صحيفة المثقف

صائب خليل: آليات العقوبات الاقتصادية الأمريكية وكيف تستطيع محاصرة العالم؟

صائب خليليتصرف الامريكيون وكأن كل ثروات الأرض ملك لهم، "إلا ان صدفة حمقاء وضعتها تحت اقدام شعوب أخرى"، كما يسخر جومسكي، بحق. لذلك فأميركا لا تجد حرجاً مثلا من إعلان الشرق الأوسط منطقة "امن استراتيجي" لها وانها تعتبر أي تحرش بثرواته، حتى من قبل حكوماته نفسها، "تهديد للاستقرار"، أو “بمثابة اعلان حرب عليها"!

وفي العادة يبدأ الرد الأمريكي بعملية خنق اقتصادية، قد تكون تهيئة لانقلاب عسكري ان كانت الضحية دولة صغيرة، او الاكتفاء بالعقوبات الاقتصادية، ان كانت دولة قوية، لفرض الاملاءات الاقتصادية والسياسية.

في عام 2017 هدد وزير الخزانة الأمريكي آنذاك ستيفن منوتشين الصين بفرض عقوبات من شأنها عزلها عن النظام المالي الأمريكي إذا لم تمتثل لعقوبات مجلس الأمن الدولي الجديدة المفروضة على كوريا الشمالية في عام 2007؛ كما هدد بفرض عقوبات أحادية الجانب على أية دولة تتاجر مع كوريا الشمالية، حتى إذا لم تصدر الأمم المتحدة عقوبات على بيونغ يانغ.

وقد يكون الحظر على شركة ولأسباب تافهة. فأُجبرت شركة (SITA) السويسرية على دفع 8 ملايين دولار لاتهامها بتمكين شركات طيران محظورة من استخدام نظام عالمي لتتبع الأمتعة المفقودة موضوع على خوادم في الولايات المتحدة!

العقوبات اعتداء على سيادة المعاقبين وباقي العالم

العقوبات على أي بلد، يجب ان يعتبر خبرا مزعجا لكل العالم واعتداء عليه وعلى حريته وسيادته أيضا. فالعقوبات تمنع العالم من التعامل مع دولة معينة، بقدر ما هي تمنع تلك الدولة من التعامل مع العالم، حتى وان كان الأذى الذي يصيب الدولة المنفردة اكبر. هي عقوبات على العالم كله لمنعه من التعامل بحرية مع ذلك البلد، كما بينا في المقالة السابقة (1)، لذلك فإن العقوبات تسبب للجميع الخسائر، وتشعرهم أيضا بالمهانة، حتى أصدقاء اميركا انفسهم. فالحظر الأمريكي على الغاز الروسي المصدر لأوروبا، كان يكلف المانيا (الصديقة لأميركا) عشرات المليارات من الدولارات سنويا.

وفي تقرير للبرلمان الأوروبي 2020، عن العقوبات الأمريكية خارج الحدود الإقليمية، جاء: "ان محاولة لفرض سلوك معين على شركات ومواطني الاتحاد الأوروبي دون حتى طلب الموافقة، تتحدى الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه وكذلك العلاقات عبر الأطلسي. لا يؤثر امتداد العقوبات خارج الحدود الإقليمية على الأعمال التجارية في الاتحاد الأوروبي فحسب، بل يضع الاستقلال السياسي وسيادة الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، موضع التساؤل".

كمثال واضح على وضع "سيادة الاتحاد الأوروبي" موضع تساؤل، القصة التالية: في عام 2015، حُكم على بنك BNP Paribas الفرنسي بدفع 9 مليارات دولار لخرقه العقوبات الأمريكية بتمرير مدفوعات بالدولار من كوبا وإيران والسودان. في المحكمة اعتذر الرئيس التنفيذي للبنك إلى القاضي: "إننا نعتذر بشدة لسوء سلوكنا"، بينما قال القاضي أن البنك "انتهك السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وأيضا قدم الدعم للحكومات التي تهدد أمننا الإقليمي والوطني"!

نتيجة الاعتذار اكتفت السلطة الامريكية بمنع BNP لمدة عام فقط من إجراء معاملات بالدولار الأمريكي كانت جزءا مهما من الأعمال التجارية العالمية للبنك. ولولا ذلك كان الحظر سيكون دائما. وحتى الحظر لمدة عام سيكلف البنك نزوحا جماعيا لعملائه الذين لا يستطيعون الانتظار.

لماذا يتوجب على بنك فرنسي قبول هذه العقوبات، ولماذا يضطر للاعتذار عن "انتهاكها" بهذه الطريقة المهينة، وهو لم ينتهك اية قوانين فرنسية أو أوروبية، ولا التزامات منظمة التجارة العالمية ولا اية اتفاقات فرنسية امريكية؟ ولماذا يتوجب عليه قبول الفكرة السخيفة بأن كوبا تمثل تهديد أمني للولايات المتحدة، دون أي دليل، أو أن يكون مطلوبا من بنك فرنسي، ان يساهم بفرض السياسة الخارجية للولايات المتحدة على غيرها؟ هذا هو التساؤل عن السيادة الأوروبية على اقتصادها.

الصين ايضاً أكثر عرضة للعقوبات الأمريكية مما تستطيع ان تقبله، وهو ما تزايد مؤخرا مسببا ازمة شديدة، وصار عاملا مساعدا على تقارب روسي صيني باعتبارهما من ضحايا نفس الاعتداء.

ومثلما يتساءل الأوروبيون، يتساءل جميع البشر: لماذا يقبل عالمنا أن يكون اسيراً لهذه السلطة الغاشمة؟ وما هو مصدر تلك القوة الطاغية؟ وإلى متى يمكن أن تستمر؟

ما هي أدوات التسلط والعقوبات؟ وكيف نشأت؟

لنفهم الأجوبة على هذه الأسئلة علينا ان نتذكر ان عالمنا هو ميراث نتائج الحرب العالمية الثانية. فقد خرجت الولايات المتحدة من الحرب بدون ضرر يذكر بينما كانت بقية الدول محطمة تماما. وكانت تمتلك نصف الإنتاج الصناعي واكثر من نصف الأموال الاستثمارية في العالم، في وقت كان العالم بأمس الحاجة اليها.

وقد استفادت الولايات المتحدة من تلك اللحظة التاريخية لتثبت هيمنتها وتضمن استمرار سيطرتها الاقتصادية على عالم ما بعد الحرب. واستندت في ذلك الى تعاون مركب من عدة عوامل:

1- الدولار

للأستاذ فؤاد الأمير كتاب قيم باسم "الدولار"(2) لمن يريد الاطلاع على تفاصيل الموضوع، ولكن باختصار، فأن اميركا قامت بتثبيت سيطرة الدولار في اتفاقية بريتون وودز عام 1944 قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي اتفق فيها على ربط جميع العملات بالدولار. هكذا خلقت الأداة الأولى للسيطرة الاقتصادية لأميركا، فأصبحت العملة الامريكية مركز النظام المالي العالمي. كذلك تم إنشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهما الأداة الثانية لتلك السيطرة.

وضعت الاتفاقية قيدا على الدولار وهو ان يرتبط بالذهب (أي ان تتعهد الولايات المتحدة بدفع كمية محددة من الذهب لأية دولة تريد شراءه بالدولارات. وبعد ربع قرن تم التخلص من شرط الارتباط بالذهب، وأصبحت الولايات المتحدة حرة التصرف بسيطرتها على سوق النقد، وصار المضاربون من يحدد قيمة العملات وليس الحكومات.

وتلعب هيمنة الدولار على السوق العالمية أدوارا عديدة في منح اميركا السيطرة على العالم. فمن المعروف مثلا أن البلدان تحتفظ باحتياطيات لمواجهة الصدمات الاقتصادية، ودفع مستحقاتها ومرونة تثبيت قيمة عملتها. ولأن معظم التجارة الدولية تتم بالدولار، لا تستطيع العديد من البلدان اقتراض الأموال أو دفع ثمن السلع الأجنبية بعملاتها، لذلك فهي بحاجة إلى الاحتفاظ باحتياطيات من الدولار، لضمان استمرار الواردات أثناء الأزمات وكذلك طمأنة الدائنين. ونلاحظ ان بعض التعاملات التجارية الكبرى تكاد لا تجري الا بالدولار، مثل سوق النفط.

لهذه الأسباب، كانت نسبة احتياطيات العالم بالدولار في 2020 تساوي 62%، و 20% باليورو و 4% بالين الياباني، اما الريمينينبي الصيني فـ 2% فقط.

كذلك تتجلى هيمنة الدولار بحقائق أخرى، احدها، أن حوالي نصف القروض المصرفية الدولية وسندات الدين الدولية مقيمة بالدولار. كما أن 88 في المئة من جميع معاملات الصرف الأجنبي في عام 2019 (على سبيل المثال) تضمنت تعاملا بالدولار!

وتشمل العوامل التي تساهم في هيمنة الدولار قيمته المستقرة، وحجم الاقتصاد الأمريكي، والثقل الجيوسياسي للولايات المتحدة. لا تزال بعض الدول، ومنها المملكة العربية السعودية، تربط عملاتها بالدولار. هذه المكانة المركزية للدولار في التجارة العالمية، تزيد من قوة العقوبات المالية الأمريكية.

2- البنك الدولي وصندوق النقد الدولي

كما تلاحظون من الإسم، فهاتان المؤسستان دوليتان وليستا امريكيتان! ومهمتهما تقديم القروض للتنمية وتثبيت استقرار النقد في العالم. لكن نظام عملهما يعطي الأصوات حسب مساهمة كل طرف في المؤسسة، وهو ما يعني إعطاء اميركا – المساهم الأكبر، حق الفيتو على قراراتها! وبالتالي تستطيع فرض إرادتها على أي بلد يقع في ديون ويجد نفسه مضطرا للجوء إلى البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي.

إضافة لذلك تسيطر الولايات المتحدة على بنوك إقليمية مثل بنك التنمية الآسيوي وبنك التنمية الأمريكي، التي تفرض الولايات المتحدة إملاءاتها من خلال شروط قروضها. ومن هنا نستطيع القول ان اية دولة تسقط في الديون، ستقع في قبضة البنك الدولي وصندوق النقد، أي القبضة الامريكية. ولنفس السبب، ترى قادة الدول التي تتمكن اميركا من تنصيبهم كعملاء لها، يذهبون دائما الى تحطيم البلاد اقتصاديا ثم يسارعون لإسقاطها في قروض البنك الدولي.

3- سويفت SWIFT لمحاصرة البنوك والدول

لإكمال كماشة الحصار، مهم أيضا دور مؤسسة مالية دولية لم يسمع بها معظم الناس، هي "جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك"، المعروفة باسم سويفت SWIFT ومقرها في بروكسل، وتستخدمها المؤسسات المالية العالمية "لتبادل المعلومات بشكل آمن حول المعاملات المالية، بما في ذلك تعليمات الدفع فيما بينها. وتضم "سويفت" أكثر من 11000 مؤسسة مالية تابعة لأكثر من 200 دولة وإقليم، وتمتلك الولايات المتحدة السلطة المطلقة عليها وعلى ما تفعله.

وتستطيع الوكالات الأمريكية، بما في ذلك وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي ووزارة الخزانة، الوصول إلى قاعدة بيانات معاملات SWIFT. والجزء الأهم والأخطر هو ان للولايات المتحدة إمكانية مصادرة المدفوعات بالدولار الأمريكي حتى عندما تكون المعاملة بين كيانين خارج الولايات المتحدة، حسب القوانين الامريكية التي تعد تلك التعاملات، شأناً أمريكيا، إذا كان التعامل يتم بالدولار، وهذا يشمل معظم التعاملات كما بينا.

تسيطر أميركا بالدولار على التجارة بين البلدان الأخرى فيما بينها، لأنها تتم، وبسبب كونها تتم بالدولار، من خلال ما يسمى بـ "البنوك المراسلة" التي لديها حسابات في الاحتياطي الفيدرالي الامريكي. وبهذا امتلكت الحكومة الامريكية مقصاً لقطع معاملات تلك البنوك، وتجعل من الصعب عليهم القيام بأعمال تجارية. فيحتاج البنك "غير الأمريكي" إلى "تخليص" (clearing) التعامل من خلال بنك أمريكي (مراسل). فالمعاملات المقيّمة بالدولار، لابد من أن تمر عبر نيويورك، وبالتالي تصير تحت سلطتها! والبنك الأمريكي (المراسل) مجبر على الالتزام لأنه يقع تحت سلطة العقوبات الامريكية. وتراقب امتثال الأصول الأجنبية للعقوبات الامريكية وكالة (OFAC)

العراق كمثال حاضر على ابتزاز العقوبات الأمريكية 

ومن المفيد ان نأخذ مثالا محليا شديد الدلالة على استخدام أميركا العقوبات الاقتصادية لفرض حكومة عميلة لها على دولة "صديقة" لها هي العراق. وجدير بالذكر هنا ان البنك التجاري العراقي يعتمد بنك جي بي مورغان الأمريكي، كبنك "مراسل" له. وهذا ما جعل العراق ممسوكا من رقبته في اية عملية تجارية تستحق الذكر، وهو ما جعل العراق عاجزا عن دفع ثمن الغاز والكهرباء الإيرانية بدون موافقة أميركا!

استخدمت اميركا عقوباتها لتنصيب الكاظمي رئيسا للحكومة العراقية. فقد كان العراق يحصل على اعفاء يتم تجديده بشكل دوري، عن التزامه بالعقوبات الامريكية على إيران، للتمكن من استيراد الغاز والكهرباء اللتان يحتاج اليهما. وحين اقترب ترشيح رئيس الحكومة العراقية، لم يتم تجديد الاعفاء إلا لبضعة اشهر، لينتهي بعد موعد الترشيح مباشرة. وتكلمت السفارة بشكل واضح، بأن الإعفاء لن يتم إلا بترشيح الكاظمي (إضافة لتهديدات اقتصادية أخرى). ولأن مصلحة حكومة ايران التجارية هي أيضا مع ذلك الاعفاء، ولأنها حكومة تجار البازار الليبرالية، فقد أسهمت ايران بالضغط إعلاميا وسياسيا من اجل تنصيب العميل الأمريكي على العراق.

وليس هناك سبب للاعتقاد ان هذا التعامل قد توقف هنا. ففي زيارته الأخيرة قبل بضعة أسابيع، وعد وزير الخارجية "العراقي" فؤاد حسين (وهو من جهة كردية معروفة بعدائها للعراق) الجانب الإيراني بدفع استحقاقات الغاز والكهرباء المؤجلة لها. ولأن فؤاد حسين أقرب إلى السفارة الأمريكية مما هو وزير عراقي، فمن المتوقع انه كان يمثل الجانب الأمريكي في مفاوضاته مع الحكومة الإيرانية. ولن يكون غريبا أنه عرض على حكومة ايران مطالب أمريكية مقابل دفع المبالغ المذكورة، ويبدو ان ايران حصلت عليها. وافترض أنها كانت أيضا لدعم حكومة عميلة على العراق للفترة القادمة كما في المرة السابقة. إلا ان هذا قد لا ينفذ في حالة وصول حكومة أصولية الى ايران في الانتخابات القادمة.

وفي المرتين لا يستبعد أن الاتفاق مع ايران يشمل إعفاءات أخرى عدا تصدير الغاز والكهرباء للعراق، لأننا نلاحظ تمكن ايران من تمشية تجارتها بشكل مثير للاستغراب ليس فقط مع العراق، انما حتى مع الإمارات الخاضعة لأميركا، رغم ان إيران مازالت تحت العقوبات الأمريكية كما يفترض. ولا تفسير لذلك سوى انها كانت ضمن الاتفاق حول الكاظمي، ولا بد ان اميركا تأمل من خلال عميلها تحقيق الكثير من أهدافها في تدمير العراق وتهيئته للخضوع التام والتطبيع، مقابل هذا التنازل الكبير لإيران.

هل يستطيع الاتحاد الأوروبي أو الصين إيجاد بديل؟

في 2018، كتب وزير الخارجية الألماني، هيكو ماس: "يجب علينا زيادة استقلال أوروبا وسيادتها في السياسات التجارية والاقتصادية والمالية. لن يكون الأمر سهلاً، لكننا بدأنا بالفعل في القيام بذلك ". وبدأت المفوضية الأوروبية تعمل على تطوير نظام مناظر لنظام SWIFT من شأنه أن يسمح لإيران بالتفاعل مع أنظمة التخليص الأوروبية في المعاملات القائمة على اليورو، لكنه لم يصل الى التطبيق. وحين فرضت العقوبات الامريكية على العلاقة الإيرانية الأوروبية، لم يكن لدى مجلس النواب الأوروبي أية إجراءات أكثر من "تشجيع ودعم رجال الاعمال في الشكوى لدى منظمة التجارة العالمية". وفي كانون الثاني 2021، علق بنك ايران المركزي أن أوروبا "لم تمتلك الشجاعة الكافية للحفاظ على سيادتها الاقتصادية".

أما الصين، فأنشأت بالفعل بديلاً فعالاً للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي هو "البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية"، برأسمال قدره 74 مليار دولار، لكنه ما يزال مبلغاً صغيراً نسبيا للمهمة الكبيرة المطلوبة منه كبديل عن المؤسسات المالية القائمة.

إضافة لذلك، أنشأت الصين بديلاً لنظام SWIFT هو نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود (CIPS)، وهو نظام تخليص وتسوية مقيم بالرنمينبي الصيني بمشاركة 50 دولة ومنطقة، ويعامل ما يعادل 19.4 مليار دولار أمريكي في اليوم، وهذا لا يزيد عن 3 بالألف من التعاملات اليومية لـ SWIFT البالغة 6 تريليون دولار.

أما بالنسبة لاحتياطات النقد الأجنبي فتوقع بنك الاستثمار الأمريكي مورجان ستانلي أن الرنمينبي يمكن أن يمثل خمسة إلى 10 في المائة من احتياطيات النقد الأجنبي بحلول عام 2030 ارتفاعًا من 2 في المئة الحالية، إلا أنه لن يمثل تهديداً حقيقياً لهيمنة الدولار.

ورغم صغر حجم البدائل الصينية، فأن بنك الصين يعتبر الأنشط عالميا في البحث عن بديل لنظام الدولار والإفلات من العقوبات الأمريكية. 

الاتحاد الأوروبي والصين، اذن ليسا حاليا في وضع يسمح لهما بتحدي الهيمنة الأمريكية بجدية، كما يبدو من الأرقام، ولكن إن استطاع أحدهما او كلاهما وضع نواة قادرة على الحياة كبديل ولو محدود للمؤسسات المالية الامريكية، فقد يكون تداعي الهيمنة تدريجيا، ثم متسارعا. فكلما قلت شدة القبضة الأمريكية على خناق الآخرين، كلما ساعد ذلك في تحرر عدد اكبر من الدول منها، وصمود المتحررين لفترة أطول. وهذا بدوره يساعد على زيادة قوة البدائل المالية وخفض اكبر لسيطرة اميركا وهكذا. لذلك تنشط اميركا لخنق تلك المحاولات الصغيرة نسبيا، للمحافظة على سيطرتها، قبل ان تنمو لحجم يشكل تهديدا لسلطتها.

الدول الكبرى تتحرك، لكن الأمل بإنهاء الاستغلال يتوقف على إزالة الرأسمالية

لا شك ان تعاون الدول الكبرى الأخرى فيما بينها يلعب دورا حاسما في الوقوف بوجه تلك السلطة. والتوتر الأخير بين اميركا وروسيا دفع الأخيرة مباشرة الى ارسال وفد الى الصين برئاسة وزير الخارجية لافروف، والذي اعلن في مؤتمر صحفي هناك انه "يجب التخفيف من أخطار العقوبات الأمريكية عن طريق التحول إلى عملات بديلة والابتعاد عن استخدام الدولار، نحن بحاجة إلى الحد من أخطار العقوبات من خلال تعزيز استقلالنا التكنولوجي والتحول إلى المدفوعات بالعملات الوطنية والعملات العالمية، كبديل للدولار. نحن بحاجة إلى الابتعاد عن استخدام أنظمة الدفع الدولية التي يتحكم فيها الغرب، فالظروف تحتم علينا ان نبني سياساتنا الاقتصادية والاجتماعية بشكل يحصنها من مراوغات شركائنا الغربيين، إنهم يروجون لأجندتهم التي تحركها الأيديولوجية والتي تهدف إلى الحفاظ على هيمنتهم من خلال كبح التقدم في البلدان الأخرى.."..

يمكننا الاستنتاج ان هذا الوضع لن يدوم الى الأبد، لكنه سيحتاج وقتا طويلا لكي يتغير العالم نحو اقطاب متعددة تجعل الاحتكار والعقوبات اكثر صعوبة. ويبقى أمل البشرية الحقيقي للتخلص من هذه الضغوط الاقتصادية وغيرها، في نهاية الرأسمالية ككل وتمكن البشرية من اختيار نظام آخر.

 

صائب خليل

......................

(1) صائب خليل: اميركا تحاصر ربع البشرية بالعقوبات.. وتهدد الباقي!

https://saieb.com/article/678

(2) فؤاد قاسم الأمير: الدولار

http://iraqieconomists.net/ar/2014/11/09/المنجز-العلمي-الجديد-للباحث-فؤاد-قاسم/

 مقالات للمتابعة باللغة الإنكليزية: 

How the U.S. is Able to Dictate to the Rest of the World

https://www.counterpunch.org/2021/03/14/how-the-u-s-is-able-to-dictate-to-the-rest-of-the-world/

EU must retaliate if hurt by U.S. sanctions on Russia: German business group

https://www.reuters.com/article/us-usa-trump-russia-germany-zypries-idUSKBN1AC0MV

How Economic Sanctions Work

https://www.investopedia.com/articles/economics/10/economic-sanctions.asp

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم