صحيفة المثقف

راضي المترفي: حلم عقيم

راضي المترفياعتدت منذ فرض الحظر الجزئي ان أغادر مدينتي ظهر الخميس إلى أحد المدن او المحافظات لاقضي أيام الحظر هناك وحيدا اتجول في الأسواق واطلع على معالم المدينة وادون في ذاكرتي المتغيرات التي طرأت عليها بعد رحيل النظام السابق وفي الخميس المنصرم قصدت مدينة كانت في ما مضى من المدن الحالمة التي تغفو على نهر الفرات بوداعة وهذه المدينة جميلة رغم الفقر والإهمال وتأكل بناها التحتية حيث يضج نهارها بأصوات الكسبة والعمال والشرائح الكادحة ويمر ليلها في جلسات شعر وسمر وتزاور بين أهلها الموصوفين بطيبتهم وقدرتهم على كتابة الشعر .. في إحدى ليالي إقامتي فيها قصدت مقهى افل زمانها وتبعثر مرتادوها وكلحت واجهتها وشاخت ارائكها وأصبح حتى الشاي فيها معتقا لأكثر من يوم لكن صاحبها لازال يصر على مصارعة الأزمنة والحضور في الصباح الباكر وكنس ارضيتها ورشها بماء النهر ووضع إبريق الشاي الذي لازال مملوء بشاي الامس على النار عل زبون يزوره ويطلب شابا رغم أن روادها الحاليين هم من المعتوهين ومن شتت بهم دروب الضياع او من المجانين الذين اتعبهم التجوال في طرقات المدينة فلاذوا بالمقهى حماية لهم من حجارة صبية يطاردونهم في الأزقة والشوارع . جلست على أريكة متهالكة وكان يجلس قبلي أحد الغرباء ومعتوه ومجنون ذو عيون غائرة يستوطنها الخوف بعد لحظات وصل أحد أشهر مجانين المدينة والذي عرفته المدينة بأنه كئيب غير انفعالي وذو جنون لطيف وحياني بإشارة من يده وجلس قريبا مني بعدها اقترب مني أكثر وسألني عن تاريخ وصولي للمدينة ولما أخبرته قدم لي كشفا سياحيا عن مرافق المدينة ودروبها وآثارها ومعالمها الاثرية والتاريخية والثقافية وأبرز شعرائها وكتابها واغفل ذكر الساسة فيها فبادرته بسؤال : الا يوجد في المدينة سياسيين؟ فقال: في الماضي كانت صبغة المدينة لدى النظام السابق حمراء لكل مثقف والانتماء لأحزاب محظورة لكن من يدعي التدين لذا كان النظام السابق يحاصرها بالفقر والتجويع والمطاردة وتوزيع التهم والسجن والتشريد والتصفية الجسدية اما الحاضر فالمدينة فقدت كل الالوان وليس الصبغة الحمراء فقط ورغم رحيل النظام السابق لم تعد لها نوارسها التي شردها ذلك النظام إنما امتلأت على حين غرة بوجوه صفر ولحى طوال ولصوص ذا صبغة سياسية واستولوا على كل موارد المدينة ووظائفها حتى أصبح حال المدينة أسوء من حالها في زمن ذلك النظام بل الحال الحالي اذا أردته أكثر دقة فإنه يشبه حال هذه المقهى التي نتشارك انا وانت الجلوس على اريكتها المتهالكة هذه

 - وهل هناك حل من وجهة نظرك؟

- نعم هناك حل لكنه مستحيل ان لم يكن عقيم

- ماهو؟

- ان يبعث الله فيها نبيا بسيف مثل سيف الحجاج 

- وحكمة؟

- لا هذه المدينة لا تنفع معها الحكمة

- وماذا ينفع اذا؟

- تحصد الرؤوس وتحرث الأرض ويأتي الله بخلق جديد

- الا ترى أن هذا الأمر محال؟

- اذا تبقى المقهى على هذه الحال حتى يرث الله الأرض وما عليها. 

-والمنقذ المخلص؟

- أكذوبة نشرها تجار الأديان

- حتى لو كان حجاجا آخر؟

- لم يغفل تجار الدين هذا وجعلوه يخرج بالسيف والسيف وحده

- اذا النتيجة واحدة؟

- تمام لكن يجب أن لا يكون واليا او منفذا إنما نبيا بسيف ومن دون حكمة .. قبل أن أطرح سؤالي التالي نهض مقهقها وقال وهو يبتعد عني انت أيضا من الذين اينعت رؤوسهم .

 

راضي المترفي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم