صحيفة المثقف

اياد الزهيري: الإله في الأديان والأقوام البدائيه

اياد الزهيريتدل الدراسات الأنثربولوجية أن الأنسان ومنذ فجر الخليقة قد أرقته مسألتين هما؛ مصيره بعد هذه المسيرة الطويلة في الحياة، وكيفية أتقاء ما يتعرض له من مخاطر خلال وجوده على هذه الأرض، حيث السؤال من أين جاء؟ ومن كان السبب في وجوده ؟ ووجود ما يحيط به من مظاهر طبيعية من نجوم وكواكب وجبال وبحار وبراكين، حيث خلبت لبه، كما في نفس الوقت أثارت فيه المخاوف والرهبة، والقلق، حيث البراكين والزلازل وعواصف ووحوش، كلها تشكل خطر على وجوده والتفكير بكيفية دفع الخطر عنه وأتقاءه منها.

عندما نقول المجتمعات البدائية فأعني بها المجتمعات التي سبقت الكتابة، والمجتمعات التي لازالت تعيش حياة فطريه بدائية لم تدخل في أي طور حضاري . كما أني أشمل في هذا البحث عصور ما قبل التاريخ، وهو عصر ما قبل الكتابة، والذي ينقسم الى ثلاث عصور، وهي (العصر الباليوليتي) وهو العصري الحجري القديم، و(العصر الميزوليتي) وهو العصر الحجري الوسيط، و(العصر النيوليتي) وهو العصر الحجري الحديث، ولكي تُغطى دراسة نشوء الأديان،  لذى يجب أن يمتد الزمن الى ما قبل تلك العصور، لأن الترتيب الزمني للعصور الحجريه يبدأ من 10000 ق م الى 2700 ق م، وكما ذكرنا أعلاه أن هناك أقوام لا زالت لحد الآن تعيش عصر ما قبل الكتابه في جزر نائيه في المحيط الهادي وفي مجاهل أفريقيا وأستراليا وهنا يمكننا أن نحصر هذه الأقوام بأنها أقوام تعيش ما قبل الحضارة بغض النظر عن المدى الزمني، وأنما تتحدد صفة البدائية بما يعيشون من نمط عيش، ومستوى تفكير غاية في البساطة، وغايه في البدائية. كما لا أحد يمكنه الأدعاء أن الأنسان يمتلك معلومات مفصلة وكافية عن حياة الأنسان بكل تفاصيلها وخاصة لفترة ما قبل 10000 ق م، وذلك بسبب عدم أكتشاف الكتابة من قبل الأنسان، وكذلك لندرة اللقى والآثار التي تسجل أسلوب حياة الأنسان وعقائده، لذى أن ما قدمته الأثار المكتشفة من أثار مادية ومنها الكتابة قد دونت الكثير من المعلومات سواء كانت حياتية أو عقائدية للأنسان الذي سبق تاريخ الكتابة، ولكنها تبقى معلومات منقوصة ولا تصل بنا الى درجة الأطمئنان الكامل والأكيد، كما أن المعلومات التي تنقل شفاهةً يعتريها الكثير من التحوير والتبديل والضياع . وبما أن موضوعنا يتناول الدين وكيف نشأ مع الأنسان لذى سيكون الأله هو مركز بحثنا، ومدار دراستنا. أن البحوث الأنثربولوجية والأركيولوجيه أثبتت أن الدين حاله ملازمة للأنسان، ولم تنفك عنه يوماً من الأيام، بل يعتبر عنصراً مهماً من عناصر حياته، كما أنه يأخذ مكان الصداره وموقع القداسة والجلال في نفسه، ولا نبالغ أذا قلنا أنه يمثل محور حياته لأنه يعبر عن تأملاته وهواجسه العقلية والروحية والنفسيه، ففيه يتعلق التسائل عن سر الوجود، وعن المصير، وما يعتقدوه من توفير الحماية من المخاطر التي تحملها الطبيعة المحيطة به، ويمكننا القول أنه يمثل الملاذ الأمين له، فمن خلاله يؤمن غذاءه، ويهدأ روعه، ويحميه من مظاهر الطبيعة التي تتسم بالمخاوف وما تحمله من المجهول وذلك عن طريق الألهة التي هي السبب في كل ما يحدث، فهي الخالقة وهي الفاعلة في كل الكون . أن جهل الأنسان في معرفة ما يحدث، هو واحد من أهم دوافع التأمل للبحث عن السبب الأول لما يراه وما يدهشه من آثار، كما يثير فيه الكثير من الفضول لمعرفة القوى التي تقف وراء ما يحدث، وبما أن الأنسان قليل التجربة والمعرفة، وبحكم بدائيته فهو لا يمتلك وسائل معرفية متطورة مما جعلته ينصرف الى الأسلوب التأملي والمتخيل في تفسير ما يراه ويحسه من مظاهر، كما هناك عاملاً في غاية الأهمية الا وهو حالة الخوف والفزع الشديد الذي أستبطن في نفوس هذه الأقوام، والذي شكل هاجساً قوياً أستقر في عقلهم الباطن، والذي شكل سبباً قوياً في مجيء الأحلام في منامهم والذي أطلق العنان لمخيلتهم في تصور قوى ما ورائية تقف ما وراء مظاهر الطبيعة، فمثلاً كان الأنسان لا يمكنه الا أن يتصور أن وراء الشمس والقمر والنجوم والبراكين والعواصف والمطر الا قوى كبيره هي المحرك لها، وهذا هو عين البحث عن السببية، وهو من أبسط المُسَلمات المنطقية في عقل الأنسان، لأن الأنسان في أحد تعاريفه أنه حيوان مفكر، والمسلمات المنطقية هي من أدوات التفكير، ولا تفكير بدون منطق، فمن خلال هذه التسائلات، وهذا التفكير المنطقي البسيط خرج بأستنتاج أن هناك قوى ماورائية لا يمكن أدراكها،  وخفية، هي المسؤولة والسبب فيما يجري في كل ما يشاهده من أحداث وما يلمسه من مظاهر، ولكن بما أن الأنسان البسيط يكون حسي أكثر مما يكون تجريدي،  لذى عمل على ترميز هذه القوى لتكون أشبع لأحساسه وأكثر أملاءً لروحه في أتخاذ رموز لها متمثلة بحيوانات أو نباتات، وهناك حالة أكثر تطور وهو أن الظواهر الطبيعية مثل الشمس والقمر هي كائنات تحمل في داخلها قوى ماورائية، أو بعبارة أخرى أن هذه القوى تتكثف في هذه المظاهر الطبيعية، ومع الزمن وبحكم تعلق الأنسان بهذه القوى، ولحاجته الملحه لها حاول ولأجل السهوله له رَمَزَ لهذه القوى الخفية بالأشكال والرموز الطوطمية، وذلك لسهولة حملها عند تنقله، وهناك من يريد أن يجعلها في بيته وقريته وفي متناول قبيلته لأنهم يعتقدون أن هذه القوى الخفية هي سبب الخصب والنماء والعطاء، والدافعة للضرر، والناصره على الأعداء والدافعة للشر والبلاء، لذلك جعلوا منها رسماً طوطمياً يسهل نقله أينما حلوا وأرتحلوا . فهم بالحقيقة لم يعبدوا الشمس والقمر والأرض والحيوان والنبات والطوطم، بل يعبدوا القوى الخفية التي يَرمز لها بهذه الترميزات المستمده من واقعهم والقريبة من تصوراتهم، وحتى عرب الجاهلية كان لهم نفس الأعتقاد، وهو أن أصنامهم لم تكن الا وسائط تقربهم الى الله، وقد  أكد القرآن الكريم تصورهم هذا حيث يقول الله في كتابه الكريم (ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى) لأنهم أدركوا بحسهم وتأملاتهم أنه من العسير الأحاطة بهذه القوى المجهولة الكنهة، والتي هي ذات طبيعة لا تمت لطبيعتهم، وقد سموها (بالأله الأعلى)، والبعض يسميها ب(الروح العظيمه)، وهناك من يسميها بالروح الأحيائية كما عند شعوب البانتو، والتي يطلق عليها ال (النياما) أي القوة، ومن الجدير بالذكر أن نشير كلك للأديان السورية البدائية والتي أتخذت من الأله بعل بأنه و وجود أزلي، والخالق الأول، والقوة الكامنة في العالم والمفعلة لظواهره،  وحتى الألهة المتعددة التي يعبدونها، ما هي الا تجليات لهذه القدرة العظيمة والروح الكبيرة. هناك نكتة يجب الأنتباه أليها، الا وهي ظاهرة التعدد في الألهة، حيث ترى هناك المئات، بل الآلوف من الألهة، حيث ترى لكل قبيلة أله، ولكل قرية أله، وحتى لكل عائلة أله، وهناك من يقول أن البعض يتخذ له أله خاص به، يتعبد له، ويحمله معه لحمايته . هذه التعددية ناتجة من تصور لا يتحمل أن تكون كل هذا الكون وبما يحمل مخلوقات كثيرة ترجع لخالق واحد،  فهي معقدة ومن غير المعقول والمقبول أن ترجع الى مصدر واحد، فهي فوق قدرة هذا الواحد مهما أُتي من قوة، ومهما تمتع من قدرة، فتصوروا أن للنبات أله وللحيوان أله وللشمس أله وللقمر أله، وللسماء أله، وللأرض أله، وللمطر والخصب والأنتاج الزراعي أله ، وحتى المياه وما تحويه من كائنات أله، وهكذا. ولكن يعتقد الأنسان البدائي أن هناك ألهه ثانوية تساعد الأله الأكبر، وهو الأله الكوني والبعض يسميه بالسيد الكلي كما في الديانات الفولتية الأفريقية، وهو يعتبر الأله الأول والأزلي . من ناحية أخرى فالأنسان من ضمن ما تحيط به من مخاوف ومن عدم القدره على تأمين العيش، والخوف من المرض والموت، وأن كل ما يحدث من قلة وكثرة، وجدب وخصب ناتج عن قدرة عليا، هي من تقرر كل ذلك، لذى يسعى الأنسان الى التوسل أليها والدعاء لها، والتقرب منها بالقرابين والنذور، وأن رضاه وتجنب غضبه هو الوسيلة في حصول النعمة ودفع كل مكروه.

من المهم الأشاره الى بُعد ثالث غير بعد الخوف والرجاء، الا وهو تأمل الأنسان لما يُحيط به من مظاهر كونية، وتسائله عن البداية والمصير، والهدف من هذا الوجود الذي هو جزء منه، هذه التأملات والتسائلات جعلته يتطلع لما وراء هذه المظاهر، فالأنسان البددائي لم يعرف عنها شيئاً ولم يخبرها، ولم يعرف عن قوانينها، أنسان يعيش طفولته العقلية التي تتميز بالعفوية والسذاجة، ولكنها لا تخلو من مسلمات منطقية بفعل ما يتمتع به تفكيره كأنسان مختلف عن الكائنات الأخرى، فهو الأكثر نضجاً والأعلى تفكيراً، والأكثر قابلية على التعامل مع التجارب والمعلومات التي يحصل عليها . من خلال ذلك تبادر الى ذهنه بأن هناك قوة وراء هذه الظواهر خالقة ومحركة وفاعلة، فمرةً أعتقد أن هذه القوة تكمن بالماء كما في الأله أنكي عند السومريين، ومنهم من أعتقد أن الأله يكمن كقوه في القمر وسَموه الأله سن وأحياناً ننار، وهناك من أعتقد أن الأله في السماء وسموه السومريون آنو وهناك من جعله بالشمس وسماه المصريون القدامى رع وهناك من جعله بالعاصفه وسماه حدد وهناك المئات بل الآلاف من أسماء الألهه في ميثولوجيات الشعوب البدائية، فمثلاً اله الشمس يكون له عدة أسماء وكذلك أله القمر وغيره من المظاهر الكونية ولكن أختلاف اللغة والأعتقادات تعطيها أسماء مختلفة ولكن الدلالة واحده. بما أن الأنسان البدائي هو لصيق بيئته ومحسوساته لذى يميل بتمثيل هذه القوه الما ورائيه فيما هو محسوس ومادي، فيجعل مما هو مادي تجلي لماهو لا مادي، وذلك بسبب محكومية الأنسان بحواسه وصعوبة الأحاطة بما هو غير محدود، ولذلك يشير عالم الأجتماع دوركهايم حيث يقول (فالعبادة الطوطمية الفعلية لا تتوجة الى نوع حيواني أو نباتي محدد ومعين، بل الى قدرة مبهمة تتخلل هذه الأشياء وتنتشر فيها). أن الذي نستشفه من ذلك هو أن الأنسان القديم رغم بدائيته توصل بتأملاتة وأخيلته الى أن هناك قوه كامنة مودعه في هذا العالم محجوبة عن الرؤيا، الا أنها تهيمن على الكون، وأنه مسؤول، ومهندس كل شيء في ها الوجود العظيم، وأن هه القوة الكونية لا تشبه الأنسان، وليس من طبيعته، وأنه يفوقة قدرة وقوة، ... يتبع

 

أياد الزهيري

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم