صحيفة المثقف

لا تحيق الشماتة إلا بأصحابها!

حميد طولستما كاد يعْلَن عن وفاة الكاتبة المتمردة والمناضلة النسوية المشاكسة المصرية، الدكتورة "نوال السعداوي" -التي أدعو لها بالرحمة والمغفرة، كما علمني ديني، وأمرني به ربني، وأرشدني إليه نبيي صلى الله عليه وسلم - حتى غصت صفحات التواصل الاجتماعي بعبارات التشفي والشماتة وأحاديث الدم والقدح  في أبرز وأعند المدافعين عن حقوق المرأة بعد قاسم أمين أعظم وأشهر مفكري الرجال نصرةً لقضايا المرأة في هذا العصر، وذلك ضدا في كل تعاليم وأخلاقيات الإسلام التي تحض على عدم تناول الميت بالسوء، الذي يصبح بعد الموت لا يملك من أمر الدفاع عن نفسه شيئاً، مصداقا للحديث النبوي الشريف: "اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِئهِمْ"، وحديث :" لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك" لما في خصلة التشفي من مخالفة للأخلاق الإنسانية والدينية.

وما رحيل هذه الأنثى العظيمة غير العادية في أعظم يوم أنثوي بالتاريخ البشري من أكثر الشهور قُربا للمرأة، الذي يحتفى فيه باليوم العالمي للمرأة، ويوم الأم ويوم السعادة، وبأجمل وأفضل فصول السنة، إلا مكافأة من القدر لها على نضالاتها التاريخية ضد قيم وأعراف وتقاليد مجتمع متخلف، ونكاية من نفس القدر في كل الشيوخ والدعاة الذكوريين الشامتين الشتامين، الذين يحرضون على معاملة المرأة كما تعامل الجارية، وبخسها حقوقها باسم الأديان .

ولاشك أن تلك هي مأثرة المفكرين الكبار وصانعي الظواهر الفكرية والنضالية، الذين يرحلون ولا يموتون ويبقون بين الناس لاستكمال حياتهم من خلال إرثهم الذي يتطوّر عبر الزمن ومجرياته ومتغيراته، رغما في الشامتين المتعصبين للظلامية و الجَهل، كما هو حال نوال السعدواي التي ستبقى بيننا في مؤلفاتها المثيرة للجدل والمحرّكة للفكر والمثيرة للنقاش -والتي زادت على الأربعين- حول من كانوا – ولا زالوا – يُرهبون كل مدافع عن حق المرأة بتهم الإلحاد والتحلل من الأخلاق والفضيلة، وباقي الاتهامات السارية على ألسنة خفافيش الظلام، الذي لم تضعف السعداوي أو تخِرّ أمام جبروت شرائعهم المتخلفة، التي لم تفلح في ضحد حججها القوية والصريحة والجريئة المتعلقة بقضية حقوق المرأة، الأمر الذي اعتبروه اعتراضا وطعنا صريحا في علمهم الديني - الذي يعيشون وهم كونهم أكثر عناصر المجتمع تمسكا به، وأعرفهم بما يريد الله ويرضاه للبشرية - الذي كان لنوال السعداوي فيه مواقف صعبة وآراء صادمة وصرخة أنثوية مدوية أطلقتها بشجاعة نادرة في فضاءاته الذكورية، شارحة ومحللة قضية المرأة للمجتمع، ومقرّبة للعامة مظلوميتها -التي لا ترضي الله سبحانه وتعالى - النابعة من جهل الفقهاء والشيوخ بطباع المرأة ونفسيتها ..

فإذا كانت أفكار السعداوي الملهمة وإسهاماتها في الحركة النسوية الاستثنائية، ونضالاتها الشحاعة المتواصلة وكفاحاتها الممتد محلياً وإقليمياً وعالمياً  لأكثر من 70 عاما، قد جعلت منها اسماً مرموقاً في عالم الفكر والثقافة والأدب وعلوم الدين والجنس والسياسة، ورمزاً للحركة النسوية في العالم العربي، فإن ذلك أكسبها في الوقت نفسه الكثير من الأعداء، وعلى وجه الخصوص من التيارات الدينية، التي جعلت المجتمع ينقم عليها بتحريض مباشر من رجال الدين، وجعلها تواجه عشرات القضايا بسبب ما وصفوه بأنه ازدراء للأديان وتطاول على الإسلام وتحقير للذات الإلهية، إلى درجة المطالبة بالتفريق بينها وبين زوجها، التكالب الذي حرمها من أي تكريم مناسب في بلدها، عكس ما نالته من تكريم دولي وحفاوة في الأوساط العالمية التي منحتها عشرات الدرجات العلمية الشرفية من جامعات مختلفة حول العالم ، والتي توجت باختارت مجلة «تايم» الأمريكية لها ضمن أهم 100 امرأة في العالم على مدار القرن الماضى.

لقد رحلت السعداوي ولم يعد بيننا وبينها الا الدعاء، والتوسل لله بعظيم كرمه أن يرحم روحها التي صعدت اليه، وينظر إليها بعين لطفه وكرمه، فقد عانت  أشد المعاناة مع الشامتين الذين ارجو أن يغفر لهم جهلهم بتعاليم دين الله العظيم وسماحته، وإن الله لمجيب للدعاء .

 

حميد طولست

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم