صحيفة المثقف

كريم المظفر: روسيا لزيلينسكي.. انت كنت تدري فتلك مصيبة!

كريم المظفرأختار الكريملين لغة التحذير لأوكرانيا وحثها على تجنب التصعيد في منطقة الجنوب الشرقي في اوكرانيا، وبالتحديد في جبهة الدونباس، والعمل على التزامها الصارم بالاتفاقات المبرمة سابقا بهذا الخصوص، ودعا الى ضبط النفس وإطلاق حوار مباشر مع جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك لتحديد الوضع الخاص لمنطقة دونباس ضمن الدولة الأوكرانية، في وقت تلقت كييف اول صفعة "مدوية " من الغرب، الذي رفض حتى مناقشة إمكانية قبول أوكرانيا في الناتو.

رسائل عديدة وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أولها في اتصاله الهاتفي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (التي طالبت موسكو بوقف تحشيداتها العسكرية على حدودها مع أوكرانيا) حذر من أن أوكرانيا تصعد الوضع في إقليم دونباس، لافتا اهتمام المستشارة الألمانية إلى "التصرفات الاستفزازية " من قبل كييف التي تزيد في الآونة الأخيرة بشكل منهجي من حدة التوتر عند خط التماس في جنوب شرقي أوكراني.

وأخرى في مكالمة هاتفية ثانية اجراها فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، الذي يستعد للقاء الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي، شرح فيها الرئيس الروسي رؤية بلاده لتسوية النزاع الأوكراني والتشديد خلالها على أهمية اتفاقات مينسك المبرمة عام 2015 أساسا لا بديل عنه لحل الأزمة في أوكرانيا، والاعراب عن قلق الجانب الروسي إزاء تهرب الحكومة الأوكرانية عن تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاقات مينسك واستئناف كييف "الممارسات الاستفزازية الخطرة التي تهدف إلى تصعيد الوضع على خط التماس".

أختيار الرئيس بوتين للمستشارة الألمانية انجيلا ميركل، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإيصال تحذيراته من " الاستفزازات " الأوكرانية، والنتائج الكارثية التي ستصاب بها أوكرانيا إذا ما تطورت الاحداث  الى الحد الذي "ستفقد " كييف بحسب الشخصيات الأوكرانية العديد من المناطق الأخرى في البلاد، فألمانيا هي عضو بارز في مجموعة " رباعية نورماندي " حول القضية الأوكرانية، في حين اختيار الرئيس التركي، هو لأن الأخير يستعد للقاء الرئيس الاوكراني هذا الأسبوع.

والتحذير الروسي على لسان نائب رئيس الإدارة الرئاسية لروسيا ديمتري كوزاك، كان بمثابة " ضربة " على رأس الرئيس الاوكراني " لإيقاظه " من نوم " العسل" الذي يغط به منذ المكالمة الهاتفية التي جرت بينه وبين الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أطلق لنفسه كعادة الرؤساء الأمريكيين " العنان " بالاغداق على نظيره زيلينسكي " بالوعود الفارغة " بشأن دعم واشنطن لكييف في " نزاعها " مع روسيا، فقد أيد المسئول الروسي التقييمات الموجودة داخل أوكرانيا، بأن بداية الأعمال العدائية هي بداية نهاية أوكرانيا، معتبرا ان مثل هذه الاعمال " كالقوس والنشاب، او كالطلقة التي لا تصيب، ولكن في" الهواء "، والتحذير في الوقت نفسه من أن روسيا ستضطر للدفاع عن مواطنيها الذين يعيشون في دونباس إذا كان حجم الصراع مناسبًا، لأن موسكو لن تسمح بوقوع " سربرنيتسا " أخرى هناك .

موسكو التي عبرت عن تأييدها للانفتاح الكامل لمحادثات مينسك حول دونباس ونشر الوثائق ذات الصلة، فإن أوكرانيا تخشى الكشف عن مضمونها، وهو ذات النهج الذي تتبعه ألمانيا وفرنسا، حيث يخشى الجميع "التحدث عنها علنا"، ووفقا للمسئول الروسي فان موسكو عرضت الشفافية والانفتاح والبث (من المفاوضات) حتى يفهم الجميع ما كان يحدث، وعندها "ستكون المستندات المكتوبة مفتوحة ومتاحة للجميع "، وتشير موسكو الى ان هذه السرية خيالية ومشروطة، وانها حاولت الامتثال لها أيضًا، لكنها من وجهة نظرها أحادية الجانب، فهي ضرورية فقط لأوكرانيا لتهيمن على فضاء المعلومات وتتبع خطها الخاص، وهذا "هو الشيء الوحيد الذي يفعلونه - إنهم يضللون مواطنيهم " بحسب كوزاك، وتعرب روسيا عن قناعتها من أن جميع الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها كييف مرتبطة بانخفاض كارثي في تصنيف الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي .

وعلى ما يبدو ان التحذيرات الروسية نجحت في احداث شرخ في الموقف الاوكراني وتشدده قبل أيام، بإعلان سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، أليكسي دانيلوف، أن كييف لن تحاول استعادة منطقة دونباس شرق أوكرانيا بالقوة، معتبرا أن مسألة الحرب "بيد" رئيس روسيا فلاديمير بوتين، لكنها مستعدة للدفاع عن نفسها ضد أي عدوان آخر، وان أوكرانيا تعتقد أن حكومة بوتين تحشد قوات ومعدات عسكرية على الحدود معها في مسعى لاستنفار المواطنين الروس ضد عدو أجنبي وصرف الانتباه عن مشكلات داخلية.

كما يأتي التراجع الاوكراني بعد ان أعلنت برلين ان الوقت الحالي لا ترى فيه أي احتمالات لتقارب أوثق بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، رغم المحاولات التي تبذلها لاتفيا وليتوانيا مؤخرًا في مطالبة قيادة الناتو بشكل مقنع بمنح أوكرانيا خطة عمل لعضوية الناتو (MAP )، وتصريح السكرتير الصحفي للبيت الأبيض جين بساكي، بإن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تناقش هذه القضية مع كييف، وفي الوقت نفسه، أشارت إلى أن القرار بشأن عضوية الناتو يتخذ من قبل جميع أعضاء حلف شمال الأطلسي، وليس واشنطن فقط، وبالتالي فان دعم المملكة المتحدة والولايات المتحدة أوكرانيا هو "شفهيًا "، وان المساعدة العسكرية لحلف الناتو لأوكرانيا في لندن وواشنطن لا تزال في مرحلة المحادثات ووراء الكواليس، وتأمل كييف بشدة أن تثير لندن وواشنطن قضية مساعدة الناتو لأوكرانيا في صد "المعتدي الروسي" في بروكسل.

سببا آخر اعتبره المختصون مهما، هو ان الناتو قد يفشل في تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا في دونباس لسبب لوجستي، وهذا ما أكده أندريه شاراسكين، رئيس اللجنة الفرعية التابعة لمجلس النواب المعني بالسياسة البحرية والأمن،والقائد السابق لـ "سايبورغ" دونيتسك من "القطاع الصحيح" المحظور في روسيا، وقال إن عدم معرفة اللغة الإنجليزية يمثل مشكلة كبيرة لأفراد الجيش الأوكراني، بدءًا من القادة، في إطار التفاعل العسكري مع الناتو، حيث يتم إعطاء جميع الأوامر باللغة الإنجليزية" حصريًا "، وبالتالي فإن التنسيق العسكري للجيش الأوكراني وحلف شمال الأطلسي في هذه الحالة قد ينهار بسبب الجهل العام باللغة الإنجليزية في الجيش الأوكراني.

ومن أجل أن تفهم القوات المسلحة وتنفذ أوامر زملائها في الناتو بوضوح، تدرس كييف عدة خيارات، إحداها عودة الأقسام العسكرية إلى الجامعات الأوكرانية التي تدرب مدرسي اللغة الإنجليزية، وتأمل كييف في أن يساعد المتطوعون الحديثون للجيش على تعلم اللغة الإنجليزية، ومع ذلك، من الضروري تطوير برامج تعليمية لغوية فعالة للقوات المسلحة الأوكرانية، على غرار الدورات التدريبية السريعة للمترجمين العسكريين، ومثل هذه الخطة تحتاج لوقت طويل لتنفيذها.

تحذيرات الرئيس السابق لقسم التحقيق في جهاز الأمن الأوكراني (SBU) ) فاسيل فوفك، وانتقاده فكرة تدخل قوات الناتو في الصراع في دونباس، تنذر بأن تكون نتيجة مشاركة الحلف في الحرب، خسارة أوكرانيا للعديد من المناطق الجنوبية الشرقية في وقت واحد، والتشديد على ان الجميع يدرك أنه بدون الناتو لن تربح أوكرانيا أي حرب في أي مكان، ووفقا له، لن يتم قبول أوكرانيا في الناتو ولن يدافع الأعضاء الآخرون في الحلف عنها - خاصة في ظل غياب وحدة الأراضي وأزمة الدولة، وأن يترك الناتو القوات الأوكرانية لمصيرها، فان روسيا لن تحصل على منطقة دونيتسك بأكملها فحسب، بل ستحصل أيضًا على مناطق خاركوف وخيرسون ونيكولاييف.

كما ان التصعيد الغربي ودعمه لأوكرانيا في حالة تفاقم الصراع في دونباس، والتفاعل الأوكراني بشكل متزايد مع " الشركاء الغربيين "، بما في ذلك الترويج للرسائل حول "تعزيز القوات الروسية" بالقرب من حدودها، والوعود الامريكية بمساعدة كييف في حال ما يسمى بالعدوان الروسي، اعادت ذاكرة المهتمين الى تلك الأجواء التي شكلتها الدول الغربية وامريكا عام 2008 مع جورجيا ومعركتها مع روسيا، وفي نهاية المطاف خسرت جورجيا المعركة واراضي لها في (أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا)، دون ان يحرك الغرب او أمريكا ساكنا لاسترجاعها، والاكتفاء بفرض عقوبات على روسيا، فقدت فحواها مع مرور الزمن .

لذلك يرى الخبراء في هذا الدعم الذي تتلقاه كييف من الدول الغربية، وقيام الولايات المتحدة بتزويدها بنوع من الأسلحة، ربما، وإجراء تدريب للأفراد والضباط، وكذلك قيادة موجة العلاقات العامة ودعم الجانب الأوكراني في جميع وسائل الإعلام المتاحة، ومع ذلك، فإنها لن تصل الى الموافقة على دخول أوكرانيا إلى الناتو، على الرغم من طلبات كييف، ولن يطرحوا الأمر أو يحموها، لان هذه الدول تتبع هدفًا مختلفًا، وهو فقط استمرار سياسة "احتواء موسكو"، لكن هذا لا يضمن أمن أوكرانيا.

ويجمع المحللون على ان أوكرانيا ليست سوى مادة قابلة للاستهلاك بالنسبة لهم وستستمر على هذا النحو حتى يتغير الوضع، كما يؤكد خبير المعهد الدولي للأبحاث الإنسانية والسياسية فلاديمير بروتر، يعتمد ما إذا كان الصراع في دونباس سيدخل مرحلة مفتوحة على موقف الدول الغربية، فإن التفاقم بحد ذاته هو مجرد استفزاز، وهو بحد ذاته لا يحمل أي أهداف عالمية ومن غير المرجح أن يقود إلى "الحرب مع روسيا"، وبدوره، يوافق ديمتري سوسلوف، نائب مدير كلية الاقتصاد العالمي والسياسة العالمية في المدرسة العليا للاقتصاد، على أن أحد الأهداف الرئيسية لدعم الغرب لأوكرانيا هو احتواء روسيا.

وفي الواقع، لا تحتاج الدول الغربية إلى أوكرانيا لحل نزاعها الداخلي على أساس اللامركزية والإصلاح الدستوري ومنح الحكم الذاتي لدونباس - أي على أساس تغيير دولتها، فالغرب مهتم بأن يظل الجانب الأوكراني في توجهه المؤيد للغرب والمناهض لروسيا والعمل كأداة رئيسية لاحتواء روسيا في أوروبا، وإن الغرب، في الواقع، يخوض صراعًا من أجل التدمير مع روسيا بالمعنى الجيوسياسي، أي من أجل تدمير موسكو كمركز مستقل للقوة ذات الأهمية العالمية، وإن هذا الدعم مفيد بالطبع للنخبة السياسية الحالية في أوكرانيا، لكن الغرب لن يقدم أي ضمانات أمنية إلى كييف، خاصة أنه لن يقاتل من أجل أوكرانيا، لذلك تعمل أوكرانيا كواحدة من بيادق في هذا النضال، ولهذا السبب تتلقى مثل هذا الدعم السياسي والدبلوماسي، ووفقا لسوسلوف .

ان ما يقلق روسيا اليوم هو ذلك الانقسام في المجتمع الأوكراني العميق للغاية في مناطق الجنوب الشرقي، التي لا تريد حتى أن تسمع عن العودة إلى أوكرانيا الموحدة، والتي قد تتبعها مناطق أوديسا وخيرسون ونيكولاييف وزابوروجي، ويشدد الكريملين على انه إذا قررت كييف الانضمام إلى حلف الناتو، فلن يؤدي ذلك إلا إلى تفاقم علاقاتها مع جمهوريات دونباس المزعومة وتفاقم الأزمة الأوكرانية الداخلية، ويؤكد أن هذا سيزيد من تفاقم الوضع، لأنه عند الحديث عن الانضمام إلى حلف الناتو، لا ينبغي للمرء بأي حال من الأحوال الابتعاد عن رأي الشعب، وان من نجح بأمتياز في دور "المهرج" (حيث كان الرئيس الاوكراني مقدما لبرنامج نقدي فكاهي) وكسب شعبيته منها، ليس بالضرورة ان يكون سياسيا ناجحا !!!.

 

بقلم: الدكتور كريم المظفر – موسكو

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم