صحيفة المثقف

لطفي شفيق: مداخلة حول مقالة د. قاسم حسين صالح: الحزب الشيوعي العراقي

لطفي شفيق سعيدإن أهم ما ورد في تلك المقالة وخاصة في الجزء الأول منها هو السؤال الذي كثيرا ما طرح سابقا واستمر طرحه لزمن تعدى نصف قرن وهو (لماذا لم يستلم الحزب الشيوعي العراقي السلطة) وبالتحديد خلال عام 1959 وبعد محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم؟) وأضيف اليه بعد أن وصل عدد أعضاءه من العسكرين ضباطا ومراتب إلى خمسة آلاف عضو حتى لم يصل اليه الجيش السوفياتي  في حينه وهو ما بينه ذلك عضو المكتب العسكري للحزب الشيوعي العراقي المرحوم ثابت حبيب العاني (أبو حسان) في مذكراته، أن الإجابة على هذا السؤال يتطلب شرحا مفصلا ووافيا لا يسع المجال لتحقيقه وإنني قدر الإمكان سألخص بعض ما عايشته واطلعت عليه وواكبت أحداث تلك المرحلة منذ تخرجي من الكلية العسكرية عام 1956 والتحاقي في اللواء التاسع عشر والذي كان بإمرة الزعيم عبد الكريم قاسم ولغاية ابعادي من اللواء في الذكرى الأولى للثورة وهذا الأمر يندرج ضمن الإجابة عن السؤال والذي سترد  تفاصيلها لاحقا، أما ما حدث بعد هذا التاريخ أي بعد الذكرى الأولى للثورة فقد تداعت الأحداث حتى وصلت إلى زمن القسوة والعذاب والمهانة وارتكاب خطأ جسيم  قوض كيان الثورة وقضى عليها وقد تحمل وزر تلك الأخطاء الشعب العراقي وما آل اليه من تردي ومصائب ودمار لا زال يئن من ثقلها وقسوتها لحد الآن.

إن ذلك الخطأ الجسيم لا فائدة من القاء اللوم أو التهم على مرتكبيه حيث لا فائدة منها إن لم تكن تحت طائلة القانون ويلقى مسببها جزاء ما اقترفت يداه من ذنب عظيم بحق الوطن والشعب ومثل ما يقوله المثل العامي (بعد ما وكع الفاس  بالراس) وإن اجترار أحداث تلك المرحلة لا يقدم شيئا ولا يؤخر ولا  يمكن أعادة عجلة الزمن إلى وراء وبالأخص لمن رحل منهم أو من الباقين من هم مثلي على اعتاب التسعين حيث بت اردد  بيت الشعر الذي يذكرني بأصحابي الأوفياء الذين ضحوا بأرواحهم ورحلوا بصمت:

(عرم الزمان على الذين شهدتم       بك قاطنين وللزمان عرام).

ولغرض العودة إلى السؤال المطروح الذي أثار طرحه المواجع وبعد أن وجدت بأن من طرحه قد وضع أصبعا واحدة على الجرح في وقت يتطلب استخدام الكفين لإزاحة الرماد عن الهشيم الذي خلفته تلك الحرائق عن واقع قل ما يوصف بأنه رهيب وفظيع، لقد ورد في سياق المقالة تلك النص التالي:

(في تلك الغرفة الضيقة وعيني على العقيد عبد النبي الدهان كانت بداية تساؤلي : لماذا لم يستلم الحزب الشيوعي السلطة؟ إن ما رواه العقيد محمد عمران عضو القيادة القومية لحزب البعث السوري كطرفة عام 1964 إذ قال: طلب من أحد ضباط الجيش العراقي إعدام إثني عشر ولكنه أعلن أمام عدد كبير من الحاضرين أنه لن يتحرك إلا لإعدام خمسمائة شيوعيا ولن يزعج نفسه من أجل إثني عشر فقط (انتهى نص الفقرة) ولغرض إيضاح تلك الحادثة وحقيقتها فهي جرت كالتالي:

إن الضابط المذكور هو العقيد الركن عبد الغني الراوي وهو عضو في جماعة الاخوان المسلمين وقد كان له دورا بارزا في انقلاب شباط 1963 وإن الخمسمائة شيوعي هم ضباط فقط تم نقلهم من السجن الرقم واحد الى سجن نقرة السلمان بفطار الموت بعد فشل انتفاضة البطل نائب العريف حسن سريع وقد اجتمعت قيادة حزب البعث بشقيها العسكري والمدني وتباحثوا عن كيفية التخلص من ذلك العدد بعد أن نجوا  من موت محقق بأعجوبة خلال نقلهم  بقطار الموت فاقترح اعضاء  القسم العسكري  الذي كان يمثله كل من أحمد حسن البكر وطاهر يحيى وصالح مهدي عماش وعبد الغني الراوي وعبد السلام عارف أن يذهب عبد الغني مع ثلة من الجنود إلى سجن نقرة السلمان ويقوم باعدام ذلك العدد من الضباط  وحصل آنذاك خلاف بين القيادة المدنية والقيادة العسكرية حول العدد واقترحت القيادة المدنية أن ينتقى اثني عشر مهم منهم يتم اعدامهم واعترض كل من عبد السلام وغني الراوي على الاقتراح وأكدا بأن لديهما فتوى من مرجع ديني شيعي يحلل قتلهم باعتبارهم كفرة وملحدين وأنهما يحتفظان بورقة  تلك الفتوى ويقال إن ذلك كان ادعاء لم يثبت صحته أما الاعتراض المشار اليه في النص الوارد بالمقالة فقد ورد القول على لسان عبد الغني نفسه.

إن ما سأتطرق اليه والاجابة عن السؤال المهم الذي ورد في المقالة فإنني سأتطرق إلى الجانب العسكري فقط والذي يهمني ويخصني ويشمل العدد الكبير من أعضاء الحزب الشيوعي العراقي العسكريين من ضباط ومراتب في مختلف الوحدات وقادة خمسة في فرق عسكرية كان معظمهم في بغداد أو بالقرب منها وسوف لن اتطرق الى موقف الحزب الشيوعي العراقي وما دار حول سياسته في تلك المرحلة فقد سبقني الكثيرون للتعرض لها وإن ما يهمني أن أبين سبب انهيار تلك الكتلة الحديدية من العسكريين وعدم التصدي للانقلابيين في 8 شباط وأعدم منهم من أعدم وسيق المئات منهم أذلاء للسجون لا حول لهم ولا قوة بعد لاقوا صنوف العذاب والتنكيل والإهانات وضياع المستقبل.

إن أول أمر يمكن أن اعتبره كان سببا في تلك النهاية المدوية والصادمة هو شخصية الزعيم قائد الثورة والمرحلة عبد الكريم قاسم وتحولها من شخصية ثورية قل نظيرها وفريدة من نوعها ويحمل صفات الفرسان الأسطوريين مثل الذين ورد ذكرهم في الأساطير والروايات أمثال روبن هود والفرسان الثلاثة وغيرهم إلا أن تلك الشخصية سرعان ما فقدت بريقها وعنفوانها  وتقديرها الصائب للمصاعب والمصائب والاكتفاء  بالإرث النفسي الذى حققه له نجاح الثورة والخطة المحكمة التي وضعها لتنفيذها مبتعدا عن من شاركه وساهم معه في إنجاح الثورة مدافعا عنها ببسالة خلال تعرضها في بداياتها والانك والادهى من ذلك فقد قرب اليه المحيطين به من اشد الحاقدين عليه وممن كانوا يخططون للقضاء عليه بل للقضاء على الثورة ومنجزاتها وتفاصيل ذلك قد تم ذكرها في العديد من المناسبات.

إنني حينما أبين جوانب من شخصية الزعيم عبد الكريم لا أعني بذلك المساس به وبكل ما أعرفه وتعلمت منه وعملت معه خلال وجودي في معيته ضمن لوائه التاسع عشر ولمدة ثلاثة سنوات اثنتان منها قبل الثورة وواحدة بعدها ولتبيان ذلك أود أن أطرح تصورا على أخي الدكتور قاسم لبيان ما قصدته حول شخصية عبد الكريم قاسم وبداياتها ونهاياتها فلو كنت أخي موجودا مثلما كنت أنا موجود في ذلك اليوم التاريخي يوم الثالث عشر من تموز عام 1958 وفي معسكر المنصورية لرأيت كيف كان يبدو وضع ذلك الضابط الذي يحمل رتبة زعيم ركن ولم يتعد عمره الرابعة والأربعين أي في شرخ الشباب والذي ينم مظهره بأنه أكبر من هذا العمر بكثير ولا غرابة على الذي يحمل تلك المهمة والمسؤولية الصعبة والخطرة فقد كان آنذاك يتحرك كالأسد الهصور متنقلا من مكان لآخر من أجل التأكد بأن كل شيء على ما يرام وبكل سرية تامة ومنها أن ذهب في صباح ذلك اليوم إلى جلولاء للقاء الشخص الثاني المكلف بتنفيذ صفحات الثورة العقيد الركن عبد السلام محمد عارف ويسلمه البيان الأول الذي كتبه بحط يده ولا يتطلب ذلك إلى نقاش أو تأكيد فقد ورد ذلك في مذكرات المحامي حسين جميل بأن عبد الكريم قد عرض عليه صيغة البيان الأول الذي كتبه بيده وطلب اليه أن يبدي رأيه فيه من الناحية القانونية وتأثيره على الواقع الدولي والمحلي،

إن تفاصيل ذلك اليوم والأحداث المهمة التي جرت فيه من تحضيرات متعلقة بخطة الثورة وكيفية  تأمين متطلباتها كتهيئة العجلات وأملاء خزاناتها بالوقود وتوفير الكمية اللازمة من عتاد الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وإصدار أمر الحركة الذي يجب أن يتم دون علم مديرية حركات الجيش أو معرفة الهدف الحقيقي من قبل أمراء الأفواج الثلاثة الذين لم يكونوا من تنظيمات الضباط الأحرار في تنظيم المنصورية لذلك فقد عقد الزعيم عبد الكريم قاسم مؤتمرا للعقداء الثلاثة في الساعة العاشرة من صباح يوم الثالث عشر من تموز 58 ليبين لهم بأنه يروم بتنفيذ خطة اركاب وإنزال لقطعات اللواء على أن يتحرك فجر اليوم التالي أي في يوم الرابع عشر وعليه يجب إبقاء كافة العجلات والجنود بكامل تجهيزاتهم السفرية في ساحة العرض مساء يوم الثالث عشر وأن يبقى جميع الضباط في المعسكر ولا يغادرونه لأي سبب كان أما فيما يتعلق بكيفية تأمين العتاد اللازم فقد جرى ذلك عن طريق أحد ضباط التنظيم الذي كانت المخازن بعهدته وتم تأمين طواقم الرشاشات والهاونات بأشراف ضباط من التنظيم أيضا وكذلك فيما يتعلق بأجهزة الاتصال اللاسلكي ،إن تلك المهمة قد جرت على اتم وجه وكان خلالها الزعيم رابط الجأش ولم تبدو على تصرفاته القلق أو الارتباك وهو يعلم علم اليقين جسامة مهمته وأن روحة وأرواح من هم بمعيته على أكفهم وأن فشل المهمة يعني الإعدام ولا غير ذلك.

لغرض التعرف على مزيد من تفاصيل عن ذلك اليوم يمكن الرجوع إلى الحلقات التي نشرتها في صحيفة 14 تموز تحت عنوان (يوم الثالث عشر من تموز أطول يوم قي عام 1958) وفيها تفاصيل وافية عن الحدث.

انتهى الجز الأول وإلى الجزء الثاني من المداخلة.

 

لطفي شفيق سعيد

31 آذار 2021

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم