صحيفة المثقف

يسري عبد الغني: الاختيارات الأخلاقية في أدب الأطفال

يسري عبد الغنيالألعاب الإلكترونية المقدمة للأطفال باعتبارها جزءًا من أدب الأطفال، إننا أحيانا كآباء ومقدمي رعاية ننظر للألعاب الإلكترونية كأداة لتسلية الصغار، وبشكل منفصل عن أي قيمة أخلاقية أو فلسفية، وقت يشغل الأطفال الصغار عن الزن والإلحاح، يطلق ضحكاتهم ويسليهم بعيدا عن الآباء المشغولين في شيء ما، ولكن هل هذه الصورة البريئة حقيقية؟ الحقيقة أن لعب الأطفال تحتوى على الكثير والكثير من الخيارات الأخلاقية والفلسفية والتي يتوجب على الطفل إنجازها والتحيّز لها من أجل إتمام اللعبة أو الدخول في مرحلة جديدة، وكمثال يمكننا أن نتحدث عن لعبتي "أسانسز كريد Assassin's Creed[9]"

فاللعبة تدور في حقبة الحملات الصليبية، في الأراضي المقدسة وايطاليا، وفي بيئة إلكترونية مثيرة تحفز على الانغماس، هذه اللعبة أشرف عليها إومبيرتو إيكو- (Umberto Eco) الباحث في تاريخ العصور الوسطى والروائي المشهور من أجل خلق أدوار للاعبين، خلق هذه الأدوار تعني انغماس الأطفال في اتخاذ قرارات أخلاقية ومعقدة ومتعددة المستويات، بالإضافة لاحتواء اللعبة بالطبع على القتل والإعدام والاغتيال وإيذاء أشخاص آخرين والتعذيب.. وبالتالي على البطل/ طفلك في هذه الحال، القيام باختيارات تتعلق بالإيذاء والقتل، وهنا يمكن أن نطرح سؤالا عن أخلاقية إجبار الأطفال - ولو بشكل غير مباشر- على القيام باختيارات أخلاقية والضغط عليهم نفسيًا من أجل اختيار قرار بالقتل أو التدمير فقط لاجتياز مرحلة أو خطوة من اللعبة، خاصة أن انغماس الأطفال في اللعبة يعني فقدان "لحظي" بإحساسهم بوجودهم وتقمص وتلبسّ شخصيات أخرى، هي في الأصل وهمية، فهل ينهمك طفلك في اللعب العنيف بعد إنتهائه من لعبة الملاكمة على الأجهزة الإلكترونية ؟- نعم هذه هي الإجابة.

إننا عندما نتحدث عن الثقافة أو الفلسفة أو الأيدولوجيا التي يمكن أن تحملها أدب الأطفال، لا نقول إنه يجب تقديم أدب أبيض بلا أيدولوجيا، أو أدب بلا فلسفة، فكل ما يقدم للأطفال إنما يتلبّس حتما بروح صاحبه، وقيمه، فحتى لو كان الأدب المكتوب للطفل يدربهم على تحمل المسؤوليّة والقيم الأخلاقية الحميدة وتدريبهم على التفكير والتحليل، من أجل الوصول لوعي أخلاقي - حتى لو كان كذلك- فإن هذا نفسه يحمل موقفا أخلاقيا وفلسفيا، وبهذا فإن المطلوب ليس حجب الفلسفات والثقافة عن الأطفال، بل أن نكون أكثر وعيا بما نقدمه لأطفالنا، ونسأل أنفسنا عن الرسالة الخفية الذي نقدمها بأيدينا لأطفالنا، هل يتوافق معنا؟ مع ثقافتنا؟ ومواقفنا الأخلاقية؟ هل هو ما نرضى عنه أن يشكل أطفالنا؟ هل ما نقدمه لأطفالنا يشكل ضغطا نفسيا لا ينبغي لهم أن يتعرضوا له في هذا السن؟.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم