صحيفة المثقف

محمود محمد علي: محمد بن الآدمي.. رائد علم الفلك النظري

محمود محمد عليهو محمد بن الحسين بن حميد، المعروف بابن الآدمي، لم نجد له ترجمة كاملة سوي إشارة في كل من عمر رضا كحالة في كتابه (معجم المؤلفين – المجلد التاسع)، وصاعد ابن احمد الاندلسي في كتابه (طبقات الأمم)، وجمال الدين القفطي في كتابه (تاريخ الحكماء) وغيرهم.

وحسب هؤلاء فقد كان ابن الآدمي من علماء الفلك المرموقين في الحضارة العربية والإسلامية، فكان له صولة وجولة في هذا الميدان، وخاصة في ما يتعلق في الرصد وتصنيف الازياج، فقد استفاد فائدة عظيمة من اعمال محمد بن موسى الخوارزمي (164-235هـ) في مجال علم الفلك؛ والحقيقة أن ابن الآدمي اعتمد اعتمادا كلياً على نتاج الأستاذ الجليل محمد بن موسى الخوارزمي، في تأليف كتابه (نظم العقد) الذي صار من أهم المصادر في ميدان علم الفلك النظري.

ويذكر كارل ألفونسو نللينو في كتابه (علم الفلك-تاريخه عند العرب في القرون الوسطى) أنه في أيام المأمون وضع محمد بن موسى الخوارزمي زيجه المسمى بـ (السند هند الصغير) وعلى قول ابن الآدمي (عول فيه أوساط السند هند وخالفه في التعاديل والميل فجعل تعاديله على مذهب الفرس، ميل الشمس فيه على مذهب بطليموس، فاستحسنه أهل ذلك الزمان من أصحاب (السند هند) وطاروا به في الآفاق، وما زال نافعا عند أهل العناية بالتعديل الى زماننا هذا).

وقد مات ابن الآدمي قبل اكمال زيجه الكبير الذي جمع فيه جميع نتائج الأرصاد، التي عرفها عن العلماء الأوائل في علم الفلك، ولكن لحسن الحظ أن تلميذه اللبيب القاسم بن محمد بن هشام المدائني، المشهور باسم العلوي، أكمله في سنة 308هـ، واختار له اسم (زيج نظم العقد)، وفي هذا يقول صاعد الاندلسي في كتابه (طبقات الأمم) (كتاب نظم العقد (الزيج الكبير) جامع لصناعة التعديل مشتمل على أصول هيئة الافلاك، وحساب حركات النجوم على مذهب (السند هند) وذكر فيه من حركة إقبال الفلك وادباره، ما لم يذكره أحد قبله، وكنا نسمع عن هذه الحركة ما لا يعقل ولا ينضم الى قانون، حتى وقع هذا الكتاب، وفهم صورة هذه الحركة وكان ذلك سبب التفرس).

ولقد تميز ابن الآدمي في العمل الفني بجانب تفوقه في الأعمال النظرية، مما قاده إلى عمل ساعة دقيقة جدا، استخدمها في رصد حركة الكواكب، لذا يعد ابن الآدمي من علماء الفلك التطبيقي، وذلك لاهتمامه الملحوظ بالجانب العملي مع عدم إغفاله للجانب النظري.

وقد بقيت الساعة التي صنعها ابن الآدمي ردحا من الزمن، يعتمد عليها علماء العرب والمسلمين المتخصصين في علم الفلك والرصد، لأنها كانت تمتاز بالدقة المتناهية، كما أن علماء أوروبا ورثوا آلات الرصد عن علماء العرب والمسلمين، ومنها الأجهزة التي كان ستعملها ابن الآدمي.

نعم لقد كتب عن ابن الآدمي اكثر من غيره من علماء العرب والمسلمين في علم الفلك، على الرغم من أن انتاجه في هذا الحقل محدود للغاية، وتعليل ذلك يرجع لكتابه (نظم العقد) الذي استخدمه علماء أوربا مقررا في جامعاتهم مدة طويلة من الزمن، لما يحتوي عليه من معلومات ضرورية ونافعة، من هذا المنطلق حصل ابن الآدمي على سمعة جيدة بين علماء الغرب.

وخلاصة القول أن ابن الآدمي قليل النتاج في مجال اهتمامه علم الفلك، إذا ما قورن بأحد علماء العرب والمسلمين في هذا المجال، ولكن كتابه (نظم العقد) يعتبر فريدا من نوعه، لما يحتويه من معلومات أصيلة ودقيقة في حقل علم الفلك. نوه كل من صاعد الأندلسي وجمال الدين القفطي وكارل ونللينو وغيرهم، عن مكانة ابن الآدمي في علم الفلك، فهو بدون شك من كبار المفكرين العرب في هذا الميدان الحيوي.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم