صحيفة المثقف

يسري عبد الغني: مخطوطاتنا في السويد..!!!!

يسري عبد الغنيمخطوطاتنا العربية والإسلامية، بكل ما تحمل من علوم ومعارف وجماليات، هي كنوزنا الروحية، وذاكرة الأمة، ولكن الآلاف منها متناثرة في المكتبات الأجنبية في العالم، حيث اقتناها الغرب عاشقاً وطامعاً، واستولى على كثير منها بعد أن كانت محفوظة في خزائن الكتب في المساجد والمدارس ودور العلم وقصور الخلفاء والأعيان.. وقد استنار الغرب بحضارتنا العربية الإسلامية العريقة، واستفاد منها في علومه ومعارفه،

تضم المكتبة الوطنية السويدية في ستوكهولم، مئات الآلاف من الوثائق والكتب العريقة والمخطوطات النادرة، منها بضع مئات مكتوبٌ باللغة العربية، التي تم الاستحواذ عليها عن طريقين، إما عن طريق حروب السويديين مع شمال ووسط أوروبا، أو إهداءات خصَّ بها المستشرقون مكتباتهم عبر القرون.

ويعود الفضل في ذلك إلى الاستشراق، الذي لم يكن غائباً عن الساحة السويدية في القرنين التاسع عشر والعشرين، بل سطعت أسماء مستشرقين أمثال: كارل يوهان تورنبرج الذي قام بفهرسة مجموعة مخطوطات جامعة أوبسالا، كما حرص المستشرقان كارل زترستين وهنريك صمويل نيبرج، على سعيهم في الحصول على المخطوطات العربية والإسلامية لإغناء مكتبتهم الوطنية.

وتحتوي المكتبة السويدية الوطنية على نفائس المخطوطات، مثل «الناسخ والمنسوخ» لهبة الله البغدادي، الذي يعود إلى القرن الحادي عشر الهجري، وكتاب «الموسيقي الكبير» للفارابي الذي يقع في 93 ورقة، وهناك مخطوط في غاية الأهمية عن أسس الموسيقى العربية ويتمثل في «الرسالة الشرفية في النسب التأليفية»؛ تأليف صفي الدين الأرموي الموسيقي والمنظر الكبير - من أصول أرمينية - وتحقيق محمد الأسعد قريعة، وتصدير محمود قطاط، وكان له الأثر الأكبر في تقدم دراسة التراث العربي الموسيقي على مر العصور.

وتمتلك المكتبة السويدية مخطوطة رسائل حمزة بن علي الزوزني، المتوفى 433 هجرية، مزخرفة وملونة ومذهبة، تحتوي على 145 ورقة، تضّم مجموعة من الرسائل، منها: رسالة القرمطي إلى مولانا الحاكم، بدر التوحيد، ميثاق النساء، البلاغ والنهاية، السيرة المستقيمة، كشف الحقائق.. وغيرها، ولا بد من ذكر مخطوطة «رسالة عمر بن الوردي في رسم الدائرة»، وهي مخطوطة مزخرفة ملونة، في غلاف أنيق مذهّب، مكتوبة سنة 1015 هجرية، وتقع في 161 ورقة، وبها خرائط ورسوم لشكل الأرض ولمواقع البلدان وموضع الكعبة.

وتعتني السويد بفهارس المخطوطات في جامعة أوبسالا، كان أسبقها ظهوراً فهرس كارل يوهان تورنبرج (1807- 1877)، وآخرها صدوراً فهرس كارل فلهلم تسترستين (1866- 1953)، وهناك أيضاً بطاقات فهرسة خاصة لتسهيل الوصول إلى المخطوطات.

إضافة إلى تلك المحتويات الزاخرة من المخطوطات، تمتلك المكتبة السودية مخطوطات هامة أخرى مثل «الحِيَلُ الروحَانِية» للفيلسوف الشهير أبو نصر الفارابي، و«الحكمة العروضية» للشيخ أبو علي الحسين (ابن سينا)، و«سِرُّ الخليقة» 933 ميلادية، مؤلِّفها الحكيم بلينوس، وهي تعد أقدم مخطوطة بجامعة السويد ودول الشمال الأوروبي، و«كُمامةُ الزَّهر» لأبي محمد عبد المجيد بن عبد الله الفهري الأندلسي، و«ميزان الطبيب» لابن البيطار (ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد المالقي)، و«كتابُ الجوهرتين العتيقتين» لمؤلِّف غير مشهور اسمه الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف كنيته: أبو محمد ولقبه ابن الحائك الهمداني.

وبالإضافة إلى مخطوطات المكتبة الوطنية السويدية، تضّم جامعة أوبسالا التي يعود تاريخها إلى ما قبل أربعمائة سنة، وتخرّج فيها معظم العلماء والباحثين والأطبّاء والقانونيين والمشاهير، معهد الاستشراق المتخصصّ في الدراسات العربية والإسلامية في كافة اتجاهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعيّة والثقافية واللغوية، ويعتني هذا المعهد بدراسة العالم الإسلامي شرقاً وغرباً، وتتركز دراساته على الجوانب التاريخيّة للعالم العربي والإسلامي، بل يمتد إلى عصور ما قبل الإسلام أيضاً.

ولعل أهم الباحثين الذين تخرجوا في هذا المعهد، هو السفير السويدي الذي عمل في دمشق، وهو أنغمار كارلسون صاحب كتاب «أوروبا والإسلام»، الذي أنصّف الحضارة العربية والإسلامية، وقدم الباحثون السويديون من معهد الاستشراق عدداً كبيراً من رسائل الدكتوراه في شعر محمود درويش ونزار قبّاني والنابغة الذبياني والصموأل، وغيرهم من رموز الثقافة العربية وأعلامها.

وكان للمستشرقين في السويد دور كبير في جمع المخطوطات العربية والإسلامية وفهرستها وترقيمها ودراستها، أمثال هنريك صموئيل نيبرغ 1889 ـ 1974، تخرج بجامعة أوبساله وسمّي فيها أستاذاً للعربية، وأحد أعضاء المجمّع السويدي الثمانية عشر، وألقى محاضرات حول «حماسة أبي تمام»، ونشر كتاباً عن محيي الدين ابن عربي، وآخر عن «المعتزلة»، ونشر بالعربية كتباً منها «الشجر» لابن خالويه، و«التدابير الإلهية» لابن عربي، و«الرد على ابن الراوندي» و«الفرق بين الفِرَق» للخياط.

وعملت السويد على تحويل هذه المخطوطات إلى إصدارات رقمية، ضمن ما أطلقت عليه (المكتبة الرقمية للمخطوطات)، التي أفاد منها الباحثون والدارسون، كما أصدرت جامعة أوبسالا مخطوطات تجاوز عمرها الألف عام، مثل مخطوطة سر الخليقة وصنعة الطبيعة التي كُتبت سنة 322 هجرية، وترمي الصيغة الرقمية إلى تسهيل عملية توفيرها إلى الباحثين والدارسين في أنحاء العالم.

وقد أهدت السويد سبع أسطوانات رقمية عن المخطوطات العربية والإسلامية إلى مكتبة الإسكندرية، وكل أسطوانة تحتوي على نسخة رقمية كاملة من مخطوط نادر، وهي قصيدة البردة للبوصيري، ديوان سلامة بن جندل، «الزيج الجامع» لكوشيار الجيلي، «غِيَاثُ الأُمم في التياث الظُّلَم» للجويني، «البديع في نقدِ الشعر» لأسامة بن مُنقذ، «اللُّمع في النحو لابن جني»، «التاريخ الكبير» للمقريزي.

وتقدم المكتبة فهرساً متكاملاً للمخطوطات المتوفرة لديها، ويمكن للباحثين والدارسين استخدامها بسهولة أو طلب نسخة منها على موقعها، ويمثل إصدار المجموعة الرقمية الخاصة بجامعة أوبسالا السويدية حدثاً هاماً في مجال المكتبة الرقمية للمخطوطات. ومكتبة جامعة أوبسالا، من أعرق الجامعات الأوروبية، تضم 5 ملايين كتاب، بالإضافة إلى 1280 مخطوطة شرقية، منها حوالي 540 باللغة العربية، والمتبقي منها باللغتين الفارسية والتركية، ويرجع تاريخ هذه المجموعة الشرقية إلى بداية القرن الثامن عشر، وكانت النواة الأولى لها عبارة عن مخطوطات مهداة إليها، ثم بدأت تتزايد بمرور السنوات.

وتسعى السويد أن تقيم علاقات وطيدة بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الغربية، لذلك تعمل على تشجيع الباحثين والدارسين على دراسة اللغة والتاريخ، سواء من السويديين أو الأجانب أو العرب.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم