يقفز يصرخ يقسم) بانه قادر بما يقترحه من مقالات، على جلب بركة النجاح وأنه بخبرته قادر على فك عقدة الرسوب وبعلمه الرباني يمكنه ان يحول اي تلميذ من وضع الاخفاق إلى الفشل، وبطريقة الدون كيشوت الذي امتطى فرسا هزيلا يشبه البغل وبدأ بالتجوال في القرى والأرياف بحثا عن المغامرات، وطلبا للمعارك التي تهدف لبسط العدل وتخليص المجتمع من الأشرار. يرفع ذلك الأستاذ المريض بالهلاوس العلامة الفهامة، سيفه ويعلن الحرب على كل من يخالفه الرأي. يؤكد لطالبي بركته ان غيره من أساتذة المادة لا يمكنهم النظر ابعد منه فشهرته تجاوزت حدود البلاد وعبقرتيه لم تعد خافية على العباد ويقسم لهم ان المسألة تتعلق بالغيرة والحسد وكيف لا و هو الذي انزل الفلسفة من السماء الى الأرض ....

تحليل إشكالي

لقد كنت شاهدا على موقف يمكن تسميته بؤس الفلسفة من خلال معايشة اليوم الاخير من امتحان شهادة البكالوريا 2020 في الجزائر، وتحديدا مادة الفلسفة للشعب التقنية والعلمية هنا في مدينة المسيلة وتحديدا بأحد مراكز إجراء امتحان البكالوريا، بحكم المهمة التي كلفت بها.لاحظت كيف يتعامل اغلب التلاميذ بطريقة ساذجة مع امتحان الفلسفة، فهذا يحكي لزميله ان الأسئلة ستكون محصورة بين أصل المفاهيم الرياضية والبيولوجيا وهي عناصر تمثل حوالي 05 بالمئة من المقرر، وان هذه هي المقترحات المتداولة والاكيدة للشعب التقنية والتي رشحها العلامة فلان، واخر اخرج من جيبه ورقة وضعها على طاولته وشرع في ترديدها على طريقة الكتاتيب قبل توزيع أسئلة الامتحان تضمنت جملا ثابتة نمطية مستهلكة،وفراغات مع إرشادات لكيفية توظيفها،على اعتبار انها وصفة سحرية جاهزة لتحليل النص الفلسفي، وهي في اعتقاده صالحة لكل النصوص. سحبتها منه بلطف واتجهت الى سؤال احد المترشحين عن مدى استعداده لامتحان الفلسفة اجابني بنبرة وثوقية وبدون تردد ان مقالة اصل المفاهيم الرياضية كافية هكذا اخبره استاذ الدروس الخصوصية وانه في اسوء الحالات يمكن حفظ مقالة البيولوجيا من باب الاحتياط. مرت الدقائق في جو من الترقب والتوتر، وبمجرد توزيع أسئلة الامتحان والنظر في مواضيعها الثلاث وتقليب ورقة الامتحان عدة مرات،ورغم علامات الحيرة والارتباك والخيبة المرسومة على وجوهم اسرع اغلب التلاميذ بعد دقائق معدودة إلى الموضوع الثالث رغبة منهم في التخلص من هذا الامتحان الكئيب ولو بإعادة كتابة النص او استنساخ تلك الجمل الجاهزة المكررة المتداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي.

أمام بشاعة هذا المنظر دخلت بطريقة لاشعورية في حوار مع ذاتي، تساءلت من الذي أنزل الفلسفة إلى هذا الوضع المهين، لماذا الإصرار على اغتيال الفلسفة التي كان من المفروض انها تحررنا من عقال العرف والتقاليد؟ ولماذا هذا العقوق ؟لماذا حولها من ينتسبون إليها إلى أداة لهدم القيم العليا وقتل كل ماهو جميل؟ وهل قدر التلميذ ان يتحول إلى رهينة في يد سماسرة الفكر يكبلونه بقيود الخرافة والتفكير السطحي الساذج يبيعون له الأوهام دون خجل او حياء؟

لقد حول هؤلاء بحسن او سوء نية الفلسفة إلى جسر يعبر من خلاله التلميذ إلى عالم افتراضي مزين بأحلام وردية وبوعود تفنن اصحابها في تغليفها وتعليبها وتسويقها وفق لغة تستمد مرجعتيها من الكذب والخديعة والاغراء وعود كاذبة سرعان ما يستيقظ منه التلميذ على وقع كوابيس مفزعة.

وهكذا وجدت نفسي وانا اتأمل وجوه هؤلاء التلاميذ أردد في صمت عبارة برتراند راسل: "ان الذي ليس له حظ من الفلسفة يمضي في حياته أسير أحكام استمدها من البداهة العامة المشاعة ومما درج عليه اهل قومه وعصره .. فيظهر له العالم واضحا جليا بحيث لا تثير فيه الأشياء أي سؤال"

آه ثم آه ثم آه.. لو قدر لبرتراند راسل ان يعيش مدرسا للفلسفة بيننا المؤكد انه سيعيد النظر في تعداد اسباب النفور من دراسة الفلسفة وفعل التفلسف . ولو قدر لابن رشد مثلا التواجد بيننا انني اجزم انه سيعيد النظر في تصنيف الناس وفي تحديد من يحرم عليه دراسة وتدريس الفلسفة.. ماذا لو عاد الفلاسفة هذا المساء.. هنا توقفت عن ممارسة فعل التخيل لأنني أدركت ان زمن التفكير المباح قد انتهى وانني أصبحت اعيش حالة من الهذيان و الانهيار جسدا وروحا .

ومن حسن حظي انه لم يكد يمضي نصف مدة الامتحان حتى دفع كل التلاميذ بأوراقهم شبه الفارغة في مشهد درامي. بعد إتمام الإجراءات الإدارية أسرعت إلى مركز اخر لشعبة العلوم التجريبية هنالك حيث تجتاز ابنتي امتحان الفلسفة من أجل مرافقتها إلى البيت، التقيت قرب مركز الامتحان بتلميذين سألتهما عن المواضيع التي وردت في امتحان الفلسفة وعن إمكانية منحي ورقة الاختبار، فكان الجواب انهما مزقا الاسئلة لأنها جاءت مخالفة للتوقعات المتداولة،أخبرني أحدهم انه من المفروض كانت تأتي مقالات محور الرياضيات وتحديدا اصل المفاهيم الرياضية وومقالتي البيولوجيا وقيمة الفلسفة هكذا اخبرهم استاذ الدروس الخصوصية وأضاف بسخرية للأسف لقد خدعنا...

عدت إلى سيارتي متعبا في انتظار ابنتي وتساءلت في قرارة نفسي من الذي سمح لهؤلاء بخصخصة الفلسفة وتحويلها إلى ملكية خاصة اهو البحث عن تحسين الدخل المادي ولو على حساب الضمير ام...؟ وليسمح لي هنا المرحوم مالك بن نبي من استعارة مقولته وتحويرها :"ان العلم بدون ضمير خراب الروح وتدريس الفلسفة بدون اخلاق خراب المجتمع" الاستاذ الذي ينزل من سماء القيم والمثل العليا إلى دنيا فانية يبيع فيها المبادئ بدراهم معدودات مثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث..

واليوم لم يعد سوق الدروس الخصوصية حكرا على أم العلوم بعدما تمرد الأبناء على الام فتعلم سحر التفوق في تقديم الدروس الخصوصية في ظل نظام التفاهة أصبح مباحا في زمن أكذب ثم أكذب زمن الصفحات والقنوات الملونة وفق قاعدة كلما زاد عدد المعجبين يكون التأثير اسرع وأسهل فالدرس الخصوصي هو ابن الكذب ولد عندما أصبح كل من هب ودب مدرسا قادرا على اصطياد الباحثين عن النجاح المزيف.

في ظل الدرس الخصوصي المميع لم يعد للتاريخ مقعدا بين سائر العلوم، بعد أن تحول تدريسه إلى اباطيل وخدع يدبرها المعلم للمتعلم، للإيقاع به في شباكه خاصة مع أصحاب البرمجة العصبية وحفظ مقرر التاريخ في أسبوع .بل الجغرافيا تغيرت معالمها وتم اختزالها في اتقان فن التعليم على الخريطة وهي مهمة لا يتقنها الا العلامة والفهامة الأستاذ فلان بن فلتان بن علان، و تم تقزيم أسئلة التاريخ والجغرافيا في اسئلة مكررة وأرقام تفتقر إلى الدقة واحيانا إحصاءات محنطة هي خبر من اخبار التاريخ .

اتقان قواعد اللغة العربية او الأجنبية لم يعد من أساسيات التعلم في زمن تحدث كما تشاء وبالطريقة التي تشاء زمن مدارس اللغات، حتى الشريعة أصبحت لها أسهم في بورصة أسواق الدروس الخصوصية ولم يعد يهتم بعض أساتذة الشريعة بقيم الانضباط في السلوك والنهي عن المنكر في القول او الفعل مادام هناك من يرغب في تلقي دروس فردية خصوصية في مقرر الشريعة فقبل وبعد العشاء يمكنك ان تفعل ما تشاء مادام النجاح ممكنا بالرقية. ورغم ان اغلب المواد العلمية تم افراغها من مضمونه العلمي وصارت أقرب الى مواد الحفظ الا ان أسعارها في ارتفاع في بورصة الدرس الخصوصي بعدما أضحت اقسام المدارس العمومية فارغة ومفرغة من التلاميذ واحيانا من الأساتذة فلم يعد الأستاذ يشعر بالحرج او الخجل في التغيب عن الثانوية مثلا للتفرغ للدروس المربحة . وما يثير السخرية حقا ان البكالوريا أضحت ممكنة في زمن الكورونا او كما قال السلطان عاشور العاشر حق للجميع.

محاولة للنقد والتقييم والتقويم

بالعودة الى فيلم اللعب بالبيضة والحجر يمكن الوقوف عند مشاهد حاولت تفكيك ظاهرة الانسياق نحو التفكير الخرافي او التفكير العشوائي من خلال مقاربة سيكولوجية وطرح واقعي فطوال مدة الفيلم كان "أحمد زكى" أستاذ الفلسفة الذي تحول من مثقف نقدي الى مثقف انتهازي يشرح فلسفته التى عمل وفقها فلسفة تقوم على استغلال خوف الناس من المجهول والسيطرة عليهم فى لحظات الضعف التى يمرون بها انطلاقا من قاعدة (الدجل هو اللعب الذكي بآمال ورغبات الناس) و(النفس خلقت مطيعة للأوهام).

في اعتقادي ان السبب هنا واضح سواء تعلق الامر بالمدرس ام المتمدرس حيث العامل النفسي المتمثل في مخادعات اللاشعور والخوف من رؤية الحقيقة هو المتغير المتحكم في هذه الظاهرة . فالتلميذ من جهة عاجز عن الارتقاء بفكره ولغته الى مستوى الإشكاليات التي يطرحها برنامج الفلسفة مثلا – وينطبق الامر على باقي المواد الدراسية - ومن جهة أخرى التلميذ تحول الى رهينة فهو لا يرغب ولايهتم ولايريد على اعتبار انه سجين ثقافة استهلاكية تروج للتفكير العشوائي واشباع الرغبات المادية و للفعل السهل وعدم بذل الجهد من منطلق انه يمكن ان نحصل على ما نريد في أي وقت نريد .

يقول كيفين دوتون مؤلف كتاب "الإقناع في أقل من ثانية" : الفن القديم والعلم الجديد للعقول المتغيرة" (Split-Second Persuasion: The Ancient Art and New Science of Changing Minds): "لقد شاركت مرة في حفلة رأس السنة الجديدة، وأراد ابن المضيفة البالغ من العمر سبع سنوات أن يبقى مستيقظاً لوقت متأخر، قالت له والدته: ‘أنت تعرف ماذا يحدث عندما لا تذهب إلى الفراش في الوقت المحدد. تستيقظ في وقت متأخر وتكون حاد المزاج وسريع الانفعال‘، فأجابها الولد: ‘حسناً، أنت لا تريدني أن أجري في الصباح الباكر من حولك عندما تكوني مستلقيةً على السرير في محاولة للتعافي من الصداع، أليس كذلك؟‘ وهكذا اسقط الطفل بعفويته امه في شباعه من حيث النبش في رغباتها وهذا بالضبط ما يفعله بعض مدرسي الفلسفة انت لاتستطيع ان تدرس مقرر الفلسفة يمكن اذا الاعتماد على مقالات محتملة متوقعة مرشحة ... سميها كما شئت فالاهم وفق هذه المخادعة ان هناك تاثير إيجابي يمنحه التفكير الخرافي للتلميذ يولد عنده الشعور بالأمان والثقة وتحويل الى فريسة او رهينة في احسن الأحوال.

ومن الأسباب أيضا غياب التفكير النقدي العقلاني الفعال وقد ورد في كتاب “التفكير النقدي كأداة لحل مشكلات العمل و الحياة الخاصة”، تأليف ريشارد بول و ليندا ايلدر ان التفكير على المدى القصير هو الذي يسمح بحلول ترقيعيه فقط وهو في الغالب القاعدة المسيطرة في أيامنا هذه لان السلطة بيد أصحاب العقول الصغيرة ولان التفكير النقدي ليس له قيمة اجتماعية ومن خلال تقسيم العقل الى قسمين يمكن فهم هذه الظاهرة فهناكالعقل المنضبط (التفكير النقدي) ومن خصائصه [النزاهة الفكرية – التواضع الفكري- الاستقلال الفكري – حس العدل الفكري- المواضبة الفكرية –الشجاعة الفكرية – الانصاف والنزاهة – ثقة النفس في قدرة العقل ]و العقل غير المنضبط (التفكير العشوائي) ويتصف بالخصائص التالية [ الاجحاف الفكري – الكسل الفكري – النفاق الفكري – العجرفة الفكرية – الإمعية الفكرية - الجبن الفكري – التمركز حول الذات الفكري – الشك في العقل – تجاهل الانصاف الفكري] وتحديد بعض هذه المفاهيم يسمح بتحليل أسباب التفكير العشوائي وعوامل التفكير النقدي فالانصاف هو التعامل مع مختلف الآراء على قدم المساواة دون ربطها بالمشاعر الشخصية او المصالح الانانية والتجرد من الاحكام المسبقة وعكسه هو التمركز حول الذات الفكري .والتواضع الفكري هو وعي بحدود معرفتنا ومدى حجم جهلنا ووعي بميولنا غير المتوازنة وبامكانية ان نخدع انفسنا وتجنب امتداح النفس ونقيضه هوالعجرفة الفكرية اما الشجاعة الفكرية فهي الوعي بالحاجة الى مواجهة الأفكار والمعتقدات والاراء المنبوذة لان الناس في حاجة الى ان يكونوا نزهاء الا ان ضريبة مواجهة الراي العام قد تكون مكلفة ونقيضه هو الجبن الفكري والتعاطف هو الوعي بالحاجة الى ان نكون مكان الاخرين من اجل فهمهم فهما حقيقيا وان نتمثل بدقة اراء وأساليب الاخرين في التفكير وعكسه هو التمركز حول الذات الفكري .والنزاهة الفكرية تعني التحلي بالامانة في التفكير والتقيد بنفس المعايير في البرهنة والمحاجة والتي نطالب بها الاخرين ونريد ان يتقيد بها خصومنا. وعكسها النفاق الفكري والمقصود بالمثابرة الفكرية الاستعداد لمواصلة البحث رغم الإحباط خاصة وان بعض المشكلات الفكرية هي غاية في التعقييد انه سلوك عقلاني ونقيضها الكسل الفكري.

الخاتمة

التلاعب بعقول التلاميذ جريمة أخلاقية وجناية قانونية تستوجب محاسبة وعقوبات صارمة ويمكن القول كتخريج عام انه عندما تختزل الفلسفة في مجرد توقعات معناه اننا تجردنا من كل اعتبار منطقي وبيداغوجي وحكمنا على أنفسنا بموت الضمير ومن ثمة موت الإنسان فينا وعندما يكون الهدف هو النجاح في شهادة فقدت قيمتها العلمية محليا ودوليا نكون قد اسسنا لمجتمع الكذب والمظاهر الخداعة مجتمع يدوس على القيم الأخلاقية والروحية يغلب الوسيلة على الغاية والحقيقة فيه غائبة :" فويل للعالم إذا انحرف المتعلمون وتبهيظ المثقفون"

انه لا مخرج من هذا المأزق الا من خلال إعادة بناء الانسان بناء التفكير النقدي الذي من خصائصه الثقة في دور العقل وإعطاء الحرية المطلقة لملكة التحليل والمحاكمة لملكة النقد والخيال المبدع ولا مخرج من هذا الوضع المخجل الا بتشجيع الناس على تطوير عقولهم وفق اليات منطقية واضحة ودقيقة وبناء استدلالات صحيحة والاصغاء الى صوت الضمير . يمكن ان تتحقق هذه المعادلة عندما لا لاي سلطة التحكم فينا الا سلطة القانون الأخلاقي والمدني وعدم قبول أي راي دون نقد يمكن ان تتحقق هذه المعادلة عندما نحطم الصنم ونؤمن بالفكرة عندما نتحرر من وهم الكم ونبحث عن الكيف . المخرج هو التأسيس لثقافة التقييم والتقويم ثقافة المساءلة والمحاسبة.

 

عمرون علي - أستاذ الفلسفة

المسيلة – الجزائر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم