صحيفة المثقف

هناء شوقي: غَلبني الأرقُ

هناء شوقي(ٱلَّذِی یَراكَ حِینَ تَقُومُ، وَتَقَلُّبَكَ فِی ٱلسَّـٰجِدِینَ)


 غَلبني الأرقُ ..

وكعادتي حينَ يهاجمُ الاضطرابُ منافذَ سكينَتي، أراني أنسحبُ عن غيرِ درايتي الى رُكنِ التطَهُّرِ .

فكما تُغسلُ أطرافُ الجسدِ يَلفُّني رُكني فأغتسلُ وكأنني أولدُ من جديد ..

والغرابةُ في كَونِ التطهُّرِ يُنسيكَ بعضًا من ملائكيتك فتُعاود طرقَ أبوابٍ تَخالُها جِنانًا على الأرضِ، وإذ بها فِخاخٌ تَرسُمُكَ خيطَ حريرٍ يتلوى ما بينَ جَنَّتِكَ ونارك!

يومَ قررتُ إستبدالَ أذنيَّ! كانَ القرارُ مبعوثًا كرسولٍ يحملُ بيديهِ وصايا الرَّب وكُنتُ آنذاك ذاك العبدَ الذي يخلعُ عن جسدهِ جلدَهُ ليرتدي سترةً ملائكية بيضاءَ شفيفةً من غير خيطانٍ وأزرار .

طرَّزتُ ثوبي بركعتين جوفَ الليلِ وزركَشتُ أكمامي بأخريين وقت الفجرِ ولففتُ خَصري بزنّارٍ عند الضُحى فتراءى لي طنينٌ سَرقني من كلّ لحنٍ طالهُ الشجن.

غرِقتُ في حُب المولى فتلاشى من صدري حُلمي القديم.

ذاتَ مساءٍ زَلَّ قيدي وأرخيتُ جناحي للقصيدة وما ترفقتُ!

التَمَعَ بعينيكَ بريقٌ أثلَجَ قلبي، كُنتَ كجمرةٍ ترنو نحوي فأحترق وكُنتُ أهربُ بماءِ بعضي وأستكين إلى أن أبقيتَ جمرَكَ يحرقُ ومضيت فأخذتُ الصباحاتِ مَحطةً لإيوائِكَ حتى أصبحتَ شريكَ أيامي اليتيمة. الذي يَراكَ حينَ تقومُ* وتَقلّبَكَ في الساجدين} أراكَ وحيدًا شاردًا كمَن لا صاحبَ له، أراني المعبّأة بأحمالي، أخالُكَ الغارقَ في تيهك وأراني أُشذّبُ شُرودي فأصيرُ نجمةً مُضاءَةً على كَتِفك.

تقلَّبتْ مزاجاتنا تَقَلُّبَ الصُبح والمساء، فتَكَت بنا الهلاوسُ وافقدتنا صوابنا. حُفِرَ في ذاكِرَتنا ما قالتهُ عيونُنا صارَ لا يُنسى ..

ذاتَ انغماسٍ جَزِعَ الفؤاد فطَرقتُ بابَ المولى متوسلةً: إلهٰي! أضَعتُ طَريقي، أعدني إليَّ !

رَميتُ بصري جوفَ السماءِ، كأنَّكَ إشتهاءٌ على غيرِ موسمِ لا طالَني حرُّك ولا ثَمَرُك، دَمَعت عيناي واكتويتُ بنارِ ظُنوني فكتبتُ العِبارات. انزويتُ في غُرفتي المُظلمةِ لعلّي التقطُ ما سقطَ من ضعفي أمام دلالي. سِبحةٌ في يدي وغطاء رأسي وسجادة صلاة وتقلُبي في الساجدين! وهو المولى يَرعى ويرى ..

***

هناء شوقي أبو أحمد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم