صحيفة المثقف

بكر السباتين: الرمال المتحركة بين تفاهمات حماس وتيار دحلان

بكر السباتينالمنتظرة وبراغماتية عدم اليقين

تناقلت مواقع إخباريّة فلسطينية وعربيّة مؤخّراً أنباءً عن وجود تقارب بين التيّار الإصلاحي الذي يقوده محمد دحلان المقيم في الإمارات وصاحب الأجندة المتصهينة والمفصول من حركة فتح بدعوى الفساد (وهذا ليس خافياً على أحد)، وحركة المقاومة الإسلاميّة حماس التي تقود تيار المقاومة الذي يتربص به العدو الإسرائيلي وعملاؤه جهاراً نهارا.

فهل تستقطب حماس الغاضبين من فتح وتكوّن "كتلة انتخابيّة تاريخية" ولو من باب المناورة؟ أم أنه منزلق سيعرض مصير المقاومة للخطر! فيشرذم رفاق السلاح ويبدد جهودهم النضالية!

ما يحصل الآن في المشهد الفلسطيني من تناقضات مبهمة يخضع مفهوم السياسة لتأويلات تتنافى مع منطق الأشياء لشدة غرابتها.. إذْ يعتبر محللون أن التقارب بين الضدّين الفلسطينيين ما هو إلا خلط أوراق تسعى ما تسمى ب"إسرائيل" من خلاله إلى إضعاف القضية الفلسطينية بتعميق الخلافات بين الفصائل وإضعاف حماس التي تمثل المقاومة من خلال تأمين الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في غزة المحاصرة، وتوفير كافة الخدمات للمواطنين.. ومن ثم تحويل الحصار المفروض على غزة إلى انفراج مشروط.. وبالتالي تهميش واجب المقاومة لصالح النمو الاقتصادي (المشوه) في القطاع ذي البنية الهشة، ما سوف يؤدي إلى خلق شعور متنامي باتجاه الحرص على المكتسبات المادية وتحقيق الرفاهية، يقوم على التغاضي عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين اوالتعامل مع ذلك كأمر واقع؛ ولو أدى الأمر بالفلسطينيين في القطاع إلى اعتبار سلاح المقاومة عبئاً يستوجب التخلص منه.. وبالتالي ترسيخ ذلك في الوعي الفلسطيني المغبون.. وهو منتهى ما يسعى إليه العدو الإسرائيلي وعملائه.

فالحكومة الإسرائيلية تراقب عن كثب مجريات هذا "التقارب!" بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ودحلان، والتفاهمات بين مصر وحماس حول قطاع غزة وتضع الشيطان في التفاصيل كي يعربد في النتائج.

وتأكيداً على ذلك، قال الباحث في الشؤون الإسرائيلية، أنطوان شلحت في وقت سابق (الجزيرة نت) "إن خيارات تل أبيب وهي ترصد التقارب بين غزة والقاهرة هو إبقاء الوضع على ما هو عليه ما دام أن هذا التقارب يعزز الانقسام الفلسطيني ويحول دون تصعيد الوضع الأمني ضد إسرائيل". مشيراً إلى أن الرعاية المصرية لأي اتفاق بين الفصائل الفلسطينية لا تبعث على القلق لثقة تل أبيب بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كونه يرعى المصالح الإسرائيلية باقتدار.

وفي السياق ذاته يضعنا المتخصص في الشؤون العربية والفلسطينية، الإسرائيلي يواف شطيرن أمام الحقيقة بوضوح، قائلاً في وقت سابق بأن التقارب بين حماس والتيار الدحلاني إنما جاء "لتخفيف الحصار عن غزة، ويهدف إلى محاصرة حماس وسلاح المقاومة الفلسطينية، وهي خيارات وبدائل لطالما طرحتها وأعلنت عنها إسرائيل، وقد يكون ضمن تسوية إقليمية لتعزيز الحلف بين تل أبيب والدول السنية المعتدلة وصفقة سياسية للرئيس الأميركي (السابق) دونالد ترامب، يكون دحلان جزءاً منها على حساب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وفصائل المقاومة، حيث إن إسرائيل لن تكون بالجانب الخاسر مهما كانت ملامح وتداعيات هذا التقارب".

من جهته.. السفير الأمريكي في تل أبيب ديفيد فريدمان قال أواخر عام 2020 إن "واشنطن تدرس استبدال عباس بدحلان".. وهي سياسة أمريكية يبدو أنها بدأت تأخذ طابعاً عملياً في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن خلافاً لما كان متوقعاً منه حيث لم يفرض موقفاً يتنافى مع هذا التوجه الخاص بالشأن الفلسطيني الداخلي ويتوافق صمت بايدن بالصمت الإسرائيلي المثير للريبة والاستهجان.. وفي أتون السباق نحو الانتخابات الفلسطينية العامة المقبلة تقترب نتائج المقاربات بين الخصمين الفلسطينيين وفق الرؤية الإسرائيلية ولو جاءت على حساب وحدة الصف الفلسطيني.

وفي السياق ذاته، يرى الدحلانيون بأن الانتخابات الفلسطينية العامة، خاصة التشريعية في مايو المقبل قد تكون الفرصة المتاحة لاستحواذ التيار الدحلاني على الشرعية كقيادة بديلة لكل من حماس وسلطة أبو مازن، وعلى هذا الأساس تمارس الدول العربية المتحالفة مع الاحتلال الإسرائيلي ضغوطاً حثيثة في هذا الاتجاه.. وفق "خطة وضعتها تلك الدول وبموافقة إسرائيلية من أجل تنصيب دحلان بديلاً لعباس على رأس السلطة الفلسطينية" كما جاء في تقرير نشره الصحفي البريطاني ديفيد هيرست عام 2016 في موقع "ميدل إيست آي".

وعليه فإن مبلغ الريبة يكمن في التقارب المبهم بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تحكم قطاع غزة بالتعاون مع حركات المقاومة الفلسطينية الأخرى، المتبنية لخيار المقاومة المدعوم من قبل إيران (العدو اللدود للاحتلال الإسرائيلي)، الطرف الفلسطيني الوحيد الذي يمتلك ترسانة فاعلة من الصواريخ الباليستية الفاعلة، مع القيادي المفصول من فتح، محمد دحلان الذي تلاحقه قضايا فساد، والعمالة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، حتى قيل بأنه محراك الشر في الساحة الفلسطينية.. الأمر الذي يحرك جملة من الأسئلة المثيرة حول إمكانية اجتماع الضدين وتوافقهما! على قاعدة تقاسم النفوذ في منطقة مكشوفة وعلى الرمال المتحركة.. ترجمة لمفهوم"السياسة البراغماتية" الأقرب إلى الواقع العملي و"كيفية توزيع القوة والنفوذ ضمن مجتمع ما أو نظام معين". أي أن قضية فلسطين تحولت إلى صراع على كعكة مسمومة.

وفي الحقيقة أنها تمثل لعبة قمار يمارسها العميان في الغرف المغلقة أو يقوم بها الأصحاء في العتمة بعيداً عن الشفافية.. وكأن السياسة التي حشرها اليأس في رؤوس القادة الفلسطينيين هي "فن الممكن" القائم على مبدأ ميكافللي في أن "الغاية تبرر الوسيلة" ولو دفعت الشعوب ثمن مخرجاتها الضبابية التي تعوم في بحر من الأكاذيب.. وإلا فكيف تتوافق رؤية المقاومة المشروعة مع أجندة العملاء الذين يتاجرون بحقوق الفلسطينيين! هذا سؤال مطروح على من يحكم قطاع غزة ممن لا نزال نكن لهم كل التقدير لتوجهاتهم السيادية القائمة على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي... وكلنا يعلم بأن دحلان هو حصان طروادة بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي فهل تنطلي الحيلة على حماس وكأنه العمى قد غشى عقولهم في غرفة مغلقة! وهل يختلف الحال عن الأصحاء حينما يداهمهم الظلام وهم ضيوف على موائد اللئام!

ما زلت على صعيد شخصي غير مصدق للخبر أعلاه وما كتبت مقالي هذا إلا لدق ناقوس الخطر الداهم.

 

بقلم بكر السباتين

24مارس 2021

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم