صحيفة المثقف

محمود محمد علي: وداعاً كمال الجنزوري.. وزير الفقراء والمساكين!

محمود محمد عليبخالص الحزن وعميق الأسى، انتقل إلى الرفيق الأعلى صباح أمس عن عالمنا اليوم الدكتور كمال الجنزورى رئيس وزراء مصر الأسبق وأحد أهم الشخصيات التي تولت هذا المنصب في مصر، بعد صراع مع المرض، وذلك في مستشفي القوات المسلحة بالتجمع الخامس في محافظة القاهرة . وهو صاحب فكرة الخطة العشرينية التي بدأت في 1983 وانتهت عام 2003، ولُقب بوزير الفقراء والوزير المعارض لما ظهر منه في وقت رئاسته الوزراء وعمله الذي اختص برعاية محدودي الدخل.

لقب بـ"وزير الفقراء" أو "الوزير المعارض" لما ظهر منه في وقت رئاسته للحكومة، وعمله الذي اختص برعاية محدودي الدخل.

ولد الدكتور كمال الجنزوري، رئيس وزراء مصر الأسبق، في قرية جروان بمركز الباجور بمحافظة المنوفية في 12 يناير 1933، وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة ميتشجن الأمريكية؛ وشغل العديد من المناصب بالدولة المصرية، حيث سبق أن شغل منصب محافظ الوادي الجديد ثم محافظ بني سويف، وأسند له إدارة معهد التخطيط القومي ثم أصبح وزيراً للتخطيط، ثم نائبًا لرئيس الوزراء.

بدأ الجنزوري في عهده عدة مشاريع ضخمة بهدف تسيير عجلة الإنتاج والزراعة والتوسع بعيداً عن منطقة وادي النيل المزدحمة، من ضمنها مشروع مفيض توشكى الذي يقع في أقصى جنوب مصر، وشرق العوينات، وتوصيل المياه إلى سيناء عبر ترعة السلام، ومشروع غرب خليج السويس بالإضافة إلى الخط الثاني لمترو الأنفاق بين شبرا الخيمة (بالقليوبية) والمنيب (بالجيزة) مروراً بمحافظة القاهرة للحد من الازدحام المروري بمحافظات القاهرة الكبرى.

كما أقر مجموعة من القوانين والخطوات الجريئة منها قانون الاستئجار الجديد كما ساهم في تحسين علاقة مصر بصندوق النقد الدولي وكذلك بالبنك الدولي. كما شهد في عصره تعثر بنك الاعتماد والتجارة فتدخلت الحكومة لحل الأزمة وتم ضم البنك إلى بنك مصر.

كما تم في عهده إصدار العديد من القوانين المهمة للمواطن المصري مثل قانون الإيجار الجديد، أما على الصعيد الدولي كان له الفضل في تحسين مصر بعلاقتها بكلا من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أيضًا.

كما كان له السبق في العديد من المشاريع الضخمة بهدف تيسير وتسهيل عجلة التنمية والإنتاج الزراعي بعيدا عن منطقة وادي النيل، نذكر منها مشروع “وادي توشكى” الذي محله جنوب مصر وشرق العوينات، وتوصيل المياه إلي سيناء عبر ترعة السلام في مشروع غرب خليج السويس، في مجال المواصلات شهد مد الخط الثاني لمترو الأنفاق وذلك بين شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية و المنيب بمحافظة الجيزة مرورا بمحافظة القاهرة وذلك بهدف التقليل من الازدحام والتكدس المروري، في محافظات القاهرة الكبري.

أُطلق علي الجنزوري لقب "وزير الفقراء"، وأيضًا "الوزير المعارض"، حيث كان يختص برعاية محدودي الدخل، ويعتمد سياسات لصالح الفئات الأولي بالرعاية، وهو صاحب فكرة الخطة العشرينية التي بدأت في 1983 وانتهت عام 2003

وتولي الدكتور الجنزوري، رئاسة الوزراء لأول مرة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، خلال الفترة من 4 يناير 1996 إلى 5 اكتوبر 1999.

وعقب أحداث ثورة يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، رشحه المجلس الأعلي للقوات المسلحة منذ ثورة 25 يناير برئاسة المشير طنطاوي لرئاسة الوزراء، وكلّفه بتشكيل الحكومة معلناً أنه سيكون له كافة الصلاحيات، يوم 25-11-2011، جراء مليونية 18-11-2011 «جمعة الفرصة الأخيرة» والتي استقالت بعدها حكومة عصام شرف؛ واستمر فيها حتى يونيو 2012.

ومنذ أن سيطرت جماعة الإخوان الإرهابية علي مجلس الشعب، بدأت التخطيط لإقالة حكومة الدكتور كمال الجنزورى، عن طريق سحب الثقة منها عبر مجلس الشعب، الذى يمثل حزب الحرية والعدالة، التابع للجماعة، أغلبيته البرلمانية، حيث كان الدكتور الجنزوري يعمل لصالح الوطن في ظروف بالغة التعقيد، في حين كانت تبحث الجماعة عن مصالح التنظيم فقط؛ حتي أن الجماعة هددت بالنزول إلى الشارع في مظاهرات كبيرة للمطالبة برحيل حكومة كمال الجنزوري.

لقد كان للمغفور له ‏إسهاماته المقدرة، فى بناء الاقتصاد الوطنى، ورعاية محدودى الدخل، ‏كما كان له نجاحاته المشهودة فى جميع المناصب التى تقلدها، ‏وتتلمذ على يديه كوكبة من أبناء مصر في شتى المجالات، هم الآن ‏في مقدمة الصفوف، ويحسب للمغفور له ثُلة من المشروعات الكبرى ‏التى بدأت فى فترة توليه رئاسة مجلس الوزراء..

من جانبه، نعي الرئيس عبد الفتاح السيسى، الدكتور كمال الجنزوري رئيس وزراء مصر الأسبق. وكتب الرئيس السيسى، عبر حساباته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي:"فقدت مصر اليوم رجل دولة من طراز فريد، هو الدكتور كمال الجنزوري رئيس وزراء مصر الأسبق.

وأضاف الرئيس :"كان الراحل بارًا بمصر، وفيًا لترابها وأهلها، وصاحب يدٍ بيضاء في شتى مجالات الحياة السياسية والاقتصادية، وكانت له مكانته العلمية، ورؤيته الحكيمة، وقدراته القيادية المتميزة والناجحة، فضلًا عن أخلاقه الرفيعة العالية، وتفانيه وصدقه وإخلاصه في مراحل مصيرية وحاسمة من تاريخ هذا الوطن".

واختتم الرئيس نعيه للجنزوري، بخالص الدعاء بأن يرحم الله الفقيد الغالي، كما توجه بخالص عزائه لأسرته وأهله، داعيًا المولى عز وجل أن يلهمهم الصبر والسلوان.

وفي نهاية مقالي أقول : فقدنا رجلا كبيرا عمل حتى آخر نفس في حياته من أجل خدمة بلاده والارتقاء بوطنه، ولم يدخر أي جهدا في حب مصر، وكان نموذجاً في البذل والعطاء كما أنه كان يعمل في صمت، فنعزي أنفسنا جميعا بخالص الحزن وعميق الآسى لوفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى صباح اليوم وندعو الله عز وجل، أن يتغمده بواسع رحمته، وعظيم مغفرته، وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان.. أسكن الله المغفور له فسيح جناته جزاء ما قدم لوطنه ومواطنيه، ‏وألهمنا وأهله صبر المؤمنين.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

رحم الله الدكتور كمال الجنزوري، الذي صدق فيه قول الشاعر: رحلتَ بجسمِكَ لكنْ ستبقى.. شديدَ الحضورِ بكلِّ البهاءِ.. وتبقى ابتسامةَ وجهٍ صَبوحٍ.. وصوتًا لحُرٍّ عديمَ الفناءِ.. وتبقى حروفُكَ نورًا ونارًا.. بوهْجِ الشّموسِ بغيرِ انطفاءِ.. فنمْ يا صديقي قريرًا فخورًا .. بما قد لقيتَ مِنَ الاحتفاء.. وداعًا مفيدُ وليتً المنايا.. تخَطتْكَ حتى يُحَمَّ قضائي.. فلو مِتُّ قبلكَ كنتُ سأزهو.. لأنّ المفيدَ يقولُ رثائي.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم