صحيفة المثقف

محمود محمد علي: الخيارات العسكرية تجاه الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي

محمود محمد عليتعد إشكالية مياه النيل واحدة من أهم وأبرز قضايا الأمن القومي التي تواجه مصر، وهي قصية متشابكة ذات أبعاد متعددة، ومنها البعد المادي، حيث إن الحصة المائية الثابتة المقررة لمصر والمحددة بـ 55.5 مليار م3 لم تعد تتوافق وحجم الزيادة السكانية المطردة بمصر ما أدي إلي انخفاض نصيب الفرد المصري سنويا لأقل من 700 م3 ؛ أي أقل من حد الفقر المائي المتعارف عليه عالمياً بألف م3، ولما كانت حل هذه القضية المركبة مرتبطاً إلي حد كبير بوعي الجمهور العام والقيادات السياسية لها ولأبعادها المتباينة، ولما للإعلام من دور حاسم في تشكيل هذا الوعي، ومن خلال معايشتي للواقع في هذه اللحظة فقد لاحظت تصاعد في أزمة مياه النيل .

ونظراً لما يتعرض له نهر النيل من قبل إثيوبيا في الآونة الأخيرة من مشكلات وصراعات بين دوله نتيجة لقيام بعض دول المنابع ببعض المشروعات التي من شأنها التأثير سلبا علي حصة مصر المائية، فقد أصبح هناك ضرورة لمواجهة هذا الخطر، ولا بد أن تتكاتف القوي السياسية الخارجية لتأمين وصول المياه إلي أراضيها، وعلي قوي الشعب الحفاظ علي كمية المياه الواردة  إليها، وفي ظل هذه الظروف والمعطيات، أصبح من الواضح أننا مقبلون علي صراع طويل سوف يستغرق وقتاً وجهداً، ويحتاج أيضا إلي حشد طاقات الدولة وراء أهداف محددة تنطلق من رؤية استراتيجية واضحة، بما في ذلك للأدوات والوسائل المناسبة لتنفيذ هذه الرؤية، ومن المعروف أن الخطوة الأولي تتمثل في أن نعرف أين نقف الآن؟ .. وما هي التهديدات المحتملة ؟..  وما هي البدائل المتوافرة لمواجهتها أو لتجاوزها أو حتي التعايش معها؟.

وهنا أقول بأنه في يوم الثلاثاء الماضي وصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مؤتمر هيئة قناة السويس؛ لتفقد مركز التدريب البحري والمحاكاة التابع للهيئة بالإسماعيلية، بحضور الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، والفريق أول محمد زكي، القائد العام للقوات المسلحة، والفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس.

وخلال تواجده بقناة السويس، أجرى الرئيس السيسي مؤتمرًا صحفيًا أجاب فيه على تساؤلات الصحفيين كافة المتعلقة بعملية تعويم السفينة الجانحة والتأثير على قناة السويس ومشروعات الدولة القومية، إضافة إلى ملف سد النهضة.

واستهل الرئيس السيسي حديثه عن ملف المياه، قائلًا :" إن أحدا لا يستطيع المساس بحق مصر في مياه النيل، محذرا من أن المساس بها "خط أحمر" وسيكون له تأثير على استقرار المنطقة بكاملها؛ وقال السيسي: "نحن لا نهدد أحداً ولكن لا يستطيع أحد أخذ نقطة مياه من مصر (..) وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد"، مشيراً إلى أنه "لا يتصور أحد أنه بعيد عن قدرتنا (..) مياه مصر لا مساس بها والمساس بها خط أحمر وسيكون رد فعلنا حال المساس بها أمر سيؤثر على استقرار المنطقة بالكامل".

وأضاف السيسي في تصريحاته على هامش زيارته لقناة السويس: "لا أحد يستطيع أن يأخذ قطرة ماء من مياه مصر، ومن يريد أن يحاول فليحاول وستكون هناك حالة من عدم الاستقرار في المنطقة بكاملها ولا أحد بعيد عن قوتنا.. وأشار السيسي إلى أنه لا يهدد أحدا بتصريحاته، مؤكدا أن "العمل العدائي أمر قبيح وله تأثيرات طويلة لا تنساها الشعوب.

وأضاف السيسي: "أنا مبهددش حد (أنا لا أهدد أحداً) وعمرنا ما هددنا وحوارنا رشيد جدا ولكن لن يستطيع أحد سلب نقطة  مياه من مصر"، مشدداً على أن "التفاوض هو خيارنا الذي بدأنا به والعمل العدائي قبيح وله تأثيرات تمتد لسنوات طويلة لأن الشعوب لا تنسى ذلك"؛ وتصريحات السيسي جاءت خلال مؤتمر صحافي عقد بمركز تابع لهيئة قناة السويس بمحافظة الاسماعيلية غداة تعويم سفينة الحاويات الضخمة التي أغلقت المجرى المائي لستة أيام.

وفى التوقيت والمكان، تظل كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى قناة السويس، أمام العالم والمصريين، هى الأقوى خلال الشهور الماضية.. الكلمة موجزة ومركزة وتحمل رسائل للداخل والخارج، تحمل السلام والتفاهم ولا تتجاهل حقوق مصر فى النهر والأرض.

وقبل أسبوع، أكد  السيسي، على ضرورة السعي للتوصل "في أقرب وقت ممكن"، إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم عملية ملء وتشغيل سد النهضة، "بعيدا عن أي منهج أحادي يسعى إلى فرض الأمر الواقع وتجاهل الحقوق الأساسية للشعوب.

وقد أتت تصريحات السيسي بعد أن قال المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي إن بلاده أبلغت المبعوث الأميركي للسودان، دونالد بوث، بمضي إثيوبيا في عملية الملء الثاني لسد النهضة وإنها جزء من عملية بناء سد النهضة.

كما أن تصريحات السيسي بلا شك تعد هي الأقوي، والأكثر حدة، والأعلي نبرة منذ بدأت أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، وهي تأتي بالتزامن مع إعلان أديس أبابا بالمضي قدماً في عملية الملء الثاني في كل الأحوال.

اللهجة الحادة والمبشرة والتي بدأت واضحة في تصريحات السيسي، كانت حاسمة في التحذير من المساس بمياه مصر .

الرئيس المصري ذهب في حديثه إلي أبعد نقطة، وهي ما حذر منه في حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد، وسيتردد صداها في المنطقة، مؤكدا علي أن ذراع مصر التي وصفها بالطويلة، فهل هي قطع لحبل الحوار والود مع أديس أبابا؟ .. أم أن السيسي يلوح بالعصي، وإن كان ذلك لا يعني عملاً عسكرياً بالضرورة ضد السد .

والسؤال الآن: ما هي الخيارات العسكرية إن كانت مطروحة أصلاً ؟ .. وما هي خيارات مصر الآن لا سيما وأن إثيوبيا حسمت قرارها، وأبلغت المبعوث الأمريكي للسودان بمضيها في عملية الملء الثاني لسد النهضة وإنهاء جزءً من عملية بنائه؟.

في الحقية طبعا فإن الفقرة الخاصة بأزمة السد الأثيوبي، لأن الفقرة الذي ذكرها السيسي أمس حملت معاني ودلالات وأبعاد كثيرة للداخل وللخارج .. في الداخل فإنه لا يخفي بأنه كان يوجد نوع من القلق والتوتر في الرأي العام، وهذا كان ناتجا عن أن اللهجة الإثيوبية حادة للغاية، وتتجاوز الأعراف الدبلوماسية، وتدخل في مراحل من الوقاحة والتجاوز، في مقابل لهجة مصرية هادئة تماما، تتحدث طوال الوقت عن التعامل والتفاوض والأمور السلمية والقانونية، فالبعض كان يستفز من هذا الوضع .

بالأمس في خطاب الرئيس كان واضحا بعد الإصرار الإثيوبي والمتعنت، والمتكرر، بأن الملء الثاني سيتم، وأنه لا دخل لمصر والسودان بهذا بغض النظر عن أي اتفاق، أو ليس هناك اتفاق، والملء الثاني كانت له معاني ودلالات كثيرة، لأنه لو تم الملء الثاني بشكل أحادي، معناه أنه لا توجد أي تسوية سياسية، ولا إلزام لأثيوبيا بأي شئ، وأنه هذه تمثل الخطوة الأولي الأساسية لفرض الهيمنة وتحويلها إلي أمر واقع .

ولذلك وجدنا السيسي في اليومين الماضيين رد علي هذا رسالة متعددة الاتجاهات، أولا ً : مصر لن تفرط في نقطة ماء واحدة، وأن هذا هو الخط الأحمر الثاني الذي وضعه السيسي بعد الخط الأحمر الذي وضعه في ليبيا، ورأينا نتائجه التي ترتبت عليه في الدولة الليبية، واعتدال المسار كلة وبدء الآن رحيل المرتزقة وبدء استقرار ليبيا، وصلات مصر الوثيقة مع دخول الأطراف ودفعها للعملية السلمية .

الآن يوجد خط أحمر ثاني فيما يتعلق بحقوق مصر المائية، وأرفق هذا الخط الأحمر، بتنبيه أي انتبهوا، لكنه في ذات الوقت وجه إنذار أنه لو تم تجاوز هذا الخط ستكون العواقب وخيمة، وقد ذكر سعادة الرئيس السيسي بالحرف ستكون هناك حالة عدم استقرار لن يستطيع أن يتخيلها أحد، وهذا الكلام عندما يصدر من السيد الرئيس السيسي والذي تعودنا أن يصدر كلامه بميزان الذهب، أن مصر ستلجأ للحل العسكري في حالة  الملء الثاني، وفي نفس الوقت أكد أننا لا نهدد، وأن مصر حريصة فقط علي حقوقنا، وأننا نقاتل ونحارب من أجل التفاوض، ونأمل وما زلنا لدينا أمل أن يتم التوصل إلي اتفاق ملزم قبل الملء الثاني، وإلا فعلي إثيوبيا ألا تلومن إلا نفسها .

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم