صحيفة المثقف

صلاح حزام: ارنست فيشر وكتابه "ضرورة الفن"

صلاح حزامفي السبعينيات تعرفت على هذا الكتاب الرائع من خلال صديقي الدكتور مصدق الحبيب عندما كنا زملاء في الدراسة، حيث حدثني عنه ثم جلب لي نسخة من الكتاب وهي مترجمة عن الفرنسية (المترجم اسعد حليم)..

ارنست فيشر كان السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي النمساوي، وقد تم فصله من الحزب بسبب هذا الكتاب ومنشورات أخرى أُعتُبِرَت انحرافاً فكرياً لانها اعطت أهميةً للجوانب غير المادية في الحياة الانسانية ...وذلك يتعارض مع التحليل الماركسي لحركة التاريخ..

أفرد الكتاب فصلاً لموضوع اللغة كشكل من أشكال الفن الانساني، ونفى عنها الصفة الالهية او السماوية وقدّم ادلةً على ان اللغة من صنع البشر كنظام رمزي صوري وصوتي (coding system).

بالنسبة للعرب اصبحت اللغة العربية مقدّسة لانها لغة القرآن !! القرآن رسالة روحية عظيمة وليس قاموساً . القرآن لم يتضمن كل مفردات اللغة العربية لان هنالك في العربية كلمات والفاظ مهجورة ولايستعملها أحد الا نادراً.

كل الشعوب خاطبهم الله سبحانه وتعالى بلغاتهم (وما ارسلنا من رسولٍ الّا بلسان قومه ليبين لهم).

وبالتالي كان يجب ان تكون كل اللغات مقدسة !!

لكنها ليست كذلك . اللغة وسيلة مرنة عند معظم الشعوب يتم تطويعها وتطويرها حسب الحاجة وحسب تطور اوجه الحياة المختلفة..

قال فيشر ان اللغة العربية كمثال، فيها مايقارب الف اسم للأسد ومثلها للسيف ..

فلو كانت من الله، لما جعل الله فيها هذا العدد من الأسماء لان ذلك هدر والله عقلاني ولايخلق شيئاً دون ضرورة.

فاللغة فن بشري خالص يتضمن مجموعة من الرموز الصوتية والصورية (رسم الحروف).

انها نوع من العَقد او الاتفاق الجماعي

على دلالات كل رمز صوري او صوتي . او انها مجموعة اصطلاحات صورية وصوتية، تصطلح عليها مجموعة من البشر..

وبذلك تصبح اللغة اداة لتبادل الافكار والمعارف بين البشر.

يعني، انها ليست مقدّسة لانها مجرد اداة لتسهيل العيش المشترك بين البشر.

لذلك نشأت لغات مختلفة ولكلِ قومٍ لغتهم ورموزهم الخاصة التي تطورت تدريجياً لتلبية حاجاتهم للتواصل، وكلما زادت حاجتهم للتواصل وتعقدت وتقدمت حياتهم تطورت اللغة استجابةً لذلك وكلما كانت الحياة ابسط كانت اللغة ابسط.

يقال ان لغة قبيلة او جماعة البوشمان الافريقية تتكون من ٤٥ مقطع صوتي فقط دون كتابة، لانهم يعيشون على جمع البذور والاثمار والصيد ولايحتاجون الى لغة معقدة.

تذكرت ذلك كله اليوم وانا اجلس في مقهى وقد جلست خلفي مجموعة من النسوة اليابانيات او الكوريات اللاتي كنَّ يتحدثن بصوت عالٍ وجماعي وخلقن ضجة كبيرة.

كنَّ يضحكن بشدة على كلمة تقولها أحداهن، تشبه مواء القطط، ولاتعني شيئاً لي ولاتثير في نفسي اية مشاعر لكنها كما يبدو تعني الكثير لهن !!

انها فن مهم تستخدمه جماعة من البشر لتسهيل العيش المشترك وتضفي خصوصية على هذه الجماعة بحيث تعتبر من خصائصهم المميزة التي تجعلهم أمة او قومية (أضافة الى عوامل أخرى).

 

د. صلاح حزام

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم