صحيفة المثقف

يسري عبد الغني: التسامح الغامض

يسري عبد الغنيفي كلّ حقبة وعصر كانت توجد في العالم الإسلامي جماعات إرهابية. ففي القرن الثاني عشر شكّل الحشاشون واحدة من هذه الجماعات الإرهابية، أمَّا في يومنا هذا فإنَّ من يمثّلها هم تنظيم القاعدة وتنظيم داعش وأتباعهما . صحيح أنَّ هذه الجماعات كانت ولا تزال خطيرة، ولكن لم تنشأ عنها حركات جماهيرية، بل على العكس من ذلك. وكذلك لقد تمكّن العرب المسلمون من فتح بلاد الشام في القرن السابع ومن دون قتال تقريبًا، وذلك فقط لأنَّ المسيحيين الشرقيين الذين كانوا يقيمون هناك قد رحّبوا بهم كمحرّرين لهم من قمع كنيسة الدولة البيزنطية.

قبل مائتي عام على وجه التحديد بدأ الشاعر الألماني يوهان فولفجانغ فون جوته قراءة "ديوان" الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي. وبعد خمسة أعوام أضاف من خلال ديوانه "الديوان الغربي والشرقي" أثرًا باقيًا للشرق الإسلامي. لقد كان غوته معجبًا بالأسلوب الليبرالي لدى الشاعر حافظ في تطبيق الإسلام. فهذا الشاعر صاحب الفكر الحرّ لم يستلهم أي شيء قطّ من "الإسلام الشمولي".

لقد وضع الباحث الألماني المختص في الدراسات الإسلامية والمقيم في مدينة مونستر الألمانية توماس باور مصطلح "التسامح الغامض" لعصر الإسلام الكلاسيكي الذي يتبناه الشاعر حافظ، أي القرون الممتدّة بين فجر الإسلام والحداثة. إذ لم يكن تنوّع المذاهب والاتّجاهات، مثلاً في تفسير القرآن الكريم، وكذلك الغموض الذي كان يجيد استخدامه الشاعر حافظ الشيرازي، مصدر إزعاج، بل لقد كانت جزءًا طبيعيًا من الحياة اليومية. ولم يقضي المسلمون على هذا الغموض إلاَّ في أثناء عملية تحديثهم. فمن خلال المواجهة اليومية مع الغرب المتفوّق ظهرت الحاجة إلى تلك الحقيقة الدامغة.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم