صحيفة المثقف

ميثم الجنابي: انطون سعادة وأيديولوجية الفكرة القومية الاجتماعية (1)

ميثم الجنابيالأبعاد السياسية العملية في الفكرة القومية

إذا كانت الاستقامة مع النفس هي تعرج ذاتي محكوم بمعاناة البحث عن حقيقتها، فان صيغة تجسيدها النظرية والعملية المتعلقة بكيفية تأسيسها لإشكاليات الوجود التاريخي للجماعة والأمة عادة ما تتحول الى هموم لا تنتهي. وبالأخص حالما يكون التاريخ الواقعي والفعلي للأمة زمنا متحللا في حلقات الانقطاع والهزائم. وقد كانت تلك حالة العالم العربي الفعلية في مرحل صعوده الجديد، التي جعلت من هواجس وعيه الذاتي "انبعاثا" و"بعثا" بعد سباته الطويل في كهوف النسيان الذاتي. من هنا تحول الهواجس الى هوس فكري وروحي متسام، وجد تعبيره النموذجي في صعود وهيمنة العقائد العملية المتنوعة. فإذا كانت عقيدة الإخوان الشاملة هي عقيدة الجهاد الشامل بسبب أصولها الدينية التوحيدية الإسلامية، فان عقائد الفكرة القومية (الدنيوية) هي مبادئ وقواعد الكفاح والنضال من اجل صنع الوحدة الغائبة، وإعادة وحدة الجماعة المتحللة، وإرشاد القومية الضائعة، وصنع الأمة المرجوة. وقد جسدت الفكرة القومية عند انطون سعادة هذه الحلقات الأربع والمكونات الجوهرية بصورة ترتقي الى مصاف الصيغة الكلاسيكية الكبرى، أي الأكثر أصالة ونموذجية وتماسكا من حيث بنيتها النظرية ومبادئها العملية.

***

فقد توصل انطون سعادة (1904-1949)[1] في مجرى التأسيس النظري للفكرة القومية (الاجتماعية السورية[2]) الى أن صنع الوحدة الغائبة، وإعادة وحدة الجماعة المتحللة، وإرشاد القومية الضائعة، وصنع الأمة المرجوة هي أولا وقبل كل شي فكرة عملية. مع ما ترتب عليه من تشديد على أن الطريق لبلوغ الغاية يجري عبر الإصلاح، وان النشاط العملي السياسي هو الأسلوب الأمثل والوحيد للإصلاح الحقيقي. وبالتالي، أن فكرة الإصلاح الحقيقي هي فكرة عملية سياسية. بمعنى ضرورة الانتقال من التنظير المجرد الى ميدان تطبيقها العملي[3]. وهذه بدورها كانت النتيجة المتراكمة من معاناة النظر والبحث والتأمل العملي لتأسيس الفكرة القومية السورية. بحث نراه يتكلم عن بلوغه هذه الفكرة الجلية بالنسبة لتاريخ الأفكار الإصلاحية العملية، بمعايير "الوحي الباطني". بحيث نسمعه يتكلم عن منطق "الصوت الداخلي" الذي سمعه في حلم أوصله في نهاية المطاف الى رؤية "الأشياء بصورتها الحقيقية" بحيث رأى كيف انه كان على ضلال فيما كان يحاوله في إصلاح الناس (بالكتابة)، بينما "لم يصلح نفسه أولا بالعمل"[4]. أما في الواقع فليس صوت الباطن هذا سوى صوت الشخصية القومية الباطنية لانطون سعادة، ومن ثم صوت الفكرة القومية السورية في أهم مراحل ارتقائها، أي رجوعها من سماء التنظير العقلي الى ميدان الصراع العملي من اجل اختبارها وتجسيدها وتحقيق ما فيها.

بعبارة أخرى، انه "صوت النبوة" القومية الحديثة الذي طالبه بالتركيز على الأبعاد العملية في الإصلاح. والعمل المباشر من اجل تغيير الواقع. انطلاقا من أن الإصلاح الحقيقي مقترن بالعمل فقط. وهذا بدوره لم يكن في الواقع سوى الصيغة الأيديولوجية المتوترة لطبيعة الانقلاب الهائل في التاريخ السياسي، التي لازمت الصيرورة العربية الحديثة وانقلابات وعيه السياسي. ففي إحدى محاضراته التي ألقاها تحت عنوان (التفكير العملي والإصلاح الاجتماعي) نراه يركز على جملة قضايا عملية كبرى بالنسبة للفكرة القومية مثل أهمية الأفكار في جعل علاقة الفرد بالمجتمع شيئا مفيدا لكليهما، وأهمية النخبة، أو ما اسماه بضرورة الاهتمام "بالطبقة الراقية وذلك لعظم مسئوليتها في تقرير الحياة القومية، وذلك لأنها عقل الشعب وقوته التفكيرية". وذلك لأنه "منها يجب أن تخرج المبادئ الصحيحة التي هي مصدر صحة الحياة القومية". وكذلك الفكرة القائلة، بان "صحة الحياة القومية وجمال المطلب الأعلى يدلان على صحة حياة الأفراد الداخلية وجمال نفوسهم". مع ما يترتب على ذلك من ضرورة نقد حالة الفساد الاجتماعي والأخلاقي في الموقف من الإنسان المواطن. إضافة الى نقد حالة التقليد، أيا كان شكله ومحتواه ومصدره، القديم منه والجديد. وذلك لأنهما كلاهما من صنف واحد. وينطبق هذا على قضية ما اسماه بالتقاليد الموروثة التي "تمنع نفسيتنا وعقليتنا من النمو وتشوه تركيبنا الاجتماعي وتجعلنا عاجزين عن تحقيق ما قد نرى فيه مطلبا أعلى جميلا". ولعل "المعتقدات الدينية والتقاليد الناشئة عنها" من بين أكثرها خطورة وجلاء، وذلك لأنها تقيم حواجز بين المسيحيين والمسلمين وتمنع من اشتراكهم اشتراكا فعليا في الحياة القومية، أي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للأمة. ولعل في النظام الاجتماعي العائلي الذي يتمشى عليه المسيحيون والمسلمون نموذجا لما اسماه انطون سعادة بسيادة المبادئ الفاسدة التي تؤدي الى قهر النفس. ووضع حصيلة أفكاره النقدية هذه في استنتاج نظري عملي يقول، بان "الذين نمت نفوسهم في قوالب حديدية من التقاليد والمعتقدات يتزعزعون ويسقطون عند أول احتكاك وأول صدمة، أنهم لم يتمكنوا من مقاومة الأهواء لأنهم كانوا عديمي الإرادة، ولم يتمكنوا من اختيار السبيل لأنهم كانوا فاقدي الحرية". الأمر الذي يجعل من الاعتماد على الفكر العملي ضرورة، وذلك "لان العصر الذي نعيش فيه هو عصر عمل". بل نراه يقلب في نهاية المطاف إحدى المرجعيات الفكرية الذائبة في لاهوت الأخلاق العملية، عبر وضعها بصيغة تقول "قديما قيل إن الأعمال بالنيات، وأنا أقول إن النيات بالأعمال"[5].

وفيما لو جرى انتزاع هذه الفكرة من تاريخها النظري واللاهوتي والأخلاقي، أي من أثرها بالنسبة لتطور المدارس الفكرية الكلامية والفقهية والأخلاقية، التي يجهلها انطون سعادة، فان قيمتها تكمن في تأسيس ما يمكن دعوته بالخوارجية الجديدة، أي الحركة الداعية الى أولوية وجوهرية العمل بوصفه محك الإيمان الصادق بالوحي الجديد للفكرة القومية. وفي كلتا الحالتين كان الإيمان العملي يرتقي الى مصاف الفكر النظري الحاد أيضا. وليس مصادفة أن نعثر في آراء ومواقف انطون سعادة حتى مراحل متأخرة من حياته على تعايش الفكرة النظرية المجردة والصيغ الوجدانية الخطابية. ففي معرض تحديده لماهية القومية، نسمع يقول، بان "القومية هي يقظة الأمة وتنبهها لوحدة حياتها ولشخصيتها ومميزاتها ولوحدة مصيرها"، و"أنها عصبية الأمة وقد تلتبس أحيانا بالوطنية"، كما أنها "الوجدان العميق الحي الفاهم، المولد محبة الوطن والتعاون الداخلي بالنظر لدفع الأخطار"، كما أنها "الشعور بوحدة المصالح الحيوية والنفسية"، والساعية من اجلها ومن اجل تحسينها "بالتعصب لهذه الحياة الجامعة"[6]. كما نعثر عنده على تحديد لها بعبارة قول:"القومية هي الروحية الواحدة والشعور الواحد المنبثق من الأمة، من وحدة الحياة في مجرى الزمان"، وأن القومية "ليست مجرد عصبية هوجاء أو نعرة متولدة من اعتقادات أولية أو دينية أو نعرة دموية سلالية، بل شعور خفي صادق وعواطف حية. أنها عوامل نفسية منبثقة من روابط الحياة الاجتماعية الموروثة والمعهودة"[7]. وتراكمت كل هذه الصيغ المتنوعة يما أطلق عليه انطون سعادة عبارة الوجدان القومي. وجعل من هذا الوجدان الصيغة الظاهرية والنفسية المرتبطة بالصيرورة المعقدة لما اسماه بشخصية الجماعة، بوصفها ذروة التطور الاجتماعي. ومن هنا استنتاجه القائل، بان "الوجدان القومي هو أعظم ظاهرة اجتماعية في عصرنا"[8].

غير أن هذا الوجدان الذي تنتظم فيه بقدر واحد المشاعر الجياشة والمنطق البارد ليس إلا الوجه الاجتماعي لصيرورة الجماعة والأمة[9]. ذلك يعني أن انطون سعادة يفرز في تأسيسه للفكرة القومية أسسها التاريخية والاجتماعية من خلال توحيد ظاهرة الجماعة والأمة في حلقات مترابطة تشكل أسس ومصدر الفكرة القومية وتجليها الوجداني. فقد اعتبر ظهور شخصية الجماعة احد أعظم الحوادث التاريخية والاجتماعية. وكتب بهذا الصدد يقول، بأنه إذا "كان ظهور الفرد حدثا عظيما في ارتقاء النفس البشرية وتطور الاجتماع الإنساني، فان ظهور شخصية الجماعة كان أعظم حوادث التطور البشري شأنا وأبعدها نتيجة وأكثرها دقة ولطافة وأشدها تعقيدا"[10]. بعبارة أخرى، أن ظهور الجماعة كان يحتوي من حيث مقدماته التاريخية وآثاره الاجتماعية على إمكانية هائلة بالنسبة للرقي الإنساني والثقافي. وليست القومية الحديثة سوى الصيغة الأكثر تكاملا وتجسيدا لهذا الارتقاء التاريخي المعقد للجماعة. وجعل من هذه المقدمة وتحليله والاستنتاجات المترتبة عليها مقدمة حدّ فيها ماهية الفكرة القومية وحقيقتها.

انطلق انطون سعادة في تحديده لماهية الجماعة من تحديد ماهية ونوعية "الاجتماع البشري". فقد وجد في الاجتماع البشري نوعين رئيسيين وهما كل من الاجتماع البدائي الذي تبنى روابطه الاجتماعية على أساس الدم، و"الاجتماع الراقي ورابطته الاجتماعية الاقتصادية مستمدة من حاجات الجامعة الحيوية للارتقاء والتقدم"[11]. واعتبر الرابطة الاقتصادية هي الرابطة الاجتماعية الأولى في حياة الإنسان، أو الأساس المادي الذي يقيم الإنسان عليه عمرانه[12]. من هنا نظرته الى الرابطة الاقتصادية باعتبارها الرابطة الأساسية للاجتماع البشري. وذلك لأنها تحتوي على "مصلحة تأمين حياة الجماعة وارتقائها". من هنا أهميتها القصوى. إذ اعتبر المصالح المتشابهة "من أهم المصالح الاجتماعية"[13]. وكون المصالح الاقتصادية هي من بين أكثرها جوهرية فهو بسبب خدمتها لكافة المصالح الحيوية والنفسية للفرد والجماعة. وقد كون المجتمع الحدث والدولة الحديثة والأمة الحديثة هي الميادين التي تتكشف فيها هذه الحقيقة.

بعبارة أخرى، إن الحقيقة الكامنة في الجماعة تترقى بالارتباط مع رقي المجتمع الإنساني لتبلغ ذروتها في المجتمع الحديث وفكرته القومية. من هنا تأكيده على أن "المصالح لا تتحدد وتتعين إلا في المجتمعات الراقية. وفي هذه المجتمعات تتحدد المصالح وتولد جمعيات معينة. والمصالح وجمعياتها تتميز وتتنوع بحيث تجعل وحدتها أتم وأوضح"[14]. وفي هذا "المتحد"[15] الراقي نجد المصالح جميعها تتنوع وتتعين وتؤدي الى إنشاء جمعيات من كل نوع. وقّسم هذه المصالح الى ثلاثة أنواع. منها ما هو أساسي ويشمل المصالح الحيوية والنفسية (وأدرج في "المصالح الحيوية" الجنسية (الاجتماعية القومية) وجمعياتها العائلية. واللاجنسية وهي ما يتعلق بالغذاء واللباس. بينما أدرج في "المصالح النفسية" كل من العلمية والفلسفية والدينية وغيرها)[16]. أما النوع الثاني فهي "المصالح الفنية" وجمعياتها المنتظمة في تشكيلات متنوعة مثل جمعيات الرسم والموسيقى والتمثيل. أما النوع الثالث فهي "المصالح الخصوصية" ويقصد بها مصالح السلطة والجاه.

وليس المقصود "بالمتحد" هنا سوى الجماعة الحديثة، التي تشكل بؤرة الوجود القومي. ومن ثم فان لها تاريخها الخاص ومحدداتها التي تؤسس بدورها لكيفية تشكل الأمم وخصوصيتها. واعتبر البيئة (الأرض) من بين أهم العوامل في تكوين شخصية الجماعة[17]. وذلك لان ما يميز الاجتماع الإنساني مقارنة بغيره هو وجود ظاهرتين خاصتين به، الأولى وهي استعداد الفرد لبروز شخصيته، والثانية اكتساب الجماعة شخصيتها التي تكونها من مؤهلاتها الخاصة وخصائص بيئتها[18].وبالتالي فان الأمة ليست شيئا ما غير وعي وجودها الذاتي. إذ ليس للأمة علاقة جوهرية باللغة والدين. وذلك لان حقيقة الأمة هي "واقع اجتماعي"، أي "مجتمع إنساني وارضي". من هنا فكرته القائلة، بأننا لو أطلقنا لغة واحدة في العالم كله لما جمعت العالم امة واحدة. وينطبق هذا على الدين والمذهب. وبالتالي "فلا اللغة ولا الدين ولا الاثنان معا يجعلان الناس امة واحدة، أي مجتمعا ذا شخصية سياسية"[19]. واستكمل ذلك في فكرة راديكالية تقول، بان "الفتح الحربي وتغيير لغة قوم ودينهم لا يلغيان وجود الأمة المغلوبة". وليست هذه الفكرة أو الاستنتاج سوى الصيغة الراديكالية المناسبة لما وضعه في جوهر أيديولوجيته القومية السورية. من هنا قوله، بان"الفتح العربي قد غّير اللغة السريانية في البلاد وكذلك ديانتهم النصرانية بعد سيطرة العربية والإسلام، لكن الثقافة السورية هي التي سيطرت على اللغة العربية وبقي المجتمع السوري هو هو"[20].

ليست هذه الصيغة الحادة والمبتسرة سوى الرد الأيديولوجي الصارم من اجل بناء الفكرة القومية على أسس تستجيب للفكرة السورية القومية كما سعى انطون سعادة لتحديد ملامحها وإبراز مكوناتها وإفراز عناصرها ووضع أسسها. فعندما يشدد انطون سعادة على أن نهوض تركيا الجديدة بدأ بعد أن جرى هجر الإسلام القديم وقيام حركة تجديد شاملة، كما أن نهوض الأمم المسيحية قبل ذلك كان بعد أن جرى الوقوف بالضد من تحويل المسيحية الى دولة دينية رئيسها البابا، فانه كان يسعى أساسا الى إعلان الفكرة الأيديولوجية السياسية الصرف عن أن الفكرة القومية بوصفها وعيا لخصوصية الجماعة والأكثر قدرة على الاستجابة للحياة المعاصرة ومتطلباتها، تفترض عزل الدين عن الدولة. بعبارة أخرى، أن انطون سعادة لا يتناول الفروق الجوهرية بين تركيا بداية القرن العشرين وأوربا المتمتعة بتاريخها الذاتي وتطورها الخاص لمئات السنين والعالم العربي الذي كان آنذاك يفتقد لأبسط مقومات وجوده الذاتي.

لقد أراد انطون سعادة هنا تأسيس فهمه الخاصة لعلاقة القومية والدين، باعتبارها علاقة مفتعلة ومصطنعة . ووضع ذلك في استنتاجه القائل، بان "الموضوع القومي هو غير الموضوع الديني"[21]. كما أن الدين لم يعد عاملا حاسما بالنسبة للفكرة القومية في العالم الحديث. وذلك بسبب ما اسماه بغلبة "العوامل الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية والنفسية بالنسبة للتطور الإنساني"[22]. ولهذا السبب مقدماته وأشكال تمظهره في التاريخ والوعي ووجود الأمم. إذ كلما كان "الشعب متأخرا في الارتقاء الفكري الفلسفي كلما كان الدين افعل في السيطرة على العقلية، كما يقول انطون سعادة[23]. إضافة لذلك أن "الدين في أصله لا قومي ومناف للقومية وتكوين الأمة، لأنه إنساني ذو صبغة عالمية"[24]. ذلك يعني أن جوهر الفكرة القومية لا علاقة له بالدين أو أن الدين لا علاقة له بالقومية. من هنا إجابته على السؤال:لماذا تطورت أوربا؟ بعبارة لا مجال للتأويل فيها: أن الأمم الأوربية ما نهضت إلا بترك مبدأ الجنسية الدينية، ومبدأ الدولة الدينية. وبالضد من ذلك أنها أخذت بمبدأ الجنسية الاجتماعية ومبدأ الدولة القومية من غير أن يعني ذلك التخلي عن تعاليم المناقبية (الأخلاقية). أما "الأمم المحمدية" (الإسلامية)، فإنها مازالت متأخرة وذلك لأنها "لما تجتز طور العمل بمبدأ الجنسية الدينية". ومن هذه المقدمة الفكرية العامة وضع استنتاجه السياسي المستقبلي القائل، بان "الأمم المحمدية" مازالت متمسكة "بمبدأ الجنسية الدينية" فلا أمل لها "بمجاراة الأمم المسيحية التي تقدمت باسم الجامعة القومية المنفصلة الدين، من غير أن يتخلى المؤمن عن دينه وتعاليمه"[25].

لم تكن هذه الفكرة العامة واستنتاجاتها النظرية والعملية معزولة عن هيمنة المناهج الأوربية وقيمها السياسية المستنبطة من تاريخها الذاتي، أو على الأقل أنها تهمل طبيعة وتلقائية التطور العميق والدرامي لفكرة عزل الدولة عن الكنيسة (وليس عن الدين)، مع ما ترتب عليه من تفسير مسطح لعلاقة الدين والدنيا في الإسلام، وأثرها بالنسبة لفهم الواقع المعاصر وآفاق الرؤية المستقبلية للفكرة القومية ومشروعها العملي.

فقد فسر انطون سعادة الارتباط بين الدين والدنيا في الإسلام انطلاقا مما اسماه بالبيئة العربية بحيث التبس أمر كليهما حتى على "اكبر المفكرين المحمديين. من هنا صعوبة الفصل بينهما مقارنة بالمسيحية"[26]. وخصوصية هذه العلاقة تكمن في طبيعة الدولة التي أراد النبي محمد إقامتها. فقد استخدم النبي محمد "الدولة لإقامة الدين وجعل الدين أساسا لتنظيم شعب باق في حالة همجية"[27]. وقد حدد هذا بدوره طبيعة العلاقة بين الإسلام والدولة. فقد كان "القصد من إقامة الدولة الإسلامية المحمدية هو إقامة الدين الإلهي في ارض كان أهلها ما يزالون في ضلال مبين" كما يقول انطون سعادة. مما حدد بدوره مراتب الأولية بينهما. فالأولوية للدين على الدولة. وذلك لان الدولة التي أنشأها النبي محمد كان تخضع لغرض الدين وليس الدين هو الذي انشأ لغرض الدولة". مما حدا به الى اختصار مضمون العملية التاريخية الكبرى لظهور الإسلام وانتصاره بهذا الصدد الى معادلة بسيطة تقول، بأن "غرض الدولة الدينية المحمدية إبادة عبادة الأصنام وإقامة دين الله"[28].

لقد كانت هذه الصيغة المبتسرة في الموقف من تاريخ العلاقة المعقدة بين الدين والدنيا، والدين والدولة، والقومية والثقافة في الإسلام تردد بقدر يخلو من ابسط مقومات الرؤية النقدية للتقليد (الذي واجهه انطون سعادة نفسه بقوة هائلة في مختلف مجالات الحياة العملية) عما هو شائع آنذاك في الأبحاث الأوربية في شئون التاريخ والفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية وحضارتها. إلا أن مضمونها العملي يسير بصورة متجانسة صوب تأسيس الفكرة المناهضة لجعل علاقة الدين بالقومية علاقة جوهرية. بمعنى انه كانت تهدف الى إبراز وإعلاء أولوية العناصر القادرة على توحيد الرؤية القومية في "سوريا الطبيعية" التي كانت تعج بخلافاتها الطائفية والدينية والمذهبية. من هنا موقفه المتشدد "ضد نار الفتنة الدينية العمياء"[29].

وإذا كان انطون سعادة، شأن كل ممثلي الفكرة القومية آنذاك (ولحد الآن أيضا)، لم يفهم ضرورة هذه"الفتن" بوصفها مرحلة انتقالية الى عالم المدنية الحديثة أو عالم القومية الاجتماعية، فلأنه أراد وسعى الى إرساء الوحدة المبنية على قواعد دنيوية خالصة. وضمن هذا السياق يمكن فهم موقفه النقدي القائل، بان سبب الخلافات الدينية "هو الاعتقادات الفاسدة والاجتهادات المغرضة من الفريقين، المبنية بدورها على اعتقادات دينية فقهية أو لاهوتية هي أيضا فاسدة أو لا موجب حتمي لها" من الوجهة الاجتماعية والمدنية والدينية أيضا[30]. لقد وضع انطون سعادة الحالة التاريخية وملابساتها بمعايير الواجب وليس بمعايير الرؤية الواقعية. بمعنى انه تعامل مع الواقع بمعايير الفكرة المستقبلية ولكن دون استناد الى أرضيتها التاريخية. من هنا يمكن فهم موقفه القائل، بان علاقة الدين بالدنيا ليست ثنائية مطلقة بل مقيدة وترتبط بوحدة فلسفية يمكن استخراجها من اجل "إيجاد الاستقرار الروحي في الملة المحمدية لتهتم بشئون الارتقاء الثقافي، فلا تظل معرّضة لتضحية غرض الدين في سبيل غرض السياسة التي يهمها الدولة والسلطان والحكم أكثر مما يهمها الارتقاء الروحي والمثل العليل والتقدم الاجتماعي"[31]. وهي فكرة عميقة سواء بمعايير المنطق والسياسة العملية والأيديولوجية. كما أنها تسلط الضوء على النقد الفكري والسياسي لشخصيات الإصلاحية الإسلامية الكبار مثل الأفغاني ومحمد عبده.

فقد اعتبر انطون سعادة كل من الأفغاني ومحمد عبده ممثلان نموذجيان للفكرة الرجعية، أي تلك التي تدعو "للرجوع الى حال سابقيه". وذلك لان مقصودهما مما كان يقولان به ويسعيان إليه هو  الدعوة "للرجوع الى عهد الدولة الدينية وتأسيس الدولة على الدين. فلم يعتبرا بالأحداث التاريخية العظمى التي كانت دروسا خطيرة تنقض الشيء الكثير من الاعتقادات القديمة"[32]. مما حدا به لوصفهما بالكتاب الرجعيين، بينما اعتبر (العروة الوثقى) منبرا للفكر الرجعي [33]. وانطلق في حكمه الخاطئ هذا والمتسرع من اعتقاده، بان فكرهما كان "يطابق بين الفكرة الوطنية والدينية". ووجد في هذه المطابقة "معتقدات خاطئة ذات جذور في أوساط واسعة ولها شبه مدرسة فكرية كان في طليعة أساتذتها السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده ورشيد رضا والسيد محمد كرد علي وشكيب ارسلان وغيرهم" ممن كان يرى الرجوع الى الدول الدينية"، ويرون "أن الوطنية هي النعرة الدينية"[34]. مما حدد في نهاية المطاف موقفه منهم، باعتبارهم شخصيات "معارضة للنزعة القومية" بشكل عام و"القومية الاجتماعية في سوريا لتكون رابطة تحل في الاجتماع والحقوق محل الملة" بشكل خاص[35]. أما نتيجة سلوكهم فقد كان مجرد خيبة متتالية. الأمر الذي يبرهن على انه "لا مجال للوحدة الإسلامية على أساس الدين". وان هذا ما تبرهن عليه التجربة الإسلامية على امتداد تاريخها. وهو الأمر الذي اكتشفه ودافع عنه من بين الإسلاميين المعاصرين "المفكر السوري المحمدي السيد الفراتي عبد الرحمن الكواكبي" الذي "لم يذهب صيته ذهاب صيتهما". فقد نظر الكواكبي الى الحياة الاجتماعية والسياسية من وجهة التفكير السوري المترقي، كما يقول انطون سعادة[36].

أما من الناحية العملية، فقد أدت هذه "الأفكار الرجعية" في سوريا الى إشغال المجتمع عن طلب وحدته القومية، كما يقول انطون سعادة. مع ترتب عليه من خسران متوالي. فتركيا اقتطفت لواء الاسكندرون ومصر شبه جزيرة سيناء. مما أدى بدوره الى اكتشاف خلل الفكرة الدينية هذا الصدد. من هنا استنتاج انطون سعادة عما اسماه بتعرض الفكرة الإسلامية (عند الأفغاني وعبده) الى تغير، لكنه ظاهري فقط. وذلك لان فشل فكرتهم عن الرابطة الإسلامية جعلهم يربطون الفكرة الإسلامية بالعرب والعروبيين. وذا بدوره لم يكن أكثر من مجرد تعويض عن الجامعة الدينية البحتة بالجامعة الدينية اللغوية (العربية). وهذا بدوره نتاج "الاقتناع بالأقل لاستحالة الأكثر"[37]. والواقع بدوره يبرهن أيضا على خطأ هذه الفكرة. ففي مصر والجزيرة وسوريا دولة محمدية (إسلامية) ولا خلاف بينهم حول محمد والقرآن و"مع ذلك فان الدين لم يستطع توحيد هذه الدول"[38].

لم تكن آراء ومواقف انطون سعادة النقدية الحادة تجاه تاريخ ومضمون الحركة الإصلاحية الإسلامية في موقفها من القومية سوى الوجه الأيديولوجي للدفاع عن الفكرة القومية الحديثة "المجردة". بعبارة أخرى، أن نقده للإصلاحية الإسلامية كان محصورا بمعايير الفكرة القومية. الأمر الذي جعله أكثر تجانسا في فكرته عن "القومية السورية". وذلك لان فكرته بهذا الصدد تؤسس لأولوية "العوامل الجغرافية السلالية والتاريخية والسياسية والنفسية"، باعتبارها "عوامل تغلب على الدين"[39]. (يتبع....).

 

ا. د. ميثم الجنابي – مفكر وباحث

.....................

[1] مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي. ولد في لبنان. تلقى تعليمه الأولي في القاهرة، وبعد وفاة والدته عاد إلى لبنان وأكمل تعلمه هناك. هاجر عام 1919 إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث عمل لأشهر في محطة للقطارات وبعدها انتقل إلى البرازيل حيث كان يعمل والده. وفيها انكب على تحصيل معارفه الجديدة في ميادين التاريخ والفلسفة والاجتماع والسياسة. سعى منذ وقت مبكر للعمل السياسي والفكري. وتتوج عمله هذا بتأسيس الحزب القومي السوري وأيديولوجيته الخاصة. في عام 1930 عاد إلى الوطن من البرازيل، وبعد إقامة قصيرة في لبنان سافر إلى دمشق لدراسة إمكانية العمل السياسي فيها. وعمل في تدريس اللغات من اجل تأمين العيش. اعتقلته سلطات الانتداب الفرنسية مرات عديدة، بسب تهديد رؤيته وسلوكه السياسي لأهدافها الساعية لتجزئة "سوريا الطبيعية". واضطر للسفر والترحال سنوات عديدة، بما في ذلك عودته مرة أخرى للبرازيل. ورجع الى لبنان عام 1945 بعد جلاء القوات الفرنسية. ووقفت اغلب القوى السياسية التقليدية وراء عرقلة رجوعه بحجة الحكم القضائي الصادر بحقه منذ أيام الانتداب!! . في 2 آذار 1947 وصل إلى بيروت فأصدرت الحكومة اللبنانية في أعقاب الاستقبال الكبير مذكرة توقيف بحقه وألغتها في تشرين الأول 1947. وعمل سعادة على تنظيم القوى في حركـة مواجهة قومية شاملة خلال حرب فلسطين 1948. وبأثر ذلك قامت الحكومة اللبنانية بإصدار سلسلة قرارات منعت بموجبها الحزب القومي السوري من عقد الاجتماعات العلنية. وبعد الانتخابات البرلمانية الملغاة لجأ على إثرها سعادة إلى دمشق. استقبله حسني الزعيم، وبعد شهر من وصوله سلمه للسلطات اللبنانية وفق صفقة بينهما،. فاجروا له محاكمة شكلية في يوم 7 تموز 1949 حكمت عليه بالإعدام. وجرى تنفيذه بسرعة مذلة، حيث جرى تنفيذه بعد يوم واحد من الحكم، أي في يوم 8 تموز 1949.

[2] المقصود بكلمة سورية في خطاب انطون سعادة هو منطقة "الهلال الخصيب" أو العراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين بما فيها شبه جيرة سيناء.

[3] لم تكن هذه الفكرة أو النتيجة النظرية التي توصل إليها انطون سعادة معزولة عن تاريخه العائلي وتربيته الشخصية التي لعب فيها أبوه دورا جوهريا. غم أن مضمونها النظري والعملي هو نتاج مرحلة في تطور الفكرة القومية الاجتماعية. ومن الممكن العثور على مكوناتها الخفية في المقال الذي نشره تحت عنوان (ذكرى سوريين عظيمين)، والمقصود يهما كل من جبران خليل جبران ووالده خليل سعادة، بوصهما ممثلان للفكرة القومية السورية التي بلور انطون ملامحها النظرية والعلمية بصورة تامة. ففي هذا المقال يتناول إشكالية الفكرة القومية السورية من خلال تحليل مواقف وحقيقة هاتين الشخصيتين. (مع انه أضاف إليهما كل من انطون فرح وفيليب حتي). بل نراه يبحث في موتهما عن "سر"مثير للغاية. وذلك لأنهما كلاهما توفيا في نفس اليوم من ايام السنة التقويمية، مع فارق السنوات. فقد توفي جبران في الأول من نيسان 1931، بينما توفي خليل سعادة في الأول من نيسان عام 1934. وإذا كان جبران سوري النزعة، فان "خليل سعادة امتاز بوصه وطنيا صادقا وسياسيا بعيد النظر.... فأسس بكتاباته طريقة التفكير السياسي الصحيح وأيقظ محبة الوطن الحقيقية" كما يقول انطون سعادة. بينما أيقظت كتب جبران الناشئة وأرتها الظلمة التي هي فيها وحبب إليها الخروج منها. ومع أن جبران وقف عند هذا الحد، فان أهمية تعيين العتمة هي أهمية عظيمة الشأن. ومن هذه الناحية أمكن تعيين جبران خليل جبران "كسابق أمام النهضة القومية السورية". ولعل مقاله (لكم لبنانكم ولي لبناني) دليل تقاطع على عدم رضاه عن لبنان السياسي. كما أن هناك دليل خطي مادي على موقفه هذا في رسالته الى اميل زيدان مدير مجلة الهلال (اخو جرجي زيدان). فقد كتب إليه عام 1919 و1922 ما يلي "أنا من القائلين بوحدة سورية الجغرافية، وباستقلال البلاد تحت حكم نيابي وطني عندما يصبح السوريين أهلا لذلك، أي عندما تبلغ الناشئة الجديدة أشدها وقد يتم الأمر بعد مرور خمس عشرة سنة... فهناك أمور رئيسية يجب علينا المطالبة بها بالحاح واستمرار وهي وحدة سورية الجغرافية والحكم الأهلي النيابي والتعليم الإجباري وجعل اللغة العربية الأولية والرسمية في كل آن. إذا كنا لا نريد أن نمضغ ونهضم فعلينا أن نحافظ على صبغتنا السورية حتى وان وضعت سورية تحت رعاية الملائكة... وان بإمكان الغربيين مسعدتنا علميا واقتصاديا وزراعيا ولكن ليس بإمكانهم أن يعطونا الاستقلال المعنوي. وبدون هذا لن نصير امة حية. والاستقلال صفة وضعية في الإنسان موجودة في السوري ولكنها لم تزل هاجعة فعلينا إيقاظها" (انطون سعادة:الآثار الكاملة، ج8، ص). لكن نقطة ضعف جبران، كما يقول انطون سعاد، فأنها تقوم في تخليه وابتعاده عن هذه المهمة بانتقاله الى مجال "المجد الشخصي". "فترك الكتابة بلغة السوريين وانصرف الى الكتابة بلغة الأمريكان الذين هم أسرع من السوريين الى التقدير واقدر منهم على شراء الكتب. فاظهر من هذه الناحية ضعفا روحيا عظيما وهو الرجل الروحي الذي أراد الانتصار بأدبه على المادة". بعبارة أخرى، لقد اعتبر انطون سعادة "ترك الكتابة باللغة العربية نقيصة كبيرة لأديب عظيم مثله لا تعوض". بينما جعل من أبيه نموذجا للشخصية الوطنية المتجانسة. ولعل "كتاباته السياسية مثالا للأخلاق" العملية.

[4] انطون سعادة: الآثار الكاملة، ج1، ص152.

[5] انطون سعادة: الآثار الكاملة، ج1، ص337-343.

[6] انطون سعادة: نشوء الأمم، الآثار الكاملة، ج5، ص167.

[7] انطون سعادة: نشوء الأمم، الآثار الكاملة، ج5، ص168

[8] انطون سعادة: نشوء الأمم، الآثار الكاملة، ج5، ص13.

[9] إن العبارة الدقيقة لوحدة الجماعة والأمة تستمد مصادرها اللغوية والمعنوية أيضا من الفكرة الإسلامية عن وحدة الجماعة والأمة، أي البؤرة الأولية للكينونة الكبرى. والفرق بينهما هنا يكمن في تحجيم أو تحديد مضمون الفكرة الإسلامية من الناحية الكمية والغاية العملية الحديثة. بمعنى أنها تركز على كمية المكون التاريخي الثقافي البشري في سعيه للتكامل في كينونة قومية حديثة.  على خلاف ما هو مميز للفكرة الإسلامية من إبراز مطلق للفكرة النوعية، أي لا كمية فيها ذات تميز واختصاص إلا بمعايير الفكرة المجردة المتسامية.

[10] انطون سعادة: نشوء الأمم، الآثار الكاملة، ج5، ص13.

[11] انطون سعادة: نشوء الأمم، الآثار الكاملة، ج5، ص58

[12] انطون سعادة: نشوء الأمم، الآثار الكاملة، ج5، ص62

[13] انطون سعادة: نشوء الأمم، الآثار الكاملة، ج5، ص143.

[14] انطون سعادة: نشوء الأمم، الآثار الكاملة، ج5، ص144.

[15] هنا يستعمل انطون سعادة مصطلح "المتحد" كرديف أو ترجمة عربية لمصطلح(Community)

[16] وأطلق عليها كلمة عامة هي "المنطقية". وغير مفهوم مما إذا كان المقصود بالمنطقية هنا النطق والكلام أو المنطق. وكلاهما لا يعبران بدقة عما أراد قوله. وفيما لو دققنا ما راد قوله فانه كان يقصد بذلك وحدة الاجتماع والاقتصاد والثقافة.

[17] انطون سعادة: نشوء الأمم، الآثار الكاملة، ج5، ص47

[18] انطون سعادة: نشوء الأمم، الآثار الكاملة، ج5، ص54

[19] انطون سعادة: نشوء الأمم، الآثار الكاملة، ج16. ص

[20] انطون سعادة: نشوء الأمم، الآثار الكاملة، ج16، ص

[21] انطون سعادة: الإسلام في رسالتيه، ص 114.

[22] انطون سعادة: الإسلام في رسالتيه، ص 123.

[23] انطون سعادة: نشوء الأمم، الآثار الكاملة، ج5، ص161

[24] انطون سعادة: نشوء الأمم، الآثار الكاملة، ج5، ص162

[25] انطون سعادة: الإسلام في رسالتيه، ص125.

[26] انطون سعادة: الإسلام في رسالتيه، ص179.

[27] انطون سعادة: الإسلام في رسالتيه، ص180.

[28] انطون سعادة: الإسلام في رسالتيه، ص 226.

[29] انطون سعادة: الإسلام في رسالتيه، ص115.

[30] انطون سعادة: الإسلام في رسالتيه، ص128.

[31] انطون سعادة: الإسلام في رسالتيه، ص181.

[32] انطون سعادة: الإسلام في رسالتيه، ص123.

[33] انطون سعادة: الإسلام في رسالتيه، ص115.

[34] انطون سعادة: الإسلام في رسالتيه، ص 121.

[35] انطون سعادة: الإسلام في رسالتيه، ص178.

[36] انطون سعادة: الإسلام في رسالتيه، ص277.

[37] انطون سعادة: الإسلام في رسالتيه، ص 234.

[38] انطون سعادة: الإسلام في رسالتيه، ص 236.

[39] انطون سعادة: الإسلام في رسالتيه، ص 236.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم