صحيفة المثقف

علي المرهج: نصوص السبورات وغلطة وسام هاشم

علي المرهج"أنا ريشة، لا يحملني سواي"

"كل سبورة للمحو إلَا سبورة حُبك.

لهذا هي بيضاء وهي مُضيئة،

ولهذا الذي أكتبه فوقها يلتصق بها كريش يمامة".

يُدون وسام هاشم في مجموعته الشعرية "نصوص السبورات" نصوصاً شعرية تكشف عن حجم الألم والمعاناة التي عاشها هو وأبناء جيله، بل يكشف عن حجم الحُب الذي تحمله قلوبهم للحياة، حتى وهم يحملون البندقية ويموت صديق لهم في أرض المعركة.

"شطبتني المعركة وأعادتني جريدة

خذلني النفط وقبلتني السهول"

النفط ذلك الذي وجد في بلادي، فكانت نقمته أكبر من نعمته، فهو سلاح المعركة الذي كتب نهايات أعمار شباب العراق ولا زال.

النفط أو الذهب الأسود سود وجوه العراقيين والعراقيات، لذا نجد وسام هاشم يوظفه في نصوصه الشعرية.

أجد أن افظ "السبورة" إنما هي عود من الشاعر للحظات الطفولة والصبا في الكتابة ببراءة، والمحو بعد العتب الحبيبة.

بياض ونقاء يرسم وجه القصيدة رغم كل المرارات التي عاشها الشاعر، فطبشور أبيض:

2343 وسام هاشم"كان الحُب مُعلقاً على سبورة العائلة أبيض"

 يكتب سجل الحب والحرب:

"الحرب أتت يا أخي ونامت فوق السرير الذي تركته..

لم تخرج لكنها أخذت منا شمعتنا تذكاراً لليلها الطويل"

أما الحُب عنده فهو قرين الحرب، أو العيش في إوارها حالماً بحياة تشبه الحرب:

"شظية في العُنق ويلتفت

شظية في القلب ويُحبها

الحرب في دُرج الملابس،

فوق جدار الحديقة"

...

"الحرب في مترو تنتهي بعد ساعة وخارجها لا تنتهي أبداً".

أول حضارة تشكلت من الطين، هي حضارة سومر التي خرج منها وسام هاشم يعشق الطين، ويخافه، فهو تشكيل صورة البشر، وهو تشكيل لمساكن الحضارة الأولى في "أرض سومر"، فكل الحياة نشأت من الطين وعنصر الوجود الأول، الماء، ولك الأديان السماوية تؤكد أن أصل الخليقة تكون من طين "فاستفهم أهم أشد خلقاً أم خلقناهم من طين" (الصافات/ 11)، و"خلق الإنسان من صلصال كالفخار" (الرحمن/ 14)، "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين" (المؤمنون/ 12)...إلخ.

"من يستطيع أن يززعني بلا طين"

الطين هو "الهيولى الأولى التي تشكل منها الوجود الأصيل، أو قُلّ الوجود البريء، ولا رسم لمعالم التشكيل لذواتنا من دون هذا الطين الذي كتب على ألواحه العراقي القديم قصة الخليقة، والبحث عن سرّ الخلود، والطين والماء علَة ومعلول:

"ومن قلب نهر اغتسلت.

وإلى قلب النهر أعود"

وكأنه يُعيد انتاج شذرات "هيرقليطس" في قوله "أنك لا تنزل النهر مرتين"، وفي كل نزول لك إنما هو رسم لحياة جديدة، فالعود للنهر يشبه فكرة "العود الأبدي" الذي يشي لنا بأن "التعميد" في الماء أو النهر تجديد للحياة مرة أخرى.

لم يتجاوز وسام هاشم الاستعارة من الموروث العراقي القديم الذي لا زال حاضراً، فقد كان الرافدي القديم يعتقد أن العين الحاسدة تبعث إشعاعاً يفقد قدرته على "الحسد" حينما يتشتت في منافذ التعويذة ذات السبع منافذ، أو "أم سبع يون":

"علقوا سبع عيون على راياتكم.

علقوا راياتكم ولا تُرفروا"

الحُب قصيدة الشاعر التي لا تنتهي، ولن يوقف نزيف المحبة في نصوصه سوى جفاف قلمه الذي لا زال يكتب "غلطته" كلما أبدع في انتاج نص للحب يتحدى فيه كل شرور المعرك التي خاضها وهو لا ناقة فيها ولاجمل..

لم يرغب وسام هاشم في استخدام" خطيئة العراقي" واستبدلها ب" غلطة العراقي" لأنه يظن أننا قادرون على تجاوزها، وهي ليست قدراً كما الخطيئة كتبها الله لعقاب آدم..

 

ا. د. علي المرهج

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم